إن أحداث العنف التي شهدها السودان مؤخرا بمختلف مدنه وأريافه كتلك الأحداث التي دارت رحاها في الجنينة وبورتسودان وكسلا وفي قلب الجزيرة والخرطوم هي أحداث مؤسفة وموغلة في المأسوية ومثيرة للاستغراب أن تحدث مثل هذه الأزمات في أوقات الثورة التي مضت عليها عام كامل وهي تنادي بالحرية والسلام والعدالة. هذه الأحداث العنيفة يحب التوقف عندها وبحث أسبابها وجذورها ومعالجتها بصدق إن كنا نرغب في بناء دولة تقوم على أساس الحرية والسلام والعدالة. إن استمرار أعمال العنف المادي في السودان يدعوننا جميعا إلى البحث والتنقيب عن جذور هذه الأزمة المتجددة بأشكالها وأنواعها المختلفة بحيث يجب تناولها من عدة نواحي وزوايا لان هذه الوضعية تتطلب أن نتناول المؤسسات غير الرسمية التي تقوم بمهمة إعداد وتجهيز الفرد السوداني ليساهم في بناء المجتمع وفي مقدمة هذه المؤسسات هي الأسرة والمدرسة والكلية والجامعة والأحزاب السياسية فعلى عاتق هؤلاء تقع مسؤولية تخريج أفراد لهم أفعال ذات قيم أخلاقية وسلوكيات منضبطة تجاه الآخرين وقدرة على التعايش السلمي فهل قامت هذه المؤسسات المذكورة بهذا الدور المهم؟ أم أن هذه المؤسسات تخرج مجرد أفراد منغلقين تجاه الآخر وبعيدين عن التفكير والفعل المنطقي السليم. ونفس الأسئلة تطرح على المؤسسات الرسمية بالبلاد التي من أهم واجباتها حفظ الأمن والنظام وبناء السلام بجانب إيجاد الطرق الوقائية لمنع العنف والتوتر قبل وقوعها. فالسؤال الجوهري هل أضحت المؤسسات السياسية بالبلاد مجرد مؤسسات لغسل أدمغة المواطنين ضد بعضهم البعض؟ وإلا لماذا استمرار العنف بهذه الوتيرة الديناميكية بالبلاد. أحد أهم شعارات ثورة ديسمبر التي يرددها ويتغنى بها الكل هي السلام لكن ما السلام؟ السلام الحقيقي لا يعني مجرد غياب العنف بل تحقيق العدالة التي تتعلق بالحقوق المتساوية للجميع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية. فهل قامت أجهزة الإعلام بدورها تجاه تحقيق السلام ومعالجة التوترات؟ نستطيع القول أن السلام يكون عادلاً عندما تكون الأجهزة الإعلامية عادلة. النقطة الأخرى ونحن مازلنا نتطرق لمسالة العنف هي أن أي ظلم أو عنف يقع في أي حلة أو قرية أو فريق أو مدينة أو مصنع أو الشارع العام أو مستشفى أو جامعة أو أي مكان آخر يمثل تهديد مباشر لكل الناس حتى لو أعتقد الفرد انه في مأمن من ذلك الشر، لان المواطنون يعيشون اليوم في دولة تشبه المنظمة أو الشركة ومتشابكة لدرجة التعقيد فما يحدث لفرد في أي قرية أو مدينة يتأثر به كل الناس لأننا في عصر الاتصالات التي ربطت بين الناس. كذلك هناك قانون يسمى قانون الجذب فما تتمناه أن يحدث للآخرين يمكن أن يحدث معك بشكل من الأشكال وهذا من جهة ومن جهة أخرى يسمي وصف بعض الكُتاب السودانيين هذه الظاهرة ب(صدى الريف) بمعنى أن تراكم الحرمان والاستقصاء والظلم في أي منطقة داخل البلاد يمكن أن يرتد على كل السودان مثل صدى الصوت عندما يرتد عائداً. في ختام هذا المقال نتمنى أن نخطو خطوة نحو الحرية والعدالة والسلام بصدق بدل دوامة العنف المجتمعي الذي لا يقدم السودان سوى التقهقر والتخلف. وسنواصل في تفكيك ظاهرة العنف ومستوياته ومسبباته ومن ثم السلام ومراحله وآثاره. د. محمد عيد كليس عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.