الدراسة النقدية للتجارب الإنسانية السابقة، و الإستفادة من خبرات الشعوب الأخري و ثوراتها، هُما من أشد الإمور المطلوبة لدينا كسودانيين، خاصة في ظل وضعنا الإجتماعي الراهن و المنعطف التاريخي النادر الذي تمر به دولتنا الفتية و ثورتنا السودانية الظافرة بإذن الخالق. يعتبر منهج الهبوط الناعم كعرّض و موقف تفاوضي، هو الإبن الشرعي للعقل السياسي الإنجليزي، و طريقه معتادة له في التعامل مع الأزمات و ثورات الشعوب المقهورة. أحد الأمثلة التي تُبين ذلك المنهج التفاوضي الإنجليزي، كان في تعاطي بريطانيا مع الثورة الإيرلندية و دعاة الجمهورية الحرة في مفاوضات ديسمبر من العام 1921 م، و التي إنتهت بتوقيع البطل الإيرلندي الأشهر مايكل كولينز للمعاهدة الإنجليزية- الإيرلندية، و التي نتج عنها تشكيل حكومة إنتقالية إيرلندية تحت السيادة البريطانية و إستبعاد إيرلندا الشمالية من الإدارة في دبلن، و تشكيل مفوضية لترسيم الحدود بين الإيرلندتين. This was a compromise, half-way between an independent republic and a province of the Empire. كان مايكل كولينز قد لعب أهم دور في الكفاح الإيرلندي، بصفته مديراً لمخابرات الجيش الجمهوري، و كجامع للتبرعات المالية و غيرها من المواقع الأخري التي جعلت منه شخصية أسطورية، و كان يعتبر الرجل الثالث سياسياً في إيرلندا بعد الرئيس دي فاليرا و آرثر غريفيث. إعتقد مايكل كولينز أثناء سير المفاوضات، أن أغلبية مقاطعات الشمال الإيرلندي ستختار الجمهورية طائعة، و لن ترفض ذلك أكثر من أربعة مقاطعات شمالية، و التي في النهاية ستصبح غير قابلة للحياة إقتصادياً، و ستضطر في آخر المطاف للعودة للجنوب و الإتحاد من جديد، و إعتبر كولينز أن إتفاقية المساومة السياسية فرصة جيدة لحقن دماء الإيرلنديين و تجنب الحرب مع بريطانيا. أثار الجدل حول تسوية الإتفاقية إنقسام ثنائي عميق داخل الحركة الوطنية الإيرلندية، و إعتبره دي فاليرا خيانة للجمهورية، و أدي الخلاف في آخر المطاف الي حرب أهلية إيرلندية بين رفقاء نضال الأمس، قتل فيها بطل الثورة مايكل كولينز شخصياً في كمين علي يد الجمهوريين المتطرفين. There remains a school of thought which considers de Valera's protests to have been reasonable and motivated by deep moral objections, and which sees Collins in a negative light, as having irresponsibly signed away the nation's interests due to incompetence or a self-serving agenda. تلك التجربة الإيرلندية المريرة جعلتني أصل شخصياً الي قاعدة ذهبية مفادها هو: لا تساوم بالثورة و لو مزقوك إرباً إرباً، لأنك إذا لم تمت ببندقية أعداء الثورة، فإنك حتماً ستموت ببندقية رفقاء الأمس الثوار. الرِفاق في "قحت" و "تجم" ينبغي أن يعوا الدرس جيداً، و أن يفهموا أن ما يجوز في عموم السياسة من تسويات، لا يجوز في ظروف الثورات المعبدة بالتضحيات و الدماء، و عليهم أن يسعوا لإصلاح خطيئة الوثيقة الدستورية المعيبة، لأن نهايتهم المتوقعة كما يقول كتاب التأريخ لن تكون أفضل من حال مايكل كولينز بطل الثورة الإيرلندية. إتفاقية الوثيقة الدستورية السودانية و إعلانها السياسي، و التي تعتبر أسوأ من المعاهدة الإيرلندية، حتي الآن لم يقم من وقع عليها بتبرير موقفه السياسي لجماهير الثورة الشعبية، و إبداء المسوغات الموضوعية التي إستند عليها قبل و بعد التوقيع، لكي يقنع بها عموم الشعب السوداني و أُسر و رٍفاق الشهداء. الإتفاق حول الإعلان السياسي و شروط التسوية، السرية منها و العلنية، تمت في بيت أحد رجال الأعمال السودانيين، و برعاية أربعة سفراء دول أجنبية، و من خلفهم المعهد الملكي البريطاني للعلاقات الدولية "شاتام هاوس"، و كانت المفاوضات الغامضة تنقصها كثير من الشفافية و الوضوح، و بعيدة عن المشاركة الشعبية. الإصطفاف الثوري السوداني القادم ينبغي أن يكون هو: "مع" أو "ضد" إتفاقية الوثيقة الدستورية، و علي كل فريق من الإثنين أن يبين موقفه للرأي العام و يدعمه بالحجج الكافية، خصوصاً أننا نشهد الآن إستحالة تحسين شروط الوثيقة التي قبلها الكثيرون علي مضدد، و بدل أن نستكمل ثورتنا بدخول أراضي جديدة، بتنا نفقد أراضي قديمة داخل حدود الوثيقة الدستورية المعيبة، و أصبحت هناك إنتهاكات صريحة عديدة لبنود الوثيقة. قبل أن نطالب بإستكمال الثورة، علينا أولاً إصلاح و تجويد ما تحقق منها، و تقديم نقد ذاتي عميق لأنفسنا، حتي نقف علي أرضية أخلاقية صلبة، و من ثم نتقدم في خطي ثابتة الي الإمام في رحلة تحقيق أهداف الثورة. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.