كان التاج يعمل مفتشا زراعيا بمشروع الجزيرة العريق حين كان المشروع يحمل اسمه وذلك قبل أن تناله معاول الهدم والتدمير. فكل من كان يعمل بالمشروع من المزارع و الغفير الي المدير يعرف عمله ويؤديه بهمة عالية وتفان عظيم. فكل من يعمل بالمشروع يدري أنه جزء لا يتجزء منه، والكل يأخذ حقوقه كاملة دون نقصان فالمشروع ملكهم، انه حياتهم، دمهم ولحمهم وعظمهم! التاج كمفتش زراعي بالمشروع يسكن منزلا واسعا ، فاخرا ومريحا ويعيش حياة طيبة وهنية مع زوجته الطيبة والهادئة أم صلاح . بالإضافة الي عمله ، بدأ التاج مشروعا صغيرا لتربية الأبقار بحديقة المنزل ومنه يحصل علي لبنها لاسرته الصغيرة ويبيع ما تبقي منه في مدينة ود مدني فيدر عليه دخلا إضافيا مقدرا. كان للتاج ولد وبنت تمكن من تربيتهما وتعليمهما بمدارس المشروع في بركات واكملا تعليمهما بالجامعات في العاصمة الخرطوم الولد(صلاح) تخرج مهندسا والبنت (نهي) طبيبة بيطرية. وكان يعمل معه سائق (عبدالله) طيب المعشر ان رأيته حسبته من الأسرة . توفي التاج الي رحمة مولاه فجأة اثر ذبحة صدرية في مستشفي ودمدني. أقيم العزاء بمنزل الأسرة بمشروع الجزيرة. في أحد أيام العزاء حضر أحد الرجال من مدينة مدني وبصحبته طفل (علي) في عمر ثمانية سنوات ، كان الطفل مكتنز الجسم وفيه ملامح من المفتش التاج. بعد أن أدي الرجل (خال الطفل) واجب العزاء انفرد بأحد أقرباء التاج من الرجال وصرح له بأن الطفل المرافق له هو ابن للمفتش التاج. اندهشت الأسرة فهي لم تسمع بأن للتاج زوجة أخري ، ناهيك من أن يكون له ولد أو بنت منها. رفض أقرباء التاج وأنكروا ان ينسب الطفل اليه ورفضوا أن يعطي شيئا من الإرث فقد كان للتاج بعض العقارات بمدينة مدني وبعض المال في حسابه بأحد البنوك كما ان لديه حقوق نظير خدمته الطويلة بالمشروع. كان التاج يعلف أبقاره مما يقوم بزراعته في حديقة المنزل وكان يقوم أيضا برفقة السائق باحضار تغذية إضافية للابقار من المدينة في عصر كل يوم، تتكون من بقايا المريسة (نوع من الخمر) تصنع من الذرة وبعد أن تتخمر تتم تصفيتها بقطعة قماش وما يتبقي بعد التصفية ينتج منه ما يسمي بالمشك . انفردت نهي يوما بالسائق عبدالله وسألته عن موضوع (المشك). ذكر لها عبدالله بأنه كان يذهب لاحضار المشك ولكن والدها كان يذهب الي بيت أهل والدة الطفل وقد أخبره بأنه تزوج منها قبل فترة طويلة وأضاف بأن والدها رحمة الله عليه حين كان يذهب بعض الأحيان في مأمورية خارج المشروع فانه يكون مع والدة الطفل وفي هذه الفترة أنجبت له الطفل علي قبل ثمان سنوات. في أحد الأيام ذهبت نهي الي زوجة ابيها حيث تسكن وأخذت معها بعض الهدايا. أحسنت زوجة أبيها استقبالها، احتضنت نهي أخاها الصغير طويلا وسالت بضع دمعات علي خديها. أخرجت ام علي ورقة من أحد أرفف دولابها ، ناولتها نهي وكانت قسيمة(عقد) زواجها من أبيها التاج. سألت نهي أم علي عن أحوالها وأحوال ابنها في المدرسة وأخبرتها بأنها ستقوم بدفع ايجار المنزل اعتبارا من الشهر القادم. فاجأتها أم علي بأن البيت الذي تسكن فيه مع ابنها اشتراه زوجها التاج في حياته. حينها قالت لها نهي بألا تبوح بذلك لأحد من أقربائها لأنهم سيقومون ببيع البيت ويقاسمونها فيه. بعد سنة من وفاة التاج توفي الطفل بمستشفي الأطفال نتيجة اصابته بمرض الملاريا. د سيد حلالي موسي عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.