أما أحمد الأول فهو الحكيم العم أحمد العرضي رحمه الله ، كان لا يخفي إمتعاضه من خلافات الزعماء السياسيين بسبب أول محطة اقمار صناعية في إفريقيا وكان وقتها السودان في صدارة دول الوعي والأستنارة والرقي ، وشارع الجمهوية يضاهي شارع اكسفورد في لندن والبلاد تعج بالكماليات والتجار الاجانب والشركات العالمية الكبيرة مثل شل وموبل واجيب ومرسيدس ، ومزارعي مشروع الجزيرة من أثرياء إفريقيا والشرق الاوسط وسفن الخطوط البحرية تمخر عباب أعالي البحار ، كانت سودنير سفريات الشمس المشرقة تهبط طائراتها بشعارها المميز في أكثر من خمسين مطارا في القارات الخمسة. وجامعة الخرطوم حاضرة على قمم منتديات البحث والتطور العلمي وإصداراتها في صدر معارض الكتاب ودور النشر العالمية ، كان أساتذة الجامعة من شتى بقاع العالم وتذخر بالمئات من الطلاب الاجانب أكثرهم يتلقون العلم على نفقة جمهورية السودأن . كان العم أحمد العرضي عندنا يسأله أحد عن حال البلد ، يجيب : (أحمد بلدو خربان) . أما أحمد الثاني فهو صديقي أحمد زين ابن المناقل والطالب بكلية العلوم بجامعة الخرطوم أيام العنفوان الطلابي لهثا وراء الحرية والفكر الرشيد ومشاركة الجميع ، اغلقت الجامعة أبوابها بسبب النشاط السياسي وذهب أحمد الي قريته ، لم يكن يطيق الجلوس في المنزل فكان يقضي سحابة يومه في حواشة القمح العائدة لوالده ، لم يكن أحمد يفعل شئيا سوى فتح المياه للحواشة واغلاقها في الوقت المحدد حسب التعليمات ، لم يكن عالما بالزراعة أو حتى ملما بعلم النبات فقد كان من طلاب الكيمياء النابهين ، أصبحت تلك الحواشة على مر الايام قبلة ادارات التغتيش فتارة يأتي المغتش ومعه آخرون ، وتارة يأتي مساعدو المدير وكبار موظفي المشروع ، وأحمد لا يدري لماذا يأتي هؤلاء ؟ فقد ذاع صيت تلك الحواشة بعد أن توقع لها المختصون أن تنتج ثلاثين جوالا من القمح بدلا من خمسة جوالات فقط هو أنتاجها السابق وإنتاج مثيلاتها في التفتيش ، مرت الأيام وأعلنت جامعة الخرطوم عن إعادة فتح ابوابها فترك أحمد حواشته وقد بقي لها حصتان من الري قبل أن يتم الحصاد ، تم الحصاد في غياب أحمد فانتجت الحواشة فقط خمسة جوالات !! بلد أحمد ليست شحيحة الموارد ولكنها سقيمة العزم والروح ، وظللنا نسمع طيلة دراستنا عن الموارد الطبيعية الهائلة الكامنة واامنظورة ، بلد لها كل هذه الأراضي الخصبة وانهار تعبر فيافيها ووديانها شمالا وجنوبا و شرقا وغربا ، ومعادن تؤتي كل صباح تبرا ونحاسا وبترولا ولجينا ، ولكنها تخرج من مستنقع عوز الى مستنقع عوز جديد ، وظهر أخيرا من يتحدث عن إنسان السودان كثروة وكعنصر قوة ، ولكن أحمد أثبت ان الموارد الطبيعية تحتاج كوادر بشرية ذات كفاءة لتحسن استغلالها وتنهض بها الامة . ببساطة أثبت صديقي أحمد صدق مقولة عمي أحمد أن (أحمد بلدو خربان ) عباس ابوريدة الخرطوم يناير 2020 عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.