لا يوجد سوداني مخلص يقف ضد السلام. هذه من البديهيات. لكننا من حقنا أن نتساءل عما إذا كان ما يفعله د.حمدوك سيأتي بهذا السلام. بدءا؛ حمدوك هو رئيس وزراء جمهورية السودان، و نال هذا المنصب بتضحيات الثوار السودانيين، فهو يمثل الثورة و الدولة معا، هذا التمثيل الذي لا يبدو أنه يدرك أبعاده و ما يترتب عليه، فتجده قد تنازل بإختياره عن هذه الصفة عندما قابل عبدالواحد بصفته الشخصية في باريس، نفس عبد الواحد الذي يغازل حميدتي منذ نجاح الثورة و الذي فتح له التلفزيون و الإذاعة الرسميتين أبوابهما بدون شروط. ثم تنازل عما تعارف عليه الناس من مراسم برتكولية، و ليس الأمر أمر علم أو منصة كما يصوره البعض، فهذه المراسم هي أعراف مرعية تعطي مخالفتها إيحاءات بأن وضع النظام الحاكم الذي يمثله حمدوك هو في موقع المهزوم ، و هو الأمر الذي يكذبه الواقع العسكري، فكل الحركات المسلحة بلا استثناء تشهد تراجعا كبيرا في السنوات الأخيرة، و توقفت معظم عملياتها الهجومية و أصبحت تتحصن في ما يسمونه بالمناطق المحررة، و هي مناطق يصعب على الجيش النظامي اقتحامها لطبيعتها الجغرافية. أعطت هذه الزيارة شرعية كاملة للحلو في ما يفعله، و أقرت له بسلطاته التي انتزعها بالسلاح من الدولة المركزية، و هو انتصار كبير له، و بحسابات السياسة نتساءل عن الثمن الذي جناه حمدوك في المقابل، و عن إذا ما كانت هذه الزيارة ستقوم بتغيير موقف الحلو الذي يشترط فرض العلمانية في شندي و دنقلا لقبوله السلام في كاودا! و الأهم من هذا كله، ما هو رأي شركاء د.حمدوك من قادة القوات النظامية في هذه الزيارة، و هل تمت استشارتهم في زيارة يتحدث فيها ممثلهم في منصة تحمل علما يتيما لحركة متمردة، و يتاح فيها الحديث للأجانب و يمنع حتى من الحضور مسؤولين سودانيين؟ من الصعب طرح كل هذه الأسئلة في مثل هذا المناخ الحالي الذي يشيطن القوات النظامية، و يرسم صورة رومانسية متخيلة عن قادة الحركات المسلحة، و يحاول البعض تناسي أن نفس الحركة الشعبية التي ينتمي لها الحلو ظلت تحارب الديمقراطية الثالثة التي وصفتها بمايو تو حتى أنهكتها و تسببت في مجيء انقلاب الإنقاذ، ثم أصبحت تصرخ مطالبة بالديمقراطية و تتحالف مع من حاربتهم بالأمس، أمام أنظار هذا الشعب الصابر المتعجب ! عموما، اذا كانت كل هذه التنازلات ستحقن دماء السودانيين فمرحبا بها، و سوف نعتبرها مهرا بسيطا للسلام، لكنني أخشى أن يكون حمدوك و هو قد ناهز السبعين يتعلم السياسة فوق رؤوس يتامى السودانيين عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.