من نكد الدنيا على السودان واهله جواره لمصر واهلها! فقل ان يوجد مثيل لمصر في سوء الادب وجحود الفضل. موضوعنا اليوم هو موضوع الساعة: سد النهضة و ما ادراك ما سد النهضة، فقد جاءت الاخبار السعيدة بان اثيوبيا رفضت الانصياع للامريكان و ضغوطهم لتمرير اتفاقية عرجاء و منحازة لمصر على حساب مصالحهم و آمالهم القومية المشروعة و التى هى، و لحسن طالع السودان، مطابقة لمصالحه و آماله فى جملة من الفوائد و المنافع ربما تفوق منافع السد لاثيوبيا ذاتها. من الصعب فهم انحياز امريكا لمصر فى صياغة اتفاقية سد النهضة، فربما كانت مصر خادم الامريكان المطيعة فى المنطقة و ربما كان حاكمها هو "ديكتاتور ترمب المفضل" الا ان فائدتهما لامريكا ليست عظيمة بالقدر الذى كان فى سبعينات وثمانينات القرن الماضى لما هو معروف من تقزم دور مصر الاقليمي و زوال ريادتها و بروز قوى اخرى اوسع نفوذاً واكثر تأثيراً. ولكن ربما يمكن تفسير هذا الانحياز بحاجة الامريكان لداعمين ل"صفقة القرن" المشبوهة، و من افضل من مصر فى هذا الشأن؟ ليس بسبب قيادتها للمنطقة، فهى لم تعد كذلك، و لكن بسبب محاذاتها لفلسطين السليبة و قدرتها المشهودة على الضغط على الفلسطينيين وحصارهم و الوقيعة بينهم، بل ربما يكون لها ايضاً دور فى تبادل الاراضى و السكان ضمن هذه الصفقة الضيزى. مهما كان من امر امريكا فما يهمنا هنا هو موقف السودان من الاتفاقية فقد ابدى تحفظات مشروعة عليها و رفض التوقيع ثم ابدى ذات الاتساق فى المواقف حين ازال اسمه من بيان الجامعة العربية و تحفظ عليه. الى هنا و الامر عادى ومنطقى و متسق مع سيادة السودان و تقديره لمصالحه. اما ما تلى ذلك فى الاعلام و البرلمان المصريين و فى بيانات الخبراء المصريين (و كلهم خبراء) فهو قمة السفه و سوء الادب و ان لم يكن مفاجئاً و لا مستغرباً ممن لم يعرف عنهم سعة الاطلاع او عدل القول او عفة اللسان. سمعنا جهلاً كثيراً و غثاً عن انحياز السودان لاثيوبيا على حساب مصر رغم وشائج القربى و الاخوة و المحبة بين شعبى وادى النيل، كأنما مواقف السودان تفهم فى اطار انحيازه لطرف او لآخر حسبما يقتضيه قربه او بعده من هذا الطرف او ذاك. و استنكر كثيرون فى مصر ان يقدر السودان ان مصالحه مع اثيوبيا اكبر من مصالحه مع مصر (مع ذكر الوشائج و القربى و المودة طبعاً). كأنما السودان ليس دولة ذات سيادة و رجاحة يحسن تقدير مصالحه و ينحاز لها و يعليها على مصالح الآخرين مهما كانت "الوشائج"، او انه لا يبلغ من القدر الا ان ينحاز لهذا او ذاك (و يفضل ذاك طبعاً) وكأنما استقلالية القرار و تقدير المصالح و إعلائها ليس من حق السودان و واجبه! ولا يملك المرء الا ان يتساءل اين كانت هذه "الوشائج" عندما اغرقت مصر مدينة حلفا و قراها و هجرت اهلها؟ و اين كانت، عندما قتلت مصر عشرات السودانيين العزل فى ميدان مصطفى محمود؟ و اين كانت، حين دخلت حلايب وقتلت رجال الشرطة السودانيين؟ بل اين كانت، فى تاريخ طويل من السخرية من السودانيين فى الوانهم ولهجاتهم ومهنهم واسمائهم؟ اريد ان استعرض هنا بعض الجهالات و الضلال الذى نقرؤه ونسمعه من الخبراء المائيين (و البرمائيين) المصريين وهم كثير كالغثاء. طبعاً لن اذكر اشياء من قبيل ان سد النهضة سيتسبب بزلازل تؤدى الى انفصال شرق افريقيا و "تفلق" الكعبة المشرفة نصفين و ما اليها من سفه و جهالات لا تكتب ولا تصدق الا فى مصر. ما اود ان استعرضه هنا هو ما اصفه بالتضليل المتعمد و انصاف الحقائق. فيذكر مثلاً ان اتفاقية مياه النيل تلزم السودان باتخاذ موقف موحد مع مصر، وهذا صحيح، ولكن من قال ان هذا الموقف يجب ان يكون هو الموقف المصري؟ ولم لا يكون الموقف السوداني؟ اليست الاتفاقية تلزم مصر بنفس القدر؟ - تضليل و انصاف حقائق. مثال آخر هو رأى سمعته من المدعو هانى رسلان على قناة البي بي سي العربية و مؤداه ان اثيوبيا تريد ان تصدر الخلاف الى السودان ومصر لأن النقص فى المياه والناتج عن السد، سيتم تقاسمه بين السودان ومصر بحكم الاتفاقية وبما ان نصيب السودان القليل لن يتحمل النقصان فسوف يدب الخلاف بينه وبين مصر بينما تفرك اثيوبيا يديها فرحاً و شماتة! هذا بينما يتعمد المدعو رسلان اغفال حقيقة ان ذات الاتفاقية اسست لتراكم مديونية مائية للسودان على مصر تفوق ال 350 مليار متر مكعب واجبة السداد ويستطيع السودان السحب منها متى شاء لتغطية العجز فى حصته بلا خلاف ولا يحزنون – تضليل و انصاف حقائق. اخيراً ما يقال عن ان سد النهضة آيل للسقوط و حينها سيمحى السودان من الخريطة! ويستدل الخبراء "البرمائيون" على هذا بتدنى معامل امان السد، ولو سئل احدهم عن ماهية هذا المعامل ما حار جواباً. بالمناسبة، احدهم، و يدعى جمال طه، كتب فى جريدة الدستور بتاريخ الخميس 5 مارس، انمعامل امان سد النهضة هو 1.8 ريختر!!! – اى و الله "ريختر" (رابط المقال هو: (https://www.dostor.org/302146) ما علينا، حتى لو كان هناك احتمال بانهيار السد فهو احتمال من الضعف بحيث لا يقارن باحتمال عدم انهياره، ومع ذلك يتمادى خبراء مصر فى تبيان مغبة و مضار هذا الانهيار ويغفلون عن عمد وسوء طوية مزايا بقاء السد للسودان والتى هى كما ذكرنا آنفاً ربما تفوق مزاياه لاثيوبيا ذاتها – تضليل و انصاف حقائق. بقيت همسة اهمسها فى آذان اهل "وشائجنا القريبة": لا تمعنوا فى استعدائنا و الاستخفاف بنا فليس بيننا و بين ان نهدم اساس الترتيبات المائية فى حوض النهر الا ان نوقع بالاحرف الاولى على اتفاقية عنتيبي و نمنحها الاغلبية القانونية النافذة وعندها لن يكون لكم حصة الاسد فى النيل و لن نتحمل نصف البخر الذى يتسبب فيه السد العالى و لن تستفيدو من فائض حصتنا و لن نخزن لكم الماء على ارضنا و لن تستطيعوا منع النوبيين من العودة الى ارض اجدادهم. عندها ... سيهون بالمقارنة امر سد النهضة. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.