المريخ يستانف تدريباته بعد راحة سلبية وتألق لافت للجدد    هنري يكشف عن توقعاته لسباق البريميرليج    تعادل سلبي بين الترجي والأهلي في ذهاب أبطال أفريقيا في تونس    تعادل باهت بين الترجي والأهلي في ذهاب أبطال أفريقيا    باير ليفركوزن يكتب التاريخ ويصبح أول فريق يتوج بالدوري الألماني دون هزيمة    كباشي يكشف تفاصيل بشأن ورقة الحكومة للتفاوض    متغيرات جديدة تهدد ب"موجة كورونا صيفية"    مقتل مواطن بالجيلي أمام أسرته علي ايدي مليشيا الدعم السريع    تمبور يثمن دور جهاز المخابرات ويرحب بعودة صلاحياته    تقرير مسرب ل "تقدم" يوجه بتطوير العلاقات مع البرهان وكباشي    حملة لحذف منشورات "تمجيد المال" في الصين    بعد الدولار والذهب والدواجن.. ضربة ل 8 من كبار الحيتان الجدد بمصر    محمد وداعة يكتب: معركة الفاشر ..قاصمة ظهر المليشيا    مصر لم تتراجع عن الدعوى ضد إسرائيل في العدل الدولية    أمجد فريد الطيب يكتب: سيناريوهات إنهاء الحرب في السودان    زلزال في إثيوبيا.. انهيار سد النهضة سيكون بمثابة طوفان علي السودان    يس علي يس يكتب: الاستقالات.. خدمة ونس..!!    عصار الكمر تبدع في تكريم عصام الدحيش    (ابناء باب سويقة في أختبار أهلي القرن)    عبد الفضيل الماظ (1924) ومحمد أحمد الريح في يوليو 1971: دايراك يوم لقا بدميك اتوشح    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حَسَن البِصْرِيْ- أبْ لِحَايّة، قصصٌ مِنْ التُّراثْ السُّودانَي- الحَلَقَةُ التَّاسِعَةُ عَشَر .. جَمْعُ وإِعدَادُ/ عَادِل سِيد أَحمَد
نشر في سودانيل يوم 16 - 02 - 2020

كان (حَسَن البِصْرِيْ)، كاملُ الأوصاف، إلَّا قليلاً: شأنه شأنُ بني البشر، ذوي الجناب العالي والمقام الرفيع، ولهذا السبب، إضافةً لطيبته المعروفة للجميع، طلبَ مِنْه الرَّجُل الغَرِيْب (هُوَ بالذات)، أن يمد له يد العونِ، ويُساعدَهُ.
وانطلق (حَسَن البِصْرِيْ) مع (الرَّجُل الغَرِيْب)، دُونَ أن يسألهُ عن الوجهة التي إياها يُيَمِّمُون!
وَلَكِن، ما أن وصلا ضفّة النهر، حتى انقلب الرَّجُلُ الغَرِيْب على (حسن)، وقلبَ لهُ ظهرَ المِجَن، وقبضَرعليه، وقيدَهُ بالحِبَال، ثُمَّ ألقى بهِ في مركبٍ واسعة، وانطلق به إلى الضَفَّة الأُخرى مِنْ النهر... حيث المكان صخري، ومُوحش ولا يوجد به أحد.
وعرِفَ حَسَنٌ البِصْرِيْ أن الرجل الغريب قد انتهز طيبتَهُ، وغدرَ به شرَّ غدر!
وقال له الرَّجُل الغَرِيْب:
- ألّا مجال لعودته، ولا أدنى فُرصة أمامه إلا أن يُحضِر لهُ أعواداً من الإِكْسِير الموجود في قِمَّة الجَّبَل.
وكان الجَّبَلُ شاهِقاً بحق، وقد كان معروفٌ أنَّ كل مِنْ صعد إلى قِمَّة ذلك الجبل، في السابق، قد هلك... تشهد على ذلك الرفات البشرية المتناثرة في سفح الجَّبَل وعاليه.
وبدأ الرجلُ الغريب يصف لحسن طريقَ الصُعُود، واتبع حسن البصري الوصف حتى وصل إلى قِمَّة الجَّبَل...
ثم صاح به الرَّجُل الغَرِيْب:
- إلقِ إليَّ بأعواد الإِكْسِير!
ولمّا طلبَ حَسَنٌ البِصْرِيْ مِنْه أن ينتظره حتى ينزل، رفض الغريبُ، واستعجله، واعِداً إيَّاهُ بأنْ يصِف له طريقَ النُّزُول، فرمى له (حَسَن البِصْرِيْ) بأكياسٍ من أَعْوادِ الإِكْسِير ...
وما أن حصل عليها (الرَّجُلُ الغَرِيْبُ) حتى انصرف، مُستغلَّاً المُركَبْ: تاركاً حَسَن البِصْرِيْ لمصيرٍ مَجْهُولٍ، وحيداً في قِمَّة الجَّبَل.
وظلَّ (حَسَنٌ البِصْرِيْ) يوماً كاملاً في قِمَّةِ الجَّبَل، دُوُن طعامٍ أو شَرَاب، ومزَّقَت جسده الصخورُ الناتئة أثناء محاولاتِهِ الفاشِلة للنزول مِنْ قِمَّةِ الجَّبَل.
وفي النهاية، قرر أن يستعين في نزوله مِنْ الجَّبَل بالصُّقُوُر، فالتف حول نفسه ودخل في جلدِ جَديٍ نافقٍ، وهكذا، ظنته الصُّقُوُر جَدْياً مَيْتاً، فحملته، وأنزلته مِنْ قِمَّة الجَّبَل.
وَلَكِنه ما أن نزل من أعلى، حتى شَقَّ الجلد، فابتعدت عنه الصُّقُوُر...
وطفقَ يسير، وهو لا يلوي على شيءٍ، وأظلم اللَّيلُ وهو يسير، إلى أن رأى ضوءاً مِنْ بعيد، فيمم شِطْرَهُ، وعندما وصل إلى مصدرِ الضُّوء وجده (نُزُلًا) لبناتٍ كُنَّ في غايةِ الجَّمَال، بيد أنهن لم يَكُنَّ مِنْ جنس البشر، وإنَّما كُنَّ: جِنِيَّات!
ورحبت به (الجِنِيَّات)، وأعطينه طعاماً لذيذاً، وشراباً، وملابس من الحرير ، وعالجن جروحه التي سببتها الصخُور، ووعدنه بأنهن سيستمررن في الإعتناء به، إلى أن يبلغ تمام الصحةِ، والعافيةِ، وتلتئم جميعُ جُرُوحه الغائِرة!
وَلَكِنهن فاجأنه بعد فترة، بقرارهن السفر إلى بلادهن، في إجازة، وأوصينهُ بنفسه خيراً، وتركن له مفاتيحَ البَيْت، وسمحن له بالتجُّول في البيت كيفما أراد، وَلَكِنهن حذرنه واستحلفنه، بأغلظ الأيمان، ألا يفتح ثلاث غُرَف (بعينها) مهما حدث.
وسافرن، وهن مطمئنات، ومتيقنات من وفاءِهِ لَهُن.
واعتنى حسن بنفسه، كما أوصينه، وَلَكِنه، مُكتَوياً بجمرةِ السِّر، قرَّر أن يفتحَ الغُرَف الثلاث ليرى ما بداخلها رغم شعوره بالخيانة، وبتأنيب الضمير، وَلَكِن: فضولُهُ كانَ أقوى، وطافت الأسئلة برأسه:
- أفيهُنّ أموالاً، أم مجوهرات؟
وفتح الغُرَفتين الأوَائِل، فوجدَ فيها مُجوهراتٍ ولآليءٍ لم ير لها مثيلاً في حياته ولم يسمع بها من قَبْل!
وَلَكِنه أغلقَ الغُرَفتين، ثُمَّ فتح الغرفة الثالثة، وَلَكِن، ولدهشته كانت الغرفة فارغة، إلا مِنْ كُوَّةٍ (فتحة) تطلُّ على بحيرةٍ بديعةٍ وكان يحفُّ البُحَيْرة بستانٌ مِنْ الأشجارِ الوَرِيْفة، فتملكته الحيرة، وتسآل عمّا هو الغريب في أمرِ البُحَيْرة والبُسْتَان؟ ولِمَ يُردنَ صديقاته أن يحتفظن به سرّاً؟ وزاد فضوله...
وفي اليوم الثاني، فتح الكُوَّة، وجلس ينظر، ويُراقب، ويتمعَّن لعله يكتشف السر.
وَلَكِن لم يحدث شيْء!
وفي اليوم الثالث، طالَ انتظاره، وتوقع (حسن البصري) حدوثَ شيءٍ... وأرهقه الإنتظار، وهمَّ بالخروج مِنْ الغُرَفة الثالثة، وإغلاقِها، وَلَكِن، في تلك اللحظات الأخيرة التي سبقت خروجه، نزلت سبعُ بَجْعَات جَمِيْلَات بَيْضَاوَات، بل شديدات البياض، في البُحَيْرة، وعامت البَجْعَات في الماء، ورقصن، وتفنن، وفجأةً، خلعن ريشهِن لتظهر مِنْ تحته حسَنَاوات، فاتنات، ليس لجمالهن مثيل، وسبحنَ ورقصن عاريات: كما ولدتهن أمهاتهن، وحسنٌ ينظر مبهوراً، مسحوراً، مرعوباً مِنْ حكمة الإله، وإبداعه في تصويرهن بهذا الجَّمَال الأخَّاذْ.
ثُمَّ لبست البجعة الأولى ريشها، بعد انتهاء الحفل العائم، وطارت، وتلتها الثانية فلبست الريش وطارت ثم الثالثة... وهكذا حتى لبسن ريشهن جميعهن، وطِرْنَ.
وفي اليومين التاليين، تكرر نفس المشهد، حيث تجيءُ البجعات ويخلعن الريش ويستحممن ويرقصن ثم يعدن طائرات من حيثُ أتين.
أما (حَسَن البِصْرِيْ) فقد تعلق بالصغيرة فيهن، وهام بها حُباً وملأت عليه قلبه.
وجلس ينتظرهن، في اليوم الرابع، ولكن، بلا جدوى.
ومرت الأيام حتى إكتمل الأسبوع، وهو ينتظر، ولكن، لم تأتِ البَجْعَات!
فانقبض فؤاده، واكفهر وجهه، وانتحل جسمه، وذبل، وشعر بالمرض.
وهو على هذا الحال من البؤسِ والشقاء، عادت الجنيات للبيت، فوجدنه في حالةٍ يُرثى لها، وسألته كبيرتهن، وكانت تمتاز بالحصافة، واتساع المعرفة:
- هل فتحت الغُرَف الثلاث في غيابنا يا حسن؟
وبعد نُكرانٍ عنيد مِنْ جانبه، إعترف لها، وأقر بفتحه الغُرَف، لأنه لم يستطع أن يصمد طويلاً أمام عينها الفاحصة وبصيرتها النافذة.
وبصوتٍ واحدٍ قُلن له:
- لقد جنيت بنفسك، على نفسك، يا (حَسَن البِصْرِيْ!).
وسألهن، وهو مشفقٌ على نفسه،
- كيف جَنَيتُ على نفسي؟
فأجابته كُبرى الجِنيَّات:
- لقد رأيت بنات ملك جان (الوَاقْ الوَاقْ)، ولا شك أنك قد غرقت في حُبِّ إحداهن، ولكنه حبٌ مستحيلً، وسيتسبب في موتك أو يُفضي بك إلى الجنون، لأن أباهن جانٌ شرسٌ، ولا يقبل أن تُمَس أحدى بناته بشعرة...
واختتمت كلامها بلومه لوماً شديد اللهجة، وقالت له:
- ما كان لك أن تعصينا، وتفتح الطاقة الثالثة، يا (حسن البصري)!
وشعر حسن بالندم، فبكى حسن، وتملكه حزنٌ طاغٍ، وسألته الجنيَّة الكبيرة:
- مَنْ فيهن راقت لك يا حسن؟
فقال حَسَن البِصْرِيْ:
- لقت راقتني أصغرهن!
فردت عليه صديقته الجنية الكبيرة:
- سَنَا بَرِقْ؟ أنت تطلب عين المستحيل.
واستمرَّ حسنٌ حزيناً باكياً، ورفض الأكل، رغم أن صديقاته الجنيات كنَّ يصنعن له ما لذ وطاب مِنْ الطعام، والشراب، ولكنه لم يكن يستطع أكلاً ولا شرباً.
والحال كهذا، فقد أشفقن عليه، ووعدنه بمساعدته في الزواج مِنْ (سَنَا بَرِقْ)، وقُلن له:
- إنَّ بنات ملك جان الواق الواق يأتين ثلاثة أيّام فقط، في كل شهر، وأن عليه أن ينتظر إلأى أن يأتين.
ووعدته صديقاته الجنيَّات بأنهن سيعددن خطةً مُحكمةً لمساعدته!
وحان موعدُ حضور البَجْعَات، وانتفض حسن، وتحسنت هيئه، وانصلح حاله، وقالت له الجنية الكبيرة:
- عليك أن تختبيء خلف شجرة الكَرَزْ، وما أن تُكمل سَنَا بَرِقْ رقصتها الأولى، تأخذ أنت ثوبها، وتخفيه عنها، لأنها لا تستطيع الطيران بدون الثوب، ثُمَّ بعد ذلك تقنعها، بعد أن تلتقيها بالطريقة التي تراها مِنْاسبة، وتقدر عليها، لتجعلها تقبل بالزواج مِنْك.
ونفذ (حسن البصري) الخطة، وجلس يتأمل (سَنَا بَرِقْ) عندما رقصت بريشها المِنْفوش، وعندما أكملت رقصتها، خلعت ثوب الريش وبدأت في الرقص المموسق في مياه البحيرة، عاريةً، ممشوقةً... فأخذ حسن الثوب، وأخفاه خلفَ شجرةِ الكَرَزْ!
وعندما انتهى الحفلُ العائم، لبست البجعة الأولى ثوبها وطارت... ثم تبعتها الثانية فلبست ثوبها وطارت، فالثالثة ثم الرابعة والخامسة وحتى السادسة، صوب (الواق الواق)...
ولكن، لما حان الدَّورُ على (سَنَا بَرِقْ)، بحثت عن ثوبها فلم تجده، فخافت، وحزنت، ثم أجهشت بالبكاء!
ولم يستطع (حَسَن البِصْرِيْ) الاقتراب مِنْها، أو التحدُّث معها باديء الأمر، ولم يجد مدخلاً يبث مِنْه أشواقه، و لوعته، و هيامه بها!
وَلَكِن، لمّا فاضَت دموعُها، رقَّ لها قلبُهُ، وقرر أن يواجهها بحبه لها الذي اشتعل مِنْ أول نظرة، ويُعلن لها رغبته في الارتباط بها، والزواج مِنْها.
ولكنها رفضت،
واجتهدت الجِنِيَّات في أقناعها، وقرظن عندها (حسن)، فقبلت...
وزيَّنها للاحتفال بالزواج، فازدادت بهاءً، و جمالاً على جمالها...
وهكذا تزوج مِنْها حسن، وقضى معها أوقاتاً في غاية البهجةِ، والسُّرور...
ومر الزمن فأنجبت له، يا لفرحته، صبياً وضيئاً، بهيًّا، ورعته الجِنِيَّات كمِنْ يراعين أخاً لهن، إلى أن أتى يوم الرحيل...
وقرر حسن الرجوع إلى بلده، ومقابلة أمّه التي لم يعلم عنها شيئاً مِنْذ سنواتٍ خلت، وجهزنه أخواته الجِنِيَّات للسفر، وأسرته الجميلة بأحسن ما يكون، وحملنه بما لذَّ، وطاب... زاداً للرحلة، كما أهدين (سَنَا بَرِقْ) ما خفَّ، وغلا!
وانتحت الجنية الكبيرة بحسن جانباً، وحذرته من ألا ترى (سَنَا بَرِقْ) ثوب الريش مهما حدث، لأنها ما أن تراه ستطير به إلى (واق واق)، بالتأكيد، ولن تقنع من فكره الذهاب إلى (واق واق) ما أن استطاعت لذلك سبيلاً!
ثم أوصلنه إلى المركب، وودعنه وودعن سَنَا بَرِقْ وصبيها، وهن يزرفن دُمُوع الفراق!
وعندما وصل حسن واسرته إلى البلد، وجد أن أمه قد أضناها غيابه، وأعياها مر السنين، فنصحته (سَنَا بَرِقْ) باستخدام الأكسير من قمة الجَّبَل، الذي كان حسنٌ قد أحضر بعضاً مِنْه. فصحّت الأم، ونِصحت...
وزادها الصبي عافيةً، وشباباً، فكانت ترعاه، وتلاعبه فرحةً به، أطراف الليل وآناء النهار، وأعطاها حسنٌ ثوب الريش، دون أن يُخبرها بأن (سَنَا بَرِقْ) بنت ملك الجان في الواق واق، ولكنه أخبرها أن تخفيه، وتضعه في حرزٍ أمين، فأخفته في سحارتها وأغلقتها بالطبلة ، وأخفت مفاتيح الطبلة في حجابها... إمعاناً في التأكد، وحرصاً منها على تنفيذ وصيّة ابنها (حسن البصري) المغلظة:
- (بأن لا ترى (سَنَا بَرِقْ) ثوب الريش مهما كانت الظروف!).
ولم تلح عليه الأم في معرفة سر الثوب الأبيض، البهي.
وسارت الحياة بهم عاديّة، وواصل (حَسَنٌ البِصْرِيْ) عمله، وتجارته، وتسفاره، وكان يأتي، بعد كل رحلة، محملاً بالهدايا القيمة، لهم جميعاً، ولكنه كان يخص (سَنَا بَرِقْ) بالأثمِنْ والأجمل فيها، وعموماً، فقد كان يعزَّها ولا يرفض لها طلباً:
- (إلا ثوب الريش!).
ومع مُرُور الأيّام نست (سنا ب ق)، هي نفسها، أمر الثوب، أو هكذا أوحت إليه وإلى أمه، لطمأنتهما.
وخلقت سَنَا بَرِقْ علاقاتٍ لطيفةً مع بنات الحي، فدعينّها، ذات يومٍ، إلى الإستحمام في النهر، وحددن مكاناً خفياً، كن يعرفنه وحدهن، فقبلت سنا برق الدعوة وذهبت معهن.
واستحمت الفتيات، ورقصن وسبحن، وابتهجن، ما عدا (سَنَا بَرِقْ)، فقالت لها البناتُ:
- (إنها لا تعرف كيف ترقص مثلهن!).
فاغتاظت (سَنَا بَرِقْ)، فقالت لهن، يحدوها غيظها، وحنقها مِنْ جهلهن بفنون رقصها:
- (والله أنا أجيد الرقص، أحسن مِنْكن جميعاً!).
فطلبن مِنْها أن ترقص... فقالت لهن:
- لا أستطيع الرقص بدون أن ألبس ثوب الريش!
وذهت البنات لأم حسن البصري، يستسمحنها في إعطائهن ثوب الريش، لرقصة واحدة مِنْ (سَنَا بَرِقْ)، فرفضت، واستمرَّت ترفض في كل مرّة، إلا أنها، وذات يوم، في غياب حسن، تعرضت لسطوٍ مِنْ بنات الحي، اللائي انتزعن مِنْها المفاتيح بالقوة، بعد تقييدها، وأخذن ثوب الريش، وهن جاهلات بأمره، وأعطينه (لسَنَا بَرِقْ).
واستحمت سَنَا بَرِقْ مع البنات، وعامت بثوب ريشها المِنْفوش، ثم خلعت الثوب ورقصت، ورقصت، ورقصت، فذُهلت البناتُ، وألجمت ألسنتُهن الدهشة، لأن سنا برق كانت مُبهرة، فعلاً!
ثم وبسرعة البرق لبست (سَنَا بَرِقْ) ثوب الريش، وانتعشت، ورقصت ببهاءٍ، ورونق، وفارقت البنات صوب الدار، حتى اقتربت مِنْ سرير طفلها، فحملته على جناحها، ثم طارت في أعلى الحائط، ثم إلى قمة السقف، ومِنْه إلى أعلى الشجرة، ومن هناك خاطبت سنا برق أم حسن، قائلةً:
- أخبري حسناً وقُولي له: (إن هبّت به رياحُ الحب والاشتياق، فليأتنا في جزائر الواق الواق!).
ثم طارت، وهي تحملُ طفلها، صوب الشرق حتى: غابت عَنِ الأنظار!
وعلمت الأم، في تلك اللحظة، السر كله، وابتلعته جرعةً واحدةً، وعرفت حجم خسارة حسن، فولولت وبكت، وتمادت في البكاء حتى عميت للمرة الثانية.
وجاء حسن، وعلم بما جرى، فودعها الوداع الأخير، حسب ظنه، معتذراً لها، ومُوضحاً حبه غير المحدود لزوجته، وولده، وقال لها:
- رُبما لا أعُود، لأنني لا أعرفُ الطريق إلى (الواق واق)، وأجهل مخاطرهُ...
ولكنه أوصى بها أهلَ الحي خيراً، ثم وانطلق في إثر زوجته سَنَا بَرِقْ، وولده منها، في رحلته الطويلة إلى الواق واق.
وسارَ حسن، ساعاتٍ، وأيّاماً، وأسابيعَ، وشُهُوراً، وسأل... ولم يجد مِنْ يدله على الطريق إلى (الواق الواق)، وَلَكِنه بعد مسيره الطويل هذا، قابل حكيماً مسَنَا، نصحه بأن يرجع لأن الطريق إلى واق واق خطر، فوق انها مدينة غريبة للجن، وكل ما فيها غريب...
وأخبره أنها سُميت على أشجارها ذات الرؤوس اليانعة بالنهار، التي تنتصب وتُوَقْوِق بالنهار، وتذبُل، وتنسدِل بالليل على أشجارها...
وَلَكِنه، في الأخير، وتحت إصرار حَسَن البِصْرِيْ، الذي قالَ له أن:
- المسألة بالنسبة لي مسألة حياة أو موت!
وصف الحكيم المُسن الطريق، وأوصاهُ أن يتجه صوب مشرق الشمس، لمسيرة شهرين.
فودعه حَسَن البِصْرِيْ، شاكراً، متوجهاً صوب مشرق الشمس في مسيرة شهرين، حسب عزمه...
وبعد انقضاء وقتٍ يسيرِ قابل حسنٌ امرأةً عجوزًا، كانت هي، ذات نفسها، جنيّة، فقالت له:
- إن الطريق وعر وخطر، جدَّاً!
واقترحت عليه أن يركب (قُلّتها )، لتختصر له نصف الطريق، وتوصله إلى درب السلامة الذي سيقوده إلى (الواق واق)...
وعندما أنزلته القُلَّة، بعد اختصارها للطريق، وجد حسنٌ شابين يتصارعان بشراسة حول طاقية، ولما توسط بينهما عرف أنهما مِنْ الجان، أيضاً، وأن الطاقية التي يصطرعان عليها هي طاقية الإخفاء، وبدعوى الوساطة، وبموجب خدعةٍ بسيطةٍ إستولي (حَسَن البِصْرِيْ) على الطاقية، واختفى عن الأنظار.
ومكنه اختفاؤه من الهرب مِنْ الشابين، المقتتلين، بسهولة، مواصلاً مسيرتهِهِ نحو جزائر الواق واق!
وتأكد (حَسَن البِصْرِيْ) مِنْ فاعليّة طاقيّة الإخفاء، لأن أحدًا لم يعترض طريقه، حتى حرّاس قصر (ملك الجان) المحتشدين حول البوّابات، لم يستطيعوا رؤيته، وبذلك استطاع أن يلج إلى فناء القصر بسهولة،ثم إلى داخل القصر، حيث باشر البحث عن (سَنَا بَرِقْ).
واضناه البحثُ، ولكن، في النهاية وجدها، على غير ما توقع، مقيدةً بسلاسلٍ ذات أقفال... وكانت هزيلةً، وشاحبةً، تُعاني من سوء التغذية، ويتناوب على تعذيبها بالجلد: جنيّان غليظان.
وعُمُوما فقد كانت حالتها مزرية، ويرثى لهما، هي وصبيها!
فحادثها (حَسَن البِصْرِيْ) همساً، وشرحت له فقالت:
- أن تعذيبنا قد تم بقرار مِنْ أبي، الذي اتهمني بالحمل سفاحاً مِنْ بني البشر، وجلبِي العار له وللأسرة، وأنا احمد الله أنه لم يقتلني، لأن أبي قاسي القلب، لا يعرف المسامحة ولا يرحم أحداً.
فطلب مِنْها (حَسَنٌ البِصْرِيْ)، الذي لم يكن يراه أحدٌ بسببِ طاقية الإخفاء، أن ترافقه إلى دياره، وتقيم معه فيها إلى الأبد.
فوافقت (سنا برق) على اقتراحه.
وسألها حسنٌ عن فستان الرِّيْش، فقالت له:
- لقد حرق أبي الثوب، ولن أستطيع الهرب لأنني لن أستطيع أن أطير بعد الآن، في غيابِ ثوب الريش.
فحرّرها (حسن) من القيد، واحتواها هي، وابنهما، واختفوا عن الأنظار!
وعندما عادوا إلى ديار حسن، أشرفا، مرةً أُخرى، على علاج الأم مِنْ العَمَى، مستخدمين إكسير قِمَّة الجَّبَل، وتعافت الأم، واحتفلت بحسن وأسرته...
وعادت لهوايتها في رعاية الصبي، وتدليله، واستعادت (سَنَا بَرِقْ) هيئتها البهيّة، وجمالها بالكامل،
وواصل (حَسَن البِصْرِيْ) عمله، في التجارة، والتسفار...
وعاشوا، جميعُهم، في بَحْبُوحَةٍ، وهَنَاء!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.