عندما يصدق القول الخواجة ويغش فى القول المسلم (تكملة رسالة عامة): الجزء الثاني ( تجربتي مع أحد المسلمين) متابعة للمقال السابق لابد من ذكر هذه التجربة الشخصية مع شاب مسلم . قبل أسابيع خلال فبراير المنصرم كنت أقضي أسبوعاً في السويد. توجد بالقرب منا بقالة كبيرة يديرها عرب من خليط أبناء الشام ذوي اللحاء الطويلة. ذهبت لأشتري كمية من لحم الضأن الحلال. لاحظت تكدس ثلاجة العرض الأمامية الزجاجية بكتوف الخرفان ومن شكل لونها ورائحة المكان تحكي بنفسها أنها قديمة قد مر عليها أكثر من أسبوع ولا تصلح للأكل. ثلاثة من الشباب كانوا يخدمون الزبائن. عندما جاء دور السوداني الطيب المسكين المتواضع ( شخصي الضعيف) قال لي الشاب الملتحي (تأبط شراً) بسويدية ركيكة مشيراً بأصبعه على كتوف الخرفان المكدسة بأن سعرها مخفض. قلت له بالعربي الواضح " بدي حمل كامل أو نصفه إذا عندك مخزون من الحملان الفريش". قال لي " سأعطيك وزن ما يعادل الحمل أو نصفه من أكتاف الخروف هذه لأنها أرخص لك من إذا أعطيتك نصف خروف أو خروف كامل وكمان ممكن أعطيك فقط من الأرجل إذا بدك ما يعادل وزن نصف خروف وبنفس السعر رغم أن سعر كيلو الأرجل أغلى من سعر الكتوف، " والله بدي أساعدك"!. قلت له أشكرك فأنا فقط قلت لك أريدك تعطيني حمل كامل أو نصفه إذا كان فريش وأعجبني وعلى إستعداد لدفع أي مبلغ يكلف. هز رأسه وقال لي على كيفك أنا أريدك توفر وعلى كل سأعطيك طلبك. ذهب وأحضر نصف خروف كبير وليس حملاً صغيراً وكانت تفوح منه رائحة نتنة وكان لونه متغيرا. وضعه أمامي وقال لي هذا لك كيف أوضبه لك؟. بهدوء قلت له لا أبغيه لأنه قديم. قال لي " لا ﻫﺬﺍ زين وطيب " وأخذ السكين وقطع وفتح فجوة داخل الفخذ ليقنعني بأن تغير اللون الخارجي لا يعني أن اللحم معطوب. في تلك اللحظة كان أحد ثلاثتهم قد تعامل معي عدت مرات سابقة قد لاحظ أنني صرت جاداً فى كلامي وإصراري أنني أرغب فقط شراء لحم طازة، فتدخل لأنه يعلم أنني ربما أسبب لهم مشكلة ، وقال لزميله "وخر، أرجع نصف الخروف مكانه وأنا سأحضر البديل". لقد فعل مشكوراً فأحضر لي خروف كامل فريش وسألني بتأدب كيف أريد توضيبه . دفعت القيمة بكل سرور وهدوء ولكن كيف تصرفت بعد ذلك قبل أن أغادر ؟ الإجابة فى التعليق أدناه: التعليق على العنوان و خلاصة ما تم ذكره فى المقالتين: العنوان هو تنبيه لكل من تخدعه المظاهر ليفكر ملياً ويعتبر وان يكون له رأي ولا يتبع كل زفة. أيضاً هو موضوع يصلح للنقاش جاء نتيجة حوار بيني وبين زميل لي (مسلمًا ممارساً شعائر دينه عاقلاً وذكياً ) أحببت نقله للقاريء الكريم وأن التدين المطلق ليس هو جواز السفر الدبلوماسي الذي يظن بعض حامليه أن بإمكانه أن يعبروا به بسهولة (كما يحلوا لهم ) ومن دون محطات توقيف أو تفتيش حواجز النفس البشرية التي قد تكون عند الغير أصحاب العقول قد خصها الله بالفطرة أو فراسة المؤمن أن تفرق بين الحق والباطل أو الواقع والخيال. خلال حديثي مع زميلي الطبيب النيجيري كان يصر على رأيه أن الدين ُيستخدم للأسف في معظم زمننا هذا كسلم عبور لجني فوائد شخصية دنيوية خاصة من قبل من لا مهنة لهم يسترزقون منها كالطب أو الهندسة أو حرفة كالنجارة أو الزراعة وغيرها فتجدهم يخوضون مجال السياسة الرخيص وكسب ود الحكام وتبجيلهم وإن كان الذي يحكم أمة هو أجهل القوم. أيضاً من وحي هذه القصص التي ذكرت فى المقالين نجد أن مظهر التدين وطول اللحية لم تمنع كلها بائع اللحوم من ممارسة الكذب والغش لكي يبيع بضاعته الفاسدة ولم تمنعه من الإستخفاف بعقول آخرين أكثر منه ذكاءاً أو خبرة بسياسة وقوانين الدولة المضيفة كما أن التدين لم يمنع كذلك التاجر النيجيري المسيحي من غش الزبون المضطر فباع له المحول الكهربائي الذي يعتبر في القانون سكند هاند ( لأنه بيع من قبل) بضعف الثمن لكنّه صدق مع زبونه الأول والقديم لكي يكسب وده واستمرارية التعامل معه لأنه صاحب شركة مقاولات معروفة فسلمه نقوده مضاعفة وهذا تصرف غريب وعجيب. أما الإنجليزي الميكانيكي صاحب القراش فقد تصرف هكذا بكل إحترام لشرف المهنة كما يقتضي لأن تربيته التي نشأ عليها وتعليمه كلها مجتمعة كانت تحكم سلوكه وتعامله اليومي ولا علاقة له بالتدين في شيء لأن غالبية الإنجليز والغربيين لا يؤمنون بأي دين أو تطبيق أي شريعة سماوية. كذلك موظفة الكاشير قد لا يكون لها أي أنتماء كنسي أو ديني ولكن تأثير الميديا التي تضخم جرائم المسلمين وإن صغرت قد أثرت سلبياً على هذا المجتمع وختمت على كل مسلم بختم الإرهاب وعدم المصداقية وبالصدفة في نفس مساء ذلك اليوم كان موضوع الإسلام فوبيا يحتل حصة كبيرة من ندوة المساء على قناة البيبيسي فانا لا أستغرب من تصرف تلك الكاشير أما قصتي (بيت القصيد) مع اللحام الشامي المسلم كيف انتهت؟ فقد تصرفت معه ( غصباً عني) كالآتي: إستدعيت الشابين بعد أن دفعت بالفلوس فخاطبت الشاب الأول الذي كان مصراً على استغفالي ليبيعني بضاعته الفاسدة ولتكون معدتي وأسرتي سلة مهملات نفاياته. قلت له شكراً على نيتك الطيبة لمساعدتك لي لكن دعني أسألك " أديش صار لك هنا في السويد؟" رد "سنة واحدة" . قلت له لسع انت جديد و تحتاج إلي تدريب وإلي فهم القوانين السويدية . قلت له أنا صار لي أكثر من ثلاثين سنة في السويد وبالذات في هذه المدينة فأترك لك الحكم . أولاً أنت كمسلم مقيم جديد أو قديم في أي بلد غربي يتوقع منك أن تكون خير مثال بأن تطبق سلوك وقيم الإسلام السمحة خاصة إن كانت مهنتك تقتضي التعامل مع الجمهور. أيضاً يجب عليك أن تبين الوجه الجميل للإسلام خاصة الصدق والأمانة. قلت له للأسف لم تكن معي أميناً ولا صادقاً لأنك حاولت تستغفلني بكل محاولاتك الفاشلة لتبيعني لحماً متعفنًا والبديل الافضل موجود عندك وأنا لدي إستطاعة الشراء وكذلك تلك كانت رغبتي أنا. ثم لعلمك أنا سوداني وأفتخر لك بأنني سوداني ولست بدرجة غباء الحمير كما تظن أنت وأحب أن أعرفك ومن معك هنا أن كل السودانيين الذين يشترون أغراضهم من عندكم ، رجالهم ونساءهم إن كنتم ترونهم جداً مسالمون متواضعون فالعكس ليسوا هم بمساكين أو بلهاء بل هم المتعلمون الأذكياء المتحضرون المهذبون يقتلهم التواضع والحياء وهم أحياء لكن تجدهم فى الحقيقة وأنا صادق القول إما أطباء إستشاريين أو حملة دكتوراة أو ماجستير في علوم الهندسة والفيزياء والفنون والإقتصاد والإعلام وغيرها. أدناهم من يعمل مترجماً للوافدين من الدول العربية مثلك لأنهم لا يجيدون الإنجليزية وبالطبع لا السويدية. قلت له هنا فى السويد أصحاب المحلات لايغشون الزبون ولا يبيعونه أي شيء معطوب ويحترمون قانون الدولة , فهم بسلوكهم هذا وتعاملهم أحسن منك ومني إذا فشلنا نحن الإثنان في تطبيق أخلاق تعاليم ديننا أو الإلتزام بقوانين السويد. قلت له : أخيرا لعلمك وبإختصار أنا طبيب ولي علم كذلك في مجال الطب الشرعي الذي يعلمك كيف تحدد حتى عدد الأيام التي إنقضت على قتل أو ذبح أي مخلوق حسب التغيرات التي تظهر على لون الجلد أو اللحم وبما أنك عربي أصيل ولغتك هي العربية أختم لك هذه المحاضرة الطويلة ( التي كانت بالمجان) بشعر أتمنى أن تفهم ما أعنية والسلام: ترى الرجل النحيف فتزدريه وفِي أثوابه أسد هصور ويعجبك الطرير فتبتليه فيخلف ظنك الرجل الطرير ختام: عزيزي القاريء والقارئة قصتي مع الشامي قد سردتها لكم كما هي من غير رتوش. مسكين أخيراً أشفغت عليه. دعونا أعزائي نحتفل كل صبح ومساء ونحمد الله نشكره ونصلي بأن جعلنا سودانيين وأن نفخر بذلك وعلينا أن نعض بالنواجذ على كل ما خصنا الله به من قيم سمحة وأعراف وعادات وصلات جميلة مع بعضنا البعض وتميز كما أسأل الله صادقاً أن يكون تديننا كمسلمين خوفاً وطاعة لله فى السر والعلن وليس للإنحراف من الجادة والسلوك الحضاري والإنساني بالتشدد الأعمى والغلو وأن يحفظنا الله من الإنقسامات والشحناء والخلاف والقتال فى أمور دنيوية وخلافات تافهة لا ترقى إلى فكر أو عقل سليم أو علم نافع. والتدم أيها الوطن آمناً ومعافى. آمين. ويبقى جوهر الدين الحقيقي فى "حسن المعاملة" كما قلتها لزميلي النيجيريي عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.