إطلعت على كتاب "السودان : الثقافة والتنمية - نحو إستراتيجية ثقافية"الذي تضمن مجموعة من الأوراق التي قدمت في ندوة عُقدت بمقر المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة في الفترة من 4 - 6 أغسطس 1999م. قدم الكتاب وأشرف عليه الدكتور حيدر إبراهيم مدير مركز الدراسات السودانية وقام بتحريره الأستاذ بكري جابر، وشارك في الندوة عدد من الباحثين والكتاب المهتمين بشأن الثقافة في السودان بحضور كوكبة من نجوم السياسة والثقافة في السودان ومصر أذكر منهم على سبيل المثال الإمام الصادق المهدي والدكتور فرانسيس دينق والأستاذ علي أبو شادي ممثل المجلس الأعلى للثقافة في القاهرة والأساتذة باقان أموم ومحمود أمين العالم وبشير البكري وسعدالدين إبراهيم وحلمي شعرواوي. دارت محاور الندوة حول قضايا الهوية وبناء الدولة الوطنية والثقافة والسياسة والهوية الثقافية وسؤال الاخر والثقافة والتاريخ، بهدف فهم الواقع واستشراف المستقبل كما قال الدكتور حيدر إبراهيم في مقدمة الكتاب. أتوقف هنا هنا عند بعض الإضاءات المهمة التي جاءت في بعض الأوراق مثل ما أورده الأستاذ محمد علي جادين في ورقته بعنوان "الهوية السودانية في إطار التنوع" التي أشار فيها إلى ما اعتبره تضخيم حقائق التنوع لصالح المجوعات غير العربية واعتبارها أساس الهوية السودانية واعتبار الهوية العربية أقلية مسيطرة، وأكد أهمية استصحاب واقع التنوع لخصوصية السودان والهجين العربي الأفريقي في مدرسة السودانوية الجامعة. الأستاذ أحمد محود قدم ورقة بعنوان"نقد عقل الضد والتعارض مع الثقافة العربية في السودان" وقال إن الثقافة العربية عندما ترتبط بدورها التحرري تعزز البناء التوحيدي للأمة السودانية مثلما حدث إبان الثورة المهدية و في ثورة 1924م. أما الدكتور عبدالله بولا فقد ركز في ورقته"الخصوصية والعالمية" على المدرسة الداعية للتصالح بين الغابة والصحراء التي أعادت الاعتبار للمكون الأفريقي في الإنتاج الإبداعي في السودان. خلصت الندوة بالاتفاق على الإعلان الثقافي السوداني الذي توافق عليه جميع المشاركين بمختلف إنتماءاتهم وتوجهاتهم وجهاتهم، وأكد الإعلان الثقافي على رفض الأنظمة الديكتاوتورية بكل أشكالها المدنية والعسكرية وعلى حق المواطنين في المشاركة في السلطة والثروة دون وصاية أوقهر وعلى الاعتراف عملياً بالتعدد العقدي والثقافي والإثني دعا الإعلان الثقافي للعمل بجدية لتهيئة الأجواء السياسية والإجتماعية والثقافية التي تدعم وتكرس الديمقراطية وتعتمد نظام الحكم المدني ووعدم إقحام الدين في العمل السياسي والحزبي مع إحترام كل الأديان وكريم المعتقدات. رغم انعقاد هذه الندوة قبل نجاح ثورة ديسمبر الشعبية فإن هذا الإعلان الثقافي يصلح للإسترشاد بموجهاته والعمل على هديه خاصة في المؤسسات الإعلامية والصحافية لتكريس أهداف الثورة الشعبية في الديمقراطية والسلام والعدالة الإقتصادية والإجتماعية .
