وكانت الدهشة تلازم حتى صانعي الحدث من الثائرات والثُّوّار، أنفسهم، مع كل انتصارٍ جديد، أو نقلة كبيرة في مسار إنتصار الثورة المجيدة، لأن ما يجري كان فوق التصديق، وأجمل من كل التوقعات. وأثبت الجيل الذي نشأ في عهد اللبؤة، وتحت نير سلطتها، وسلطت عليه سيوف القهر، والذل، والتجويع، أثبت ذلك الجيل أنه كان (موية تحت تبن)، أو (نار ظلت مشتعلة، وهي مختبئة تحت الرماد) لمدة ثلاثين سنة، هي عمر سلطة اللبؤة، وحكم أتباع الأسد بن الأَجرَب، وتسنمها سدة الحكم في غابة السعد المجيدة. ولعل أبلغ ما قيل في حق هذا الجيل، ما قاله جديٌ برِّي، وقد أصابته الجسارة، والصمود في الملاحم التي تسطرها الثائرات والثُّوّار، أصابته بإنفعالٍ لا قبل له به، فصاح: - بعد دة نَمْشِي نْنُوُمْ، مَا دَامْ دِيْل وِلَادْنَا... وظلت المواكب تنطلق، وتهدر، وتنهمر، والوقفات الإحتجاجيّة، والإعتصامات، والإضرابات المطلبية تترى، وتنتظم، وتملأ أرجاء الغابة دوياً وجلجلة، وتبث فيها رائحة الثورة، والحرية، والتغيير... تزداد، يوماً بعد يومٍ، همةُ الثُّوّار ألقاً وبريق، ويزداد أهلُ العرين حيرةً، وتخبُّط. وجرت حول أحداث الثورة سيولٌ من المناقشات الهادفة، والأفكار الألمعية، على أرض الغابة، وفي الأسافير، وفي كل مكان، تقييماً، وتخطيطاً، ودعاية. وكانت الثورة زي نضارة غُصنِ طيب، كل يوم، تخضرُّ عوداً، وتزداد ألقاً، وبريق. كان عمل قيادة تجمُّع المهنيين بالغابة، من وراءِ سُتُر، عملاً ظهرت فيه الحنكة، والدربة، وأطاح بقدرات العرين في تقفي الأثر، ذلك التقفِّي الذي إنما كان يهدف لشلها، وضربها، ومن ثم إخماد الحراك البديع الذي كانت قد إبتدرته، وتتوسط الجماهير، الآن، في إلهابه، وتغذيته... لقد كان في تخفي القيادة، الذي لا علاقة له بخوفٍ، أووجل، نوعاً من دراما الثورة، وفنونها الجديدة. وقد تحركت آلة دعاية اللبؤة، الظلاميّة، لاستفزاز تلك القيادة حتى تخرج للعلن؛ ووظفت كل قدراتها للنيل منها، ودفعها للبروز إلى الواجهات، ووظفت كل ما تملك: الصحف الصفراء مثل (صحيفة اخبار الغابة) وإخوانها، وبرامج التلفزيون، ومنها ما كانت تشرف عليه وتديره الضباع، والذئاب العاتية. وبرغم ذلك، ما أن ظهر متحدثٌ واحدٌ، كروانٌ صِدَّيح من قادة المهنيين، وغرد ذات صباحٍ جميل، حتى إمتدت إليه يد البطش من أمن العرين، وطاله الأعتقال... ولكن، ورغم ذلك، ظل بُوم العرين يُردد في دعايته الظلاميّة تلك، وينادي بضرورة خروج قيادة مهنيي الغابة إلى العلن. واستجابت القيادة للتحدِّي، ليس رُعُونةً منها، ولا استجابةً لإستفزازات العرين البائسة، ولكن كانت المرحلة قد أقتضت الخروج للعلن. وصارت الثورةُ في مأمنٍ من أن يُقعد بها، حتى ولوتم شل هيئات قيادة جماهير الحيوانات كليّاً، اوجزئيّاً. فقد باتت الثورةُ ملكاً، حُرّاً، لجماهير حيوانات الغابة جمعاء.