ما يزال الاستهداف العرقي يتواصل بحق سكان الكنابي بقرى الجزيرة, مساكن وممتلكات المواطنين ذوي الأصول الدارفورية تحرق وتدمر بكاملها, إلى متى يظل المواطن السوداني من أصل دارفوري مشرداً ومهاناً و منبوذاً داخل وطنه, ماذا سيكون دور الإعلام الخرطومي المنحاز لو أن التجار المقيمين بمدن نيالا و الفاشر والجنينة الوافدين من اقليم الجزيرة, قد تعرضت مساكنهم ومتاجرهم للحرق والتدمير؟, من المؤكد أننا سنشاهد ونسمع الصراخ والعويل والبكاء والمقابلات التلفزيونية المستمرة مع ضحايا الفرز الجهوي والقبلي, هل يعقل أن تحرق قرية كاملة لمجموعة من المواطنين السودانيين وسط البلاد وكأن شيئاً لم يكن؟, بل أن التحوطات الأمنية من خطر وباء كورونا تحتل أولى أولويات أجندة الحكومة التي جاءت تلبية لرغبات هؤلاء المقهورين, ليقابل هذا الانشغال بكورونا إهمال تام وصمت مطبق حيال مأساة ضحايا المعيلق. لقد ولى زمان الاستهبال السياسي والاستخفاف الاجتماعي أيتها النخبة المركزية, على حكومة حمدوك التحرك العاجل لحسم الاعتداءات الوحشية التي يتعرض لها سكان الكنابي بولاية الجزيرة, و معالجة المشكلات المزمنة التي حطت من مقام مواطنين ورفعت من شأن آخرين, وإلا فلتذهب الحكومة التي جلبها هؤلاء المقهورون بمهر دمائهم الغالية التي تدفقت وسالت أنهاراً أمام بوابة القيادة العامة للقوات المسلحة, ما لا يمكن أن يستوعبه العاقل هو الأستفهام التالي: لماذا وبعد زوال حكم الطاغية ما يزال الطغيان يمارس عبر مواطنين عاديين ضد آخرين بمسوغ الاستعلاء العرقي الأجوف؟, فما لا يتقبله العقل السليم هو ممارسة بعض المواطنين للبلطجة بحق إخوتهم وإلغائهم لدور القانون و تدنيسهم لصورة وهيبة الدولة بممارسات يقومون بها وهم فئة قليلة تعد بأصابع اليد الواحدة؟. المحير في أرض الجزيرة (أرض المحنة!!), أن سكانها وافدون قدموا إليها من مختلف أقاليم السودان, من الجنوب والشمال والشرق والغرب الكبير, فمنهم المزارع والعامل والموظف الحكومي والتاجر, لكن ونسبة لتمكن العقلية الاستعلائية من الانسان المركزي, ظل المواطنون المنحدرين من إقليم دارفور يدفعون ثمن ترسبات هذه العقلية المشوهة في كسبهم لقوت يومهم وتعليم أطفالهم و تحقيق طموحهم التجاري, فلم تتمكن هذه الشريحة المجتمعية الدارفورية الخلاص من شرور المجموعات الاستعلائية الذي استمر حين من الدهر, فبعد مرور أكثر من ستين عاماً من عمر الدولة السودانية الحديثة ظلت هذه الشريحة مضطهدة من بني جلدتها, بينما نشهد في الجانب الآخر تجنيس واستيطان الوافدين من الهنود والأرمن والأقباط في المدن الكبيرة والشهيرة, وتمتع هؤلاء الأجانب بامتيازات لم يحصل عليها حتى المواطن السوداني الأصلي. إنّ مأساة أهلنا في كنابي الجزيرة يجب أن تفك طلاسمها وتضمن حلولها في دفاتر مفاوضات جوبا, و أن يفتح لها مساراً جديداً يحفظ لهؤلاء المظلومين حقوقهم المدنية في الوثيقة الدستورية, المزمع تعديلها بعد التوقيع النهائي على إتفاق سلام جوبا, فلقد ولى زمان قانون قراقوش ونظام الحكم الذي يفاضل بين أصحاب الحق الواحد, عندما كانت تطبق قاعدة (الخيار والفقوس) التي عبرها تمت سياسة وإدارة السودان منذ الاستقلال, أما اليوم فقد انبلج الفجر الذي تفجرت فيه الحقائق, و واجهت فيه الشعوب السودانية مصيرها المشترك باندلاع ثورة ديسمبر المجيدة, الشعوب التي تمتاز جميعها بقدم واحد متساوٍ في أخذ الحقوق وأداء الواجبات, ومضى عهد الطرفة العنصرية القائلة (القدم بالقدم والأمات خدم), وولى زمان المشي فوق جثث المقهورين والبؤساء من المزارعين و الكادحين المنتجين الذين عاش على عرق جبينهم العطالى والسكارى و الحيارى من متسكعي المدن. على رئيس الوزراء و والي الجزيرة و وزير الداخلية التحرك الفوري والعاجل, لوضع الضماد على جرح المعيلق الذي ينزف, وعليهم غلق الباب الذي من الممكن أن تعصف به ريح صرصر عاتية, فالأرض السودانية للجميع و إلا فاليذهب الجميع إلى حيث أتوا و لتترك الأرض لأصحاب الحق التاريخي من سلالة كوش الذي هو ليس بعربي ولا أرمني أو ألباني شركسي. إسماعيل عبد الله عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.