إذا لم تسطع اجتثاث رموز الفساد والافساد الذين تتحجج بفاعلية دورهم في تكبيل و تقييد عمل حكومة الثورة, وجب عليك تقديم استقالتك وافساح المجال لمن هو أشجع في الاقتصاص لثوار ديسمبر, وعليك اتاحة الفرصة لمن هو أقدر على نسف بؤر التآمر و حسم المتاجرين بقوت الشعب, في بيانك الصادر يوم الخميس الماضي قلت بأن العوائق التي تضعها الدولة العميقة على قارعة طريقكم لن تفت من عضدتكم, ولن توقف سعيكم الدؤوب لتحقيق شعارات الثورة الناشدة للحرية و السلام و العدالة, يا سعادة رئيس الحكومة, بعد جلوسك على الكرسي مضى الوقت الكافي لاقتلاع جذور بقايا النظام البائد, ماذا قدمت من برنامج واضح وشفاف في هذا الخصوص؟, لقد شبع الشعب السوداني كلاماً معسولاً و نظريات بائسة. هل يعقل يا معالي الدكتور عبد الله آدم حمدوك أنكم حتى حلول هذا اليوم لم تقوموا بمراجعة سياسات الصادر والوراد؟ لتأتينا بعد مضي كل هذه الشهور لتخبرنا بأنكم قد كونتم للتو آلية عليا لتبت في هذا الأمر؟ أما الأغرب من هذا هو طلب وزير ماليتك تشكيل لجنة لتقصي الحقائق حول شركة الفاخر التي منحها هو ذات نفسه امتياز تصدير الذهب السوداني الفاخر, ما هذه الفوضى يا وزير ماليتنا ويا خبيرنا المالي والأممي الذي استبشرنا به خيراً؟ كيف تطالب بتشكيل لجنة تقصي حقائق حول شركة خاصة مشبوهة أنت من باركها و قدمها للشعب السوداني ورهن سلعة الذهب لها؟ هل (دقسنا) و قبلنا بوزير للمال مصاب بداء الزهايمر؟. أما حديثك يا حمدوك عن حملة شعبية وملحمة وطنية جديدة للبناء الاقتصادي تخاطب السودانيين في الداخل والخارج, وأظنك تقصد بذلك ابتدار مشروع لاستنفار الوطنيين من ابناء البلد للمساهمة في دفع عجلة الاقتصاد بالمشاركة في حل الضائقة المعيشية بالتبرع من حر مالهم, إن كان هذا هو القصد فأقول لك أن الشعب السوداني الأبي لن يبخل على وطنه بفلس واحد وإن كان هذا الفلس هو آخر ما يملكه, ولكن السؤال المنطقي هو كيف يثق المغترب و المهاجر ورجل الأعمال الشريف في أن ما سيقدمه من درهم و دينار و ريال و دولار, سيصل إلى محمد أحمد المسكين الأغبش الواقف على رصيف صفوف الخبز والبنزين؟. كيف له أن يطمأن على ذلك و أنت تحدثه عن مخاوفك وهواجسك بوجود بقايا الفلول والحرامية؟ إنّ من أكبر الأخطاء التي ارتكبها السيد رئيس الوزراء هي تصريحاته الرومانسية التي لا تمت الى حديث رجل الدولة بصلة, عندما ذكر في أول مؤتمر صحفي له بكل عزة و انفة وكبرياء بأن الاقتصاد الذي ينشده ليس هو ذلك الاقتصاد المعتمد على الصدقات, جاءت تصريحاته هذه في نفس الوقت الذي كان يتربص بنا من تصدقوا علينا طيلة عهود الدكتاتور الخربة فجادوا علينا بريالاتهم, لقد استفزت هذه التصريحات أصحاب الفضل الذين ظلوا يمدوننا بالمحروقات والقمح والودائع المليارية حتى بعد سقوط الطاغية. في ظني ان تلك التصريحات لحمدوك عقب وصوله مطار الخرطوم قادماً لتولي المسؤولية الوطنية, وما أعقبها من حملة كراهية واسعة النطاق شنها بعض الناشطين ضد دول المحور الذي كان يشايعه النظام السالف, هي الأسباب الحقيقية التي أدت إلى الاحتقان في الحالة المعيشية, نسبة لوقوف هؤلاء المانحين الاقليميين موقف المتفرج بعد سماعهم لرئيس الحكومة الجديد وهو يتحدث بتلك الطريقة الرافضة لهم ولمساعداتهم. حالنا هذا يماثل تماماً حال الرجل العاري الجسد إلا من قميص صديري صغير يستر النصف العلوي من جسده, وبالرغم من كل هذا العري السفلي البائن تجد هذا الرجل يجاهر بالعفة والستر وفصاحة اللسان, لقد رددها الرجل الحكيم نائب رئيس مجلس السيادة مراراً و تكراراً (تمسكن حتى تتمكن), ذات النظرية التي أوصلته إلى هذا المجد المستنكر عليه من بعض المتنطعين الذين أورثورنا هذا المأزق المعيشي الممحون , فلو كانت الخطب الرنانة و المفاخر والملاحم الوطنية وأهازيج وطبول الحماسة تطعم شعباً لما سقط البشير, لقد كان السفاح بارعاً في الرقص والخطابة و النكتة الضاحكة و الفاحشة والماجنة احياناً, ولكن كل ذلك لم يشفع له عندما قال الشعب كلمته. من لا يملك قوته لا يملك قراره, كما أشرت في بيانك المعلن يا فخامة رئيس الحكومة عن التحضير للموسمين الزراعيين الصيفي والشتوي القادمين, أقول لك إنّ ذلك هو الحل الواقعي لأزماتنا الاقتصادية و السياسية, إنّه الحل الذي لن يكون إلا بزراعة الأرض و حراثتها و تطوير و تنمية الثروة الحيوانية, لقد اصبح حالنا بحسب وصف الشاعر الفطن والحكيم (كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ و الماء فوق ظهورها محمول). عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.