لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فالموت حق وكلنا ميتون. ألا رحم الله عمنا الوقور الأكرم الشهم الهمام القوي الشجاع الكريم المضياف البشوش الورع الشيخ اللواء والأديب والقانوني مزمل سلمان غندور الذي توفي بالاربعاء الماضي فى الخرطوم. كم كانت فرحته وفرحتنا لا توصف عندما إلتقينا كلنا ومن غير ترتيب ميعاد بعد غياب طويل بمنزله العامر بالخرطوم بحري شهر يناير كانون المنصرم 2020 بصحبة أخى الشيخ مجذوب عبدالمحمود الذي أيضاً صحبني رغبة فى التواصل لأنهما يتعارفان منذ زمن بعيد ولهما علاقة إحترام صداقة ومودة. ودعناه بعد الجلسة القصيرة الممتعة بالحديث المتنّوع فى حضرته كما عودنا وقال فى نهايتها لشقيقي مجذوب " نحمد الله ربنا أكرمنا أننا قد عمرنا كثيرأ وغيرنا الكثيرون ماتوا صغاراً ، نسأله حسن الخاتمة". ودعنا بآخر كلمات من خلفنا كان يرددها على سمعنا ونحن صوب باب الخروج من الدار " أنتم رمز الوفاء أنتم رمز الوفاء" ونسي أنه هو أبو الوفاء بل الوفاء للقيم الانسانية ولكل الوطن. كنت حينها قد شعرت بالأسف الشديد لأنني زرته ولم تكن معي هدية تليق به لأقدمها، فعزمت عزماً من قلبي أن أفعل خلال زيارتي الشتوية القادمة للسودان إذا أحيانا الله. كان رجلاً نظيفاً محترماً ووالداً مربياً وأنموذجاً يحتذي . ربى أبناءه وبناته على حسن الخلق والسلوك القويم وفتح لهم أبواب العلم والمعرفة مشرعة ينهلون من معينها داخل وخارج السودان حتي نالوا إناثاً ورجالاً الماجستير أو الدكتوراة فى مجالات مختلفة بما فيها الإقتصاد والمعمار والفيزياء. كان يشارك أهله وبنيه فى المطبخ طباخاً ماهراً ولا يستنكف حتي من مشاركتنا في تحضير صناعة الرغيف البلدي الذى كنا أحياناً نحتاج أن نخبزه فى بيوتنا بانفسنا في السويد. كان يفتخر بأن والدتهم لها الفضل الكبير فى تنشئتهم لأنها هي التي ربتهم كأم حنون وربة منزل وتجارة لها كانت فيها بركة كفٌَتهم ، وذلك بعد ان توفى والدهم. ولذلك دخل طوعاً مبكراً الكلية الحربية لأنه الإبن الأكبر ليكون "جمل الشيل" وقد كان. هكذا ضحى من أجل من هم دونه من أشقائه رغم أنه كان أول فصول دراسته . درس بعد ذلك القانون بجامعة القاهرة الفرع وهو ضابط بالجيش وأكملها كما درس أيضاً الهندسة. له معرفة دقيقة بأنساب السودانيين ولا يلتقي بإنسان إلا وتجده يعرف أهله ونسبه وعادات منطقته. كان يحب السودان كعسكري منضبط وكسوداني وعبادي- كواهلي أصيل. كان عندما يزورنا فى السويد أثناء تحضير إبنته الفاضلة أماني للدكتوراة فى مجال الفيزياء بجامعة أوبسالا يقول لي أرجوك تأخذني إلى السفير لأنني بحكم أنني عسكري زائر لابد لي حسب الضبط والربط للقانون العسكري والإلتزام به أن أبلغ عن وجودي لممثل السودان أينما أذهب! قال عن إبنته البروفيسورة " أسميتها أماني على الكنداكة أماني". كان عليه رحمة الله عابداً ونشهد له أنه كان لا يفرط فى صيام الإثنين والخميس حتى عند ما كان يقضي معنا مدة إقامته بأوبسالا فى السويد وهذه من أخلاق وتواضعالأنبياء و الرسل. كان كاتباً بارعاً ومؤلفا وكان قاصاً موثقاً لقصص وأحداث تاريخية كثيرة يحكيها وكأنه يقرأها لك من كتاب. حكي أنه عمل ملحقاً عسكرياً بألمانيا وانجلترا وبالسعودية كان محرراً لصحيفة مشهورةً ومستشارًا صديقاً للأمير سلطان عليه رحمة الله. كان حاضر البديهة وبكل قواه العقلية وذكياً لماحاً حتى أخر عهدي به قبل ثلاثة أشهر مضت. من ضمن ذكره لحكاياته الطريفة أثناء عمله ضابطاً بجنوب السودان قال في إحدى المرات شاهد أسداً من على البعد متجهًا نحوه فقال صوبت بندقيتي تجاهه مستعدًا لأدافع عن نفسي حالة إذا ركض يهجم عليَّ. لكن فجأة غير الأسد إتجاه سيره. فقلت " والله ملك! قلتها فى نفسي، ثم تركته لحاله إجلالاً له كملك ولأنه لم يعتدي عليّ!" اللهم أغفر وأرحم لأبي سلمان وغندور وشقيقاتهم وحرمه ، الشيخ الورع الفاضل الوقور المحترم المتواضع العابد الزاهد مزمل غندور واسكنه أعلى جنة الفردوس مع الصديقين والشهداء واجعل الكوثر مشربه واجعل قبره روضة من رياض الجنة اللهم لا تفتنا بعده ولا تحرمنا أجره. إنا لله وإنا إليه راجعون. يعجز القلم عن ذكر مآثره فهو كتاب ، إنا والله على فراقه لمحزونون كثير الحزن. ملحوظة: المتوفى صاحب الاسم أعلاه ليس له علاقة قرابة او نسب بغندور وزير خارجية النظام البائد عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.