عندما تترامي للمسامع نبرات صوت الفنان وردي الطروب متغزلا بكبر بلاده الممتدة طولياً (من نخلاتك يا حلفا للغابات ورا تركاكا) لتبعث في النفوس المفاخر في هبات الله الكونية ، لم يكن يدور في خلده ، ولا في خلد الشاعر أن للسياسيين مشيئة كريهة ، مثلت بتلك الخريطة فقلصوا ذلك القوام المفتخر، لتُجتزء تلك الغابات لتُعد ضمن وطن جديد إقتُطِع من كيان ذلك العملاق الذي كان يحلو الترنم بمهابته وطوله الفارع حيث كانت تتصل فيه بمشيئة إلهية ملهمة الغابة بالصحراء. عما قريب سيجد العديد من الفنانين الذين تغزلوا في روعة النيل أمثال الفنان الذري ابراهيم عوض أن روائعهم واهازيجهم وأراجيز الشعراء تلك المتفاخرة ( بخلود النيل ) ، قد أصابها شيئ من عبث الأقدار. وأن ذلك الموقع الساحر عند مقرن النيلين والذي أبدعت ملتقاه تلك المشيئة الربانية ، فجعلت منه مهبط وحي مقدس للشعراء يلهمهم شواردهم - سيغدو مجرد موضع للقاء فاتر بين نهر متمدد فاردا صدره العريض ، يبحث عن توأم روحه الذي سيجده قد شاخ و هرم حتي وإن أوصلته مفاصله المتهالكة لمشارف الخرطوم ، فستوصله متقطع الأنفاس خائر القوي متهتك الاوصال ، ضامر الكيان يبحث عن عناق مستحيل - وعندها سيمسخ علي الحالمين من جموع الرومانسيين الترنم مع صوت سيد خليفة الشجي المنبعث من عمق الخلود، ليجدوا أن (الأزرق العاتي) قد جفا مجراه ، ولم يعد بوسعه أن يلف بيسراه ويمناه علي خاصرة جزيرة توتي. إذ تم خنق عروقه الفتية بذات المشيئة السياسية الكريهة فيما وراء الحدود.