—————————- لا أشك مطلقاً أننا في حضرة الفرصة الأخيرة لبلادناالحبيبة ، فرصة أن ينهض موحداً قوياً بتنوعه الجميل أو يتناثر إلى دويلات هزيلة تابعة لهذه الدولة أو تلك من دول المنطقة ، فرصة أن نبقى أو يذرونا الريح .. ثورة ديسمبر هذه ، وقد أنجزت الجزء الأهم (إسقاط دولة الفساد والاستبداد وكنس الاسلاموية السياسية من أرض السودان) ، ثورة ديسمبر ، هي هذه الفرصة التي نعيشها ، التي نسميها "الفترة الانتقالية" .. غير أن هذه الفرصة تتهددها عقليات تعتقد أنها تبحث عن السلام وعن تحقيقه ، عقليات موجودة عندالحركات المسلحة وبعض أطراف الحكومة ، تعتقد أن السلام لا يتحقق في "كل الأحوال" الا باقتسام السلطة (الوظائف) .. صحيح أن السلام ضرورة قصوى وليس مجرد هدف ، هو الأساس الذي تنهض عليه عمليات التنمية والاندماج الوطني والديمقراطية المستدامة وسيادة حكم القانون والازدهار الاقتصادي والعلمي والثقافي ، ولأننا نعيش حالة ثورة وديمقراطية نود ترسيخها فان تحقيق السلام مسؤولية الجميع ، وعدو الجميع هو الظلم والتخلف والتمييز العرقي والديني والجهوي .. ، ولكن : * أن ينتحل البعض أسماءاً تاريخية لمناطقهم وقد أوهموا الناس أنهم يحملون السلاح دفاعاً عن مصالح أهلهم ، متأبطين قضايا السدود وشهداء كجبار وحماية الأرض النوبية ، فاستسلم لهم بعضنا مصدقين ، ولا تثريب علينا فالثقافة المنتشرة هي ثقافة حمل السلاح لتحقيق الأهداف (كوش مثالاً ، وكذلك جبهة الشرق/فرع الإنقاذ) .. مثل هذه الحركات تستنزف الكثير من وقت الثورة وجهدها ، وهي مخاطر لم نتعامل معها بالوضوح والحسم المطلوبين ابتداءاً ، وذلك في نهاية الأمر جزء من سلبيات حياتنا وعلاقاتنا السياسية المأمول محاربتها في رحى الثورة الجارية بالتدريج المناسب .. * الحركات المسلحة حقيقةً والتي نهضت دفاعاً عن الأرض والإنسان في دارفور وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق ، ومع عدالة قضاياها ، هي حركات خالية من أي خلق أو إبداع في أطروحاتها ورؤاها ، تستنسخ تجربة الحركة الشعبية لتحرير السودان(الأصل) ، وقادتها على خطى الشهيد الدكتور جون قرنق ، دون أن ينتبهوا إلى أن الحركة الشعبية لتحرير السودان تميزت بأنها كانت وحدوية وكانت أول حركة جنوبية مسلحة تنطلق من وحدة القضية السودانية "ورغم وجود قضية حقيقية ، قضية تمايز حضاري بين الشمال والجنوب" ، كان مطلبها دائماً هو تأسيس سودان جديد، بحقوق ثقافية وسياسية متساوية ، اما مطالبتها بممارسة حق تقرير المصير لشعب جنوب السودان فقد قصدت به إعادة بناء الوحدة السودانية على أسس طوعية عن طريق ممارسة هذا الحق .. (رحم الله الشهيد قرنق الذي لم تتح له الأقدار أن يستكمل مشروعه الكبير) .. * فإذا تركنا قادة هذه الحركات وهم يخاطبون جنودهم على طريقة جون قرنق دون اضافة أو اجتهاد خاص ، فإن مطلباً مطروحاً من بعضهم ينادي بحق تقرير المصير (حتى لو كان موقفاً تفاوضياً) يفرض علينا مناقشته والتعليق عليه ، فمثل هذا المطلب يخرج بالقضية من كونها تخص الحركة المسلحة المعينة إلى قضية وطنية عامة تخص شعب السودان كله .. نعم ، تقرير المصير حق إنساني أصيل ولكنه ليس مطلقاً بدون ضوابط أو شروط ومعطيات ، والأمثلة على الحقوق الأصيلة ذات الضوابط كثيرة ، فالزواج مثلاً حق ، وعند بعض الملل والكيانات فرض ، ولكنه ، وفي كل الأحوال ، له ضوابط ومحظورات مثل الزواج من الأمهات أو الأخوات ...الخ ، فممارسة حق تقرير المصير في إقليم معين يعني احتمال أن ينفصل ذلك الإقليم عن الوطن الأم لتأسيس دولة مستقلة ، ولذلك يجب أن تتوفر في ذلك الإقليم عناصر تؤهله لذلك ومشاكل تستدعيه .. فالعنصر النوبي ، سواءاً في أقصى شمال السودان أو في جبالهم بجنوب كردفان ، هم من عناصر التكوين السوداني الأساسية ؛ لحمته وثقافته ومزاجه ، مثل بقية المجموعات السودانية ، فمن الذي يرفع شعار تقرير المصير بينهم ؟ ومن ينفصل عن من اصلاً ؟ .. المظالم والقضايا التي يعاني منها أهالي جنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان في عمومها هي نفسها في كل أقاليم السودان ولا يمكن التصدي لها بالحلول والمعالجات الا في إطارها الوطني العام ، فالأزمة شاملة وممتدة لا يمكننا مواجهتها إلا بتكامل أدوار الجميع الإيجابية المخلصة ، قضايا الثورة ومشكلات الشعب الثائر الصابر كثيرة ومعقدة ، حتى لو انتظمت جهود الجميع في مواجهتها فلا اعتقد أن سنوات الفترة الانتقالية الشحيحة ستكفي ، فما بالك ؟ .. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. ///////////////////