عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. أمس الجمعة 31 يناير 2020، وفي تمام الساعة 23:00 بتوقيت بريطانيا الذي تعلنه من وسط لندن ساعة "بيج بن" المتوقفة حالياً، لم يَعُد المواطنون البريطانيون مواطنين في الاتحاد الأوروبي. فقدت كتلة الاتحاد الأوروبي أحد أقوى أعضائها، ثاني أكبر مساهم في ميزانية الاتحاد الأوروبي بعد ألمانيا. مع رحيل 66 مليون شخص، سيتم تخفيض عدد سكان الاتحاد إلى 446 مليون، وستنخفض مساحة الكتلة 5.5%. هناك فترة انتقالية مدتها 11 شهراً يتفاوض فيها الاتحاد الأوروبي والحكومة البريطانية على علاقتهما المستقبلية. وإذا قررت المملكة المتحدة العودة إلى الاتحاد الأوروبي، فسيتعين على لندن اتباع إجراءات الانضمام القياسية. خروج المملكة المتحدة من الكتلة الاوربية القوية الذي يحدث اليوم، بعد ثلاث سنوات ونصف السنة من مفاوضات بين السلطة في لندن وقادة الاتحاد الأوربي في بروكسل على صيغة الانسحاب المنظم نسبياً، يعتبر ما حدث، وبالإجماع، فشل في الهيكل الوظيفي الحالي للاتحاد الأوروبي. فهل يتم تداركه كي لا يتكرر مستقبلاً؟ منتصف ليلة أمس، تمَّ سحب العلم البريطاني من مؤسسات الاتحاد الأوروبي، ومن اليوم فصاعداً، ستبدأ مفاوضات أخرى بشأن العلاقات المستقبلية بين الطرفين، ومتوقع أن تكون بذات قسوة مفاوضات الخروج. وسيجري ذلك على الرغم من كل التوقعات والتقديرات النظرية السابقة التي طُرِحت قبيل استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فلا يزال من الصعب للغاية التنبؤ بكيف سيؤثر خروج بريطانيا على القارة الأوروبية، وعلى بريطانيا نفسها. قال رئيس البرلمان الأوروبي ديفيد ساسولي ليلة الأربعاء الماضي بعد التصويت التاريخي الذي صادق فيه البرلمان الأوروبي على اتفاقية انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي ومن المجتمع الأوروبي للطاقة النووية: "أنا حزين للغاية عندما أفَكِّر بأننا وصلنا لهذه اللحظة. خمسون سنة من الاندماج لا يمكن أن تختفي بسهولة. سيتعين علينا جميعاً العمل بجد لبناء علاقة جديدة، مع مراعاة مصالح المواطنين دائماً وحماية حقوقهم. لن يكون ذلك سهلاً. ستكون هناك مواقف صعبة تختبر علاقتنا المستقبلية". خلال الجلسة ودع البرلمانيون الأوروبيون زملاءهم البريطانيين الذين سيفارقونهم، بطريقة عاطفية لم تفتقر إلى تصريحات الحب والعناق والدموع، وتخللتها أيضاً ايماءات التحدي. وعَدَت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لين، اعضاء البرلمان الأوروبي من البريطانيين، في حديثها الذي سبق التصويت، بقولها الذي حتما قصدت به عموم الشعب البريطاني: "سنحبكم دائماً ولن نكون بعيدين أبداً". ومن ناحية أخرى، حظي البرلماني الأوربي البريطاني نايجل فراج زعيم حزب "بريكست" بفرصة أخيرة ليطلق تصريحاته النارية ضد الاتحاد الأوروبي، فألقى خطاباً شديد اللهجة. ويتوقع زعيم المجموعة البرلمانية الأوروبية لحزب الشعب الأوروبي، مانفريد ويبر، مفاوضات قاسية خلال الفترة الانتقالية ويحذر: "في هذه المفاوضات، هناك مبدأ واضح.. إذا تركت الاتحاد الأوروبي، فسوف تفقد فوائد النادي. وبمعنى آخر، إذا كنت ترغب في الوصول إلى سوقنا، يجب عليك احترام قواعدنا!". الفترة الانتقالية التي تبدأ اليوم 1 فبراير 2020 ستستمر حتى نهاية ديسمبر 2020. يجب وضع اللمسات الأخيرة على أي اتفاق حول العلاقة المستقبلية بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة قبل هذا الموعد النهائي، ليدخل حيز التنفيذ مطلع يناير 2021. يجوز تمديد الفترة الانتقالية مرة واحدة فقط، لمدة سنة أو سنتين، والقرار يجب أن تتخذه اللجنة المشتركة بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة قبل 1 يوليو 2020. بريطانيا العظمى، ثاني أكبر مساهم صافٍ بعد ألمانيا في ميزانية الاتحاد الأوروبي، ستستمر في دفع مساهمتها حتى نهاية الفترة الانتقالية في 31 ديسمبر 2020. ومن الناحية العملية، لن يتغير الكثير خلال هذا الوقت، حيث ستواصل المملكة المتحدة تطبيق قواعد الكتلة المشتركة، دون المشاركة في عملية صنع القرار في الاتحاد الأوروبي. وعليه، اعتباراً من اليوم السبت، وبمغادرة بريطانيا العظمى الكتلة الاوربية المشتركة التي انضمت اليها عام 1973، ستبدأ مرحلة يكون الحديث فيها حول بريكست الذي تحقق وأصبح واقعاً، محصوراً حول الإجابة على السؤالين: بريطانيا إلى أين، بل إلى أين التكتل الأوربي القوي نفسه؟ وهل سيكون "بريكست" الهروب الأول والأخير من الاتحاد الأوروبي؟ (نقلا عن صحيفة "الوطن" السودانية)