في عصر ذلك اليوم كنت امارس هوايتي المعتادة وهي التسكع في طرقات الخرطوم وتطوافي بين دور الصحف السودانية وكانت صحيفة الوان في ذلك الزمان تقع علي شارع الجمهورية وفي الخرطوم شرق غشيتها عصر ذلك اليوم ولمحت عربة صاحبها حسين خوجلي وهو يرفل في جلباب انيق وعمامة ناصعة البياض مكومة فوق راسه كان يجلس خلف مقود سيارته الفارهة والتي يجلس في مقعدها الامامي الصحفي العتيق ضامر الحشا بادى البؤس وكان الزمان قد اكل عليه وشرب الا انه كان صارم الملامح يتقد الذكاء من عينيه وقد مثل عندى ذلك المشهد حقيقة الصراع في السودان والذى اصله توزيع الثروة. مددت راسي وانحنيت احي كليهما وقد كان حسن ادروب منهمكا باقناع حسين خوجلي بشيء ما وقد التفت الي حسن ادروب ولم يرد علي تحيتي واستطرد في الحديث مع خوجلي والذى رد علي ردا فاترا وانتصب واقفا واسير في اتجاه مسجد القيادة وهنا ناداني خوجلي ماشي وين يا عمار فقلت له ماشي لي بيت صلاح قوش في حي المطار وهنا اصبح يدفع بالزميل الاخ حسن ادروب الي خارج السيارة ويقول لي تعال تعال اركب وجلست حيث كان يجلس ابن مدينتي كسلا الاستاذ الضخم حسن ادروب ... وانطلق بي حسين خوجلي بسيارته نحو حي المطار. كان مجلس الصحافة والمطبوعات قد اوقف صحيفة الوان عن الصدور لمدة ثلاثة ايام عقوبة لمخالفة لا ادريها وكان حسين خوجلي صلاح قوش لهذا وهذا ما عرفته لاحقا وكنا قد وصلنا منزل قوش وقرعت جرس الباب وفتحه ابنه محمد. والذي كان صغير السن في ذلك. الوقت وسالته ابوك في فأجاب موجود فقلت له قوليهو عمار محمد ادم وحسين خوجلي فقفل قوش الابن راجعا وذهب حسين خوجلي الي سيارته والقي بثقله عليها ولم يمض وقت كثير حتي جاءنا ابنه محمد وقال لنا ابوي في الحمام وقال ليكم اتفضلوا وتبعناه الي صالون خلفي معد اعدادا جيدا. جاءنا صلاح قوش مرحبا وما ان راه حسين خوجلي حتي هب واقفا ومحييا وقد قال: قلت لي اخونا عمار نمشي نصلي المغرب مع واحد من اخوانا الصالحين وقد تبسم صلاح ضاحكا وعلقت قائلا حسين دا بتاع غناء وفنانين، فقال حسين قلنا نسد ليكم الثغرة دي ولم اتوقف عن التعليق والتندر وصلاح يضحك ثم مرت لحيظات وانتحي حسين بصلاح جانبا وصار يهمس له بحديث لم اتبينه ولكن صلاح امسك بالموبايل واتصل بتبيدي قائلا طبعا الايام دي احتلال الكرمك ومحتاجين لألوان في التعبئة عشان كده خلوها تصدر ... في هذه الاثناء اذن لصلاة المغرب واتجه حسين الي الحمام للوضوء وعاد وكانت جلابيته قد ابتلت بكثير من الماء. وقفنا ثلاثتنا للصلاة وقال حسين خوجلي لصلاح قوش اتقدم صلي بينا فقال صلاح اصلي بيكم انا والله صلاتكم دي تروح عليكم ساكت .. وقد انقذ الموقف ان جاء شخص من الداخل وتقدمنا للصلاة مباشرة دون ان يحدثنا وقد عرفني محمد صالح بنفسه بعد سنوات قائلا انا الزول الصليت بيكم انت وصلاح وحسين خوجلي.