كان عام 1947 البداية الرسمية لوحدة الجمهورية الصومالية قبل استقلالها من بريطانيا وإيطاليا، حين اجتمع ممثلي المحميات مع جامعة الشباب الصومالي، والذي كان يمثل أكبر القوى السياسية في المستعمرات الصومالية الخاضعة لإيطاليا، وقد تميزت الجامعة عن القوى السياسية الأخرى في المستعمرات، بالبرنامج الوحدوي الذي أستوعب القومية الصومالية. حين ذاك كان المشهد العام لصوماليين يسوده أمران في غاية التناقض، وهو شبيه بالواقع الذي تلى إنهيار الدولة الصومالية في عام 1991، الأول اتسم بالتجزئة والصراع السياسي في الإطار الداخلي على مستوى المحميات والمستعمرات، الأمر الثاني تمحور في الإجتماع على خيار الوحدة، بطبيعة الحال الجبهة الوطنية الصومالية في المحميات كانت إستثناء حيث رفضت خيار الاستقلال لمبرارتها، إلا أنها لم تكن تمثل ثقل سكاني كبير، وكان يمثلها في المجلس الإقليمي نائب واحد. ممثلي محميات الصومال البريطاني وصلوا إلى مدينة مقديشو في 29 يونيو 1960 وهم على خلاف سياسي كبير، بينما تلاقوا على تلبية خيار الوحدة الصومالية، وبدورهم فإن ممثلي مستعمرات الصومال الإيطالي أيضا كانوا في ظل خلاف سياسي حاد فيما بينهم. حينها تم تمرير خيار الوحدة الرسمية في 1 يوليو 1960، وفيما بعد أعلن عن أشكال الاختلاف السياسي والذي كان نخبويا أكثر منه سياسيا، حيث لم تكن هناك إشكاليات إقليمية أو جهوية تقف وراء تلك الصراعات النخبوية المتصارعة على السلطة. تم تشكيل الجغرافيا السياسية لدولة من 8 محافظات، ستة منها كانت فيما مضى تمثل مستعمرات الصومال الإيطالي واثنتان منهم تشكلوا من جغرافيا محميات الصومال البريطاني، وكانوا تقريبا يشكلون ثلاث سكان الجمهورية الصومالية، وحين إنهيار الصومال كانت الجغرافيا السياسية تتكون من 18 محافظة، منها 13 في جهوية الجنوب بالإضافة إلى 5 محافظات في الشمال.الجمهورية الصومالية ورثت 8 محافظات من الحقبة الاستعمارية، ثم انهارت جمهورية الصومال الديمقراطية مع نظام إداري شمل 18 محافظة، وفي ظل مرحلة التجزئة فإن ملامح الجغرافيا السياسية لصومال ذات طابع فوضوي، فحركة الشباب بدورها منظومة سياسية قائمة بحد ذاتها. في سياق جهود إعادة الوحدة بين الفرقاء الصوماليين، هناك واقع يضم عدد من المشاهد، منها مشهد الصراع الصومالي العام، ويتخلله كم كبير من أشكال الصراع، فكيف سيكون مشهد المفاوضات؟ هل سيشمل كل الفرقاء؟ أم أنه سيحصر في دائرة محددة وبين قوى محددة؟ مبدئيا، الهيئة التي حصرت فيها المفاوضات منذ عام 2012 اتسمت بصور تناقضات انطلقت منها المحادثات، وجاءت بهيئة مفاوضات بين الصومال وجمهورية أرض الصومال، المفارقة أن الطرف الأول يملك مشروعية سياسية لتمثيل الطرف الثاني، ورغم ذلك يراد لطرف الثاني أن يتفاوض مع الأول بصورة دولتين على قدم المساواة، وذلك يخالف أبجديات السياسة. لدى فإن أكبر ما تعاني منه المحادثات هي إشكالية المرجعية، والحجم السياسي الذي تمثله القوة الانفصالية، وهو ما يتطلب حله قبل خوض أية محادثات قادمة، وكلا الطرفين يعاني من كم تناقضات داخلية، في حين تشكل جمهورية أرض الصومال تناقض قابع في كيان الصومال الدولة، لكونها لا زالت على ارتباط سياسي معه، وأن ما تم في 18 مايو 1991 يمثل محاولة انفصال غير مكتملة الأركان. فالصومال تملك مرجعية سياسية لا تتوفر لدى الجانب الانفصالي، والأخير ينطلق من مرجعية الأمر الواقع واستثمار تمزق الصومال كدولة وبما في ذلك الكانتون الذي تمثله جمهورية أرض الصومال، والذي تنازعه المرجعية خو الأخر، تلك القوى الرافضة للإنفصال، والتي عادتا لا تشرك في المحادثات. وأمام تلك المرجعيات والتصورات المتباينة والتي لا يمكن تلاقيها منطقيا، تأتي ضرورة إنعقاد مؤتمر المائدة المستديرة، والذي عليه جمع الجهويات الجغرافية والقبلية والقوى السياسية وممثلي المجتمع المدني، وأن يتم تجاوز التمييز السلبي الغير منطقي بين الأطراف، على أن يتم التمثيل وفقا للمعطيات السكانية،الجغرافية،تعدد البرامج والممثلين على شتى أنحاء الصومال، والعودة إلى اللحظة التي سبقت إنهيار الدولة الصومالية، وليس الانطلاق من واقع تراكم فائض القوة لدى البعض وفرض الخيارات. يجب أن تعد كل محافظة صومالية لاستحقاق المصالحة الوطنية، والتي لم يتم تكريسها بعد، فليس من المنطق أن تسبق التسويات السياسية واقع المصالحة، خاصة وأن تجارب العقود الثلاثة الماضية أكدت فشل التسويات والتي لم تكن مسنودة من واقع مصالحة مدروسة، ومفهوم المصالحة ينطلق من أبعاد أن تدرك كل الأطراف ما لها وما عليها وأن لا تطالب بأعلى من هذا السقف، وقيام الجميع باستحقاقاته تجاه الآخر، وهو ما يجب أن يسبق الحديث عن تفاوض دولتين غير متكافئتين على مستوى المشروعية السياسية والإمكانيات. فليس من المنطق أن ينال مكون ما تمثيل سياسي وإداري أكبر من ما هو مشروع لدى مكونات صومالية أخرى، وتحضير البرامج يجب أن يسبق التسويات السياسية، والتي يجب أن تأتي في المرحلة الأخيرة، فالحديث عن طبيعة النظام السياسي أكان فيدرالي،كونفيدرالي،مركزي، يجب أن يأتي في مرحلة متأخرة من البرامج، على الجميع أولا الحديث عن ما يجمعهم، ثم التوغل في مآخذهم تجاه بعضهم وكيفية تجاوزها، صياغة عقد دستوري مشترك شامل لطبيعة الدولة. فالوحدة المرادة، عليها أن تكون على قطيعة مع إخفاقات الماضي، لا يمكن العودة إلى الوراء والقيام بوحدة بين إقليمين ووفق صيغة غير صحية وترتكز على أسوأ نظام سياسي وهو العقد الكونفيدرالي، والذي لا يمكن إتخاذه تحقيق مصلحة صومالية عليا، كما أن التقسيم والانفصال لا يحقق سوى المصلحة الآنية للمنادين بها، أيضا الفيدرالية القبلية والمركزية الأحادية يجب أن يتم استثنائهم من المشهد العام، فالبديل يتأرجح ما بين دولة فيدرالية تستند إلى المحافظات 18 لجمهورية الصومال الديمقراطية، وذات طبيعة سياسية بحثة وبمعزل عن واقع الفيدرالي الراهن، أو انطلاقا من دولة مركزية مرنة تمنح صلاحيات واسعة للحكم المحلي. هذه الدولة المنشودة يجب أن تتجاوز ثركة العقود التي تلت عام 1960، وأن لا تسمح بحضور الممارسات الجهوية، القبلية، التطرف الديني، التمييز بين المواطنين وفق الجنس وطبقيا. إن إخفاق الصوماليين في شأن الوحدة حدث بفعل حضور تلك الممارسات، لدى فإن إعادة وحدة المجتمع الصومالي ودولته، يجب أن تأخذ في الإعتبار سياق المراجعة النقدية والحتمي في ضرورته، وإلا فإن المسار مرهون للفشل والمزيد من التمزق، لدى لا يمكن تكريس حلول بمقياس حسابات واقع عام 1960 أو جزئيات مراحل تلتها، ولكن من خلال مواجهة التحديات الراهنة بأدوات وفكر أمثل. خالد حسن يوسف عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.