الأجيال الحاضرة لن تنسى يوماً كالحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001م، فذلك كان حدثاََ سيظل فارقاََ في صراع القوى العظمى وتسابقها نحو تصدير الإستعمار الحديث بوسائل أكثر نعومة من ذي قبل، وكأن من أطلقوا على أنفسهم صفة (دول عظمى) يستشعرون فداحة خطأهم بالخروج مبكراً من المستعمرات السابقة!! قبل أن يلتقط العالم أنفاسه من هول الأحداث التي تطل يوماََ تارة بإسم الإرهاب وتارة أخرى بداوعي مجابهتها، أطل فجر الثالث من يناير 2020م بالحدث الأبرز خلال هذا العام والذي بلا أدنى شك سيكون له ما بعده، بل قد تتبدّل الكثير من الثوابت والقيم والمرتكزات الفكرية والسياسية التي ظلت تشكل عالم اليوم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية التي إنتهت بتنفيذ أمريكا لجريمتها الكبرى في (نجازاكي) و(هيروشيما) اليابانيين سنة 1948م. إن سلوك الإدارة الأمريكية الأمريكية يؤشر منذ إنتهاء الفترة الثانية للرئيس باراك أوباما نحو السعي الدؤوب في نقل حربها ضد أعدائها الحقيقيين في شمال سوريا إلى ميدان العراق، لتجر الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى معركة ستطول في هذه المنطقة، ولعل حادثة إغتيال الجنرال (قاسم سليماني) ومرافقيه تأتي بمثابة هدية من إدارة الرئيس ترامب لإيران التي ستخوض حرباََ خارج حدودها الجغرافية مع أفضلية جوار العراق ووجود أنصار لها بفضل وجود الكثير التعقيدات المذهبية والطائفية في البلدين العراقوإيران. وقد تجد إيران المسوّغ الكافي لاحتواء العراق والمليشيات التي تنشط هناك في مقبل الأيام بداعي تأمين المنطقة، وهو الأمر الذي سيجد ترحيباََ من حكومة تصريف الأعمال في بغداد بطبيعة الحال. غير أنه سيكون من المرجح لو أن إيران تمهّلت قليلاََ في الرد العسكري الرادع وأن تبدأ بتفعيل واستخدام سلاح (الحرب الاقتصادية) على القوى الكبرى الأوربية حتى تضمن حياديتها عند حلول (ساعة الصفر) لتوجيه ضربات موجعة على الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط، فالتهديدات الكثيرة التي أطلقتها إيران عقب إغتيال سليماني من خلال مختلف أجهزتها التنفيذية، من الأمور التي لن تمر دون إتخاذ خطوة ملموسة من قبل نظام يناصب أمريكا العداء منذ أكثر من أربعين سنة. لقد جسّدت الولاياتالمتحدةالأمريكية عودة الإمبريالية العالمية في صورتها الحديثة بضربها سيادة العراق عرض الحائط، فقائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني كان في سوريا وترصد الإدارة الأمريكية جميع تحركاته، لكنها عزمت على تحويل (ميدان المواجهة) إلى دولة كالعراق لم تهنأ بالاستقرار منذ حرب الخليج الأولى لبدء مخطط تدميرها، ولشيء في نفس ترامب، إختار أن يتم التصفية بالقرب من قواعدها العسكرية في الخليج، مع رفض الإنصياع لقرار برلمان دولة مستقلة كاملة السيادة إلا بعد دفع تكاليف إنشاء قاعدتها الجوية!! أليس هذا هو الصلف والتكابر والتمادي في إرتكاب الأخطاء؟! وما الفرق إذاً بين إرهاب الدولة الإسلامية وإرهاب واشنطن؟ إن العلاقات الإيرانيةالعراقية قضية معقدة جداََ ولا يمكن فهمها دون النظر في جذورها المتعمقة، الخطأ الوحيد الذي يمكن أن يحسب على برلمان العراق هو استصدار القرار بتشريعهم القاضي بإخراج التحالف الدولي من الأراضي العراقية وعلى رأسه القوات الأمريكية، فذلك مدعاة لبعث الحركات الإرهابية مرة في هذه المنطقة التي شهدت إستقراراً نسبياً بعد مقتل أبو بكر البغدادي، أما الداخل الإيراني فإن حالة من التماسك حول المرتكزات القومية ستنشأ بلا شك لكون (سليماني) يعد بطلاََ قوميا لدى الإيرانيين بمختلف توجهاتهم السياسية، فهو إلى جانب إنه من أبرز المقرّبين إلى المرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي، إلا أنه كذلك بطلاََ قومياََ تحوم حوله الكثير من الأساطير في حنكته العسكرية وقدراته القتالية والتخطيطية العسكرية الفريدة. ولئن كان العالم الحر ينادي منذ إنهيار الاتحاد السوفيتي بعالم متعدد الأطراف مغبة البقاء تحت رحمة القطب الواحد، فإنه آن الأوان في وقتنا الحاضر لتتكتل ضحايا (الإستعمار الأمريكي الحديث) في احلاف سياسية واقتصادية قوية من شأنها خلق توازن قوى يمكن عبره تأمين الحياة على ظهر هذا الكوكب. إن الحرب العالمية الثالثة التي يرجّح المراقبون قيامها في حال قامت إيران بضربات واسعة للإنتقام والثأر من قتلة سليماني، أمر مستبعد حدوثه لجهة وجود الكثير من الأحلاف العسكرية والسياسية في منطقة الشرق الأوسط الاستراتيجية والتي تهيمن على أكثر 60% من مصادر الطاقة في العالم. إذاً والأمر هكذا، كيف يجرؤ عاقل أن يستحسن السلوك الأمريكي تجاه التخلص من أعدائها بهذه الوحشية والهمجية السافرة وعدم إحترام سيادة الدول، وهي الدولة التي تتباهى برقيّها تحضّرها واحترامها لمبادئ (جمعية أمم الأرض) في حق مساواة الناس أولاََ، ثم العيش بكرامة وحرية وسلام؟! أوليس هذا هو ذات منطق الجماعات الإرهابية التي لها منهجها السياسي ورؤيتها لهذا الواقع الذي يتشكّل تحت وابل من الموت والدمار واستغلال ثروات الشعوب الضعيفة؟! سيظل هذا العالم مكاناََ سيئاََ للحياة في ظل النظام العالمي الحالي بقيادة الولاياتالمتحدة، وستعاني البشرية كثيراً قبل أن تجد الإجابة لسؤال كبير ومحيّر: ما الفرق بين إرهاب أمريكا وإرهاب الدولة الإسلامية؟! عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.