هذا المقال ليس نقداً أدبياً لرواية (سمراويت) للروائي الأريتري حجي جابر و لا هو مقال سياسي، بل هي ملاحظات عامة لي كقارئ سوداني لفتت نظري الصورة التي تقدمها الرواية عن السودان و السودانيين من وجهة نظر مؤلف/راوي الرواية الذي هو شاب أريتري عاش في مدينة جدة السعودية. لعب السودان دوراً مهماً في تاريخ دولة أريتيريا بحكم الجوار و التداخل البشري و الجغرافية المشتركة التي أدت في مجملها لتداخل الشؤون السياسية و الحياتية لكلٍ من الدولتين. و خلال سنوات النضال الأريتري للتحرر من الاستعمار الأثيوبي كان السودان – و في مختلف عهوده السياسية- داعماً أصيلاً لثوار أريتيريا و مستقبلاً لمئات الآلاف من الأريتريين الذين نزحوا إلى داخله ليعيشوا في مدنه و قراه إلى جانب أشقائهم السودانيين، و لربما مثًل السودان أفضل المهاجر التي لجأ إليها الأريتريون من ناحية الإندماج الاجتماعي و ذلك للتشابه الإثني و الثقافي الكبير بين الشعبين و الذي يصل حد التطابق في بعض عناصره، و قد أشار كثير من المثقفين الأريترين لهذا التعايش الفريد مع المجتمع السوداني. الروائي الأريتري حجي جابر الذي نشأ في المملكة العربية السعودية قدم صورةً مختلفة للسودان و السودانيين في المخيلة أو التصور الأريتري كما يراها هو. ففي روايته القصيرة و الشيقة (سمراويت) لفت نظري أمران، أولهما قلة ذكر السودان في الرواية التي تتناول حرب استقلال أرتريا عن أثيوبيا و تتناول هجرة الأرتريين و الدول التي لجأوا إليها و حياتهم فيها. ففي كتابٍ كهذا نتوقع أن يحظى السودان بأكثر من مجرد أشارةٍ عابرة، لكن في واقع الأمر فإن السودان يرد عابراً في سمراويت و في ثلاثة مواقع فقط لاغير. بالطبع لا أحد يمكن أن يلوم الكاتب على هذا أو أن يفرض عليه التركيز أكثر في أمر دون آخر لا سيما و أنها كتابة ادبية و ليست توثيق تاريخي، لكن كما أسلفت عندما يدور الكتاب عن القضايا التي أشرت لها أعلاه يكون الأمر ملفتاً للنظر. الأمر الآخر هو أن هذه الإشارة، و مهما كان حجمها، يتوقع المرء أن لا تغفل الإيجابي و تبرز السلبي فقط فتبدو و كأن المؤلف يريد تضمين رسالةٍ لمن يقرأ الرواية بأن هذا هو السودان بالنسبة لي كأريتري. في هذه الرواية التي تشبه السيرة الذاتية يمنح المؤلف إسماً لراوي يحكي القصة من أولها إلى آخرها، لكن و في كل مراحل الرواية القصيرة لا تحس بأن الراوي هو شخص آخر غير المؤلف و يبدو أنها حيلة أدبية مقصودة من المؤلف. أول إشارة للسودان جاءت في بداية الرواية حيث يحكي الراوي عن فرار أسرته من أريتريا زمن الاستعمار الأثيوبي و قت اشتداد الحرب فيذكر أن الناس كانوا يختارون الهرب إلى واحدٍ من ملجأين السودان أو السعودية و يحكي أن أسرته اختارت اللجؤ إلى مدينة جدة في السعودية و المؤلف/الراوي هنا يكتفي بمجرد تسمية البلدين فلا يقدم أي مفاضلة بين المهجرين و لا يتطرق لظروف من هجروا إلى الطرف الآخر و هذه أول أشارة للسودان. في منتصف الرواية يتناول حجي جابر الأهوال و المصاعب التي واجهها الأريتريون في تجربة الهروب الجديد و اللجؤ بعد الاستقلال هرباً من بطش ديكتاتورية الجبهة الشعبية الحاكمة و من الفقر و هنا يحكي )محجوب( المهاجر الأريتري الذي يعيش في جدة تفاصيل هروبه من أريتيريا إلى السودان ضمن مجموعة من الأريتريين. يسرد محجوب قسوة و عذاب عملية الهروب و كيف يستغل أفراد قبيلة الرشايدة الأريترية هؤلاء الهاربين و يتخذون من تهريبهم مصدراً للعيش، ثم يصف لحظة وصولهم إلى الحدود السودانية بعد ما كابدوه من العناء فيقول "إستقبلنا رجال حرس الحدود السودانية بقولهم، الله يلعنكم يا أحباش"، و يضيف محجوب "كان هناك ضابط يصفع كل من يمر أمامه". هكذا يروي محجوب أهوال الهروب إلى السودان و سؤ المقابلة و الاستقبال باللعن و الصفع لكن لا يضيف أي شيء آخرعن هذا المكان الذي مثل مستقراً لهؤلاء اللاجئين فلا وصف للناس فيه و هل هم مثل حرس حدودهم أم هم مختلفون و لا أي شيء آخر فيتكون بالتالي تصور محدد عن ما يمكن أن يلاقيه هؤلاء اللاجئين المساكين في بلدٍ كهذا. هذه الملاحظة يعضدها و يمنحها معقولية مقابلتها بحالة الاسترسال المقابل في وصف حال الأريتريين في جدة و وصف حياتهم فيها و نشاط الجالية و المقاهي و فرص العمل، لذا يكون من المستغرب الإكتفاء فقط بترسيخ الانطباع السالب عن مقابلة السودانيين لللاجئين الأريتريين. الموقع الثالث الذي ترد فيه إشارة للسودان كان في الجزء الأخير من الكتاب حيث تتم الإشارة للسودان بأنه أكثر مكان يتعرض فيه المعارضون الأريتريون للاغتيال. يتناول الراوي الصراع بين فصائل الثورة الأريترية فيورد في معرض الحديث عن وفاة المناضل الأريتري عثمان صالح سبي في القاهرة، فقرة قصيرة من أربعة أسطر تنتهي بهذه الجملة التقريرية "تلك الفترة شهدت تصفيات جسدية متعددة في عدة دول و خصوصاً السودان"، لكنه لا يبين وجه هذا التخصيص و لا من وراء هذه الاغتيالات هل هي المخابرات الأريترية أم جهات سودانية، لا شيء أبداً يشرح هذه الإتهام الغليظ، فقط إلقاء هذه المعلومة و كون أكثر مكان يتعرض الأريتريون فيه للاغتيال هو نفس المكان الذي يستقبلهم بالصفعات. بالتأكيد ليس الغرض من إبداء هذه الملاحظات إتهام حجي جابر بمعاداة السودان أو السودانيين، و حتى ما يبدو كرسالة سلبية عن السودان في الكتاب قد لا تكون مقصودة لكنها موجودة على أي حال. و كما أسلفت عند بداية المقال فهذه مجرد ملاحظات عنًت لي عند قراءتي للرواية فتبدت لي مفارقتها لما أعرفه عن صورة السودان و السودانيين عند العديد من أصدقائي و معارفي الأريتريين، و كتابتي لهذه الملاحظات هي من باب المحبة للروئي القدير حجي جابر و لفنه الجميل. هشام مكي حنفي عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.