الفرصة ما تزال متاحة لعقد حوار سوداني سوداني.. البرهان يلتقي المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    الهلال يتعادل مع سانت لوبوبو بالكونغو    سلوت: هدف إيزاك يحمل أهمية خاصة.. وأشعر بالارتياح    الجيش السوداني يسيطر على 4 مناطق    عثمان ميرغني يكتب: بل هي مؤتمر آخر بلا جدوى..    وزارة الثقافة تنفي صلتها بعقد مزعوم مع الصحفي اليمني أنيس منصور    إطلاق سراح آخر الضباط المتهمين بالتخطيط لانقلاب عسكري أثناء الحرب    ميسي يحطم رقما قياسيا ويتوج بلقب جديد    شاهد بالصور والفيديو.. "جرتق" العروسين (سعد وكادي) يشعل مواقع التواصل السودانية والعروس تكتب لعريسها: (انتو م فاهمين عمق الحب ال بحبه لهذا الرجل)    التعليم العالي: فتح التقديم للطلاب الوافدين على نظام النفقة الخاصة بالجامعات السودانية    5 تحذيرات مهمة بشأن الكركم    المريخ يواجه غوريلا في لقاء الانتصار ومصالحة الأنصار    أيّهما صحي أكثر.. الدجاج أم السلمون؟    حفيظ دراجي يكتب: المنتخب بطل كأس العرب    السهم الجنيد ينازل دلوت في دورة شهداء معركة الكرامة بمدينة رفاعة    وفاة رئيس نادي الهلال السوداني الأسبق    الوفد الإداري لنادي الصفا الأبيض يحل أزمة سكن البعثة بمدني    شاهد بالصور والفيديو.. "جرتق" العروسين (سعد وكادي) يشعل مواقع التواصل السودانية والعروس تكتب لعريسها: (انتو م فاهمين عمق الحب ال بحبه لهذا الرجل)    شاهد بالفيديو.. ياسر العطا يهاجم قيادات الحرية والتغيير خلال مخطابته جمع غفير من الحاضرين: (قحاتة يا سجم الرماد) وأحد الحضور يخصص خالد سلك والعطا يرد عليه: (كلهم سجم رماد)    شاهد بالفيديو.. شاب سوداني يهاجم لاعبي صقور الجديان بعد فوزهم على لبنان: (في زول عاقل بغلب منتخب لبنان؟ هم أساس البطولة ودائماً بتقدوا الشغل ومافي حل غير بعد دا غير تجيبوا الكأس)    شاهد بالصور والفيديو.. مسيرات هادرة تسير معهم.. البرهان وأفورقي يتجولان وسط المواطنين بشوارع بورتسودان    العطش يضرب القسم الشمالي، والمزارعون يتجهون للاعتصام    إخطار جديد للميليشيا ومهلة لأسبوع واحد..ماذا هناك؟    في الشتاء.. 4 أنواع من الفاكهة يجب ألا تستغني عنها    إحباط تهريب أكثر من (18) كيلوجرامًا من الذهب في عملية نوعية    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    ترامب: أي وثيقة وقعها "النعسان المتعجرف" بايدن باستخدام القلم الآلي ملغاة ولن يكون لها أي أثر    الرئيس الأمريكي يعلن وقف الهجرة بشكل دائم من كل دول "العالم الثالث"    الشرطة في السودان تعلن عن إحباط المحاولة الخطيرة    الميليشيا ترتكب خطوة خطيرة جديدة    إحباط تهريب أكثر من (18) كيلوجرامًا من الذهب في عملية نوعية    مخاوف من تأثر أسواق دارفور بقرار منع حظر خروج السلع من الشمالية    بالصورة.. مذيعة سودانية كانت تقيم في لبنان: (أعتقد والله اعلم إن أنا اكتر انسان اتسأل حشجع مين باعتبار اني جاسوسة مدسوسة على الاتنين) والجمهور يسخر: (هاردلك يا نانسي عجرم)    وصول 260 ألف جوال من الأسمدة لزراعة محاصيل العروة الشتوية بالجزيرة    إبراهيم شقلاوي يكتب: الكهرباء وفرص العودة إلى الخرطوم    شاهد بالفيديو.. التيكتوكر المثيرة للجدل سماح عبد الله تسخر من الناشطة رانيا الخضر والمذيعة تغريد الخواض: (أعمارهن فوق الخمسين وأطالبهن بالحشمة بعد هذا العمر)    شاهد بالصورة والفيديو.. بثوب فخم ورقصات مثيرة.. السلطانة تشعل حفل غنائي بالقاهرة على أنغام "منايا ليك ما وقف" والجمهور يتغزل: (كل ما نقول نتوب هدى عربي تغير التوب)    مصر.. تحذيرات بعد إعلان ترامب حول الإخوان المسلمين    شاهد.. بعبارة "كم شدة كشفت معادن أهلها" صورة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان تزين شوارع العاصمة السودانية الخرطوم    "نفير الأغاني".. رهان على الفن من أجل السلام    لجنة عودة المواطنين للعاصمة تتفقد أعمال تأهيل محطات المياه والكهرباء بمحلية الخرطوم    لماذا لا ينبغي التعويل على تصريحات ترامب    ادارة مكافحة المخدرات ولاية النيل الابيض تضع حدا لنشاط شبكة إجرامية متخصصة في الإتجار وتهريب الحبوب المخدرة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    شاهد.. صور ولي العهد السعودي سمو الأمير محمد بن سلمان مع علم السودان تتصدر "الترند" على مواقع التواصل والتعليقات تنفجر بالشكر والثناء مع هاشتاق (السودان بقلب بن سلمان)    الطيب صالح ناهض استعلاء السلطة عبر "الكتابة السوداء"    الطاهر ساتي يكتب: مناخ الجرائم ..!!    الطاهر ساتي يكتب: أو للتواطؤ ..!!    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نذر مواجهة اعلامية قادمة .. بقلم: وجدي كامل
نشر في سودانيل يوم 26 - 05 - 2020

في مخاطبته العيد الثمانين ل (هنا أمدرمان) قبل أيام ذكر السيد لقمان احمد مدير الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون انه بصدد تحرير الهيئة من سلطة الحكومة القابضة ، معزياً تخلف الأداء المهني بالهيئة، وبصفة لا تقبل الشك، الى تبعيتها وتمثيلها لدور نافخ البوق للحكومات عبر تاريخ خدمتها.
قد يكون لقمان وفيما ذكر قد أصاب، وتلمس الجرح، وتحسس عصب العجز التاريخي الخاص بالمؤسسة العجوز. ولكن دعونا نرى ماذا يعني ذلك.
عملية التحرر من الهيمنة الإعلامية للدولة و إكتساب هامش حريات نسبية تجربة يقبع نموذجها التاريخي في هيئة الإذاعة البريطانية - البي بي سي كمؤسسة اعلامية شبه حكومية لها هويتها الخاصة المتجسدة في إتباع سياسة تحريرية متوازنة غير منجازة، وذات التجربة موجودة في الهيئة التونسية لخدمة البث الإذاعي والتلفزيوني.
كلا المؤسستين تتمتعان بإحترام وقبول نتيجة لإتباع سياسة إعلامية تحرز إجماعا من قبل كافة اطراف الرأى العام المستمع والمشاهد العربي.
لقمان أحمد، وإذا ما أراد تطبيق ذات الوصفة على الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون السودانية فإن خطوته المتوقع لها أن تكون جريئة سوف يكون لها ما بعدها من تبعات وإستحقاقات عند وضع الهيئة على ذلك المسار ما سيتطلب إجراء عمليات إصلاحية مؤلمة ومكلفة.
أنشأت السلطة التاريخية للاستعمار البريطاني ومن بعدها حكومات ما بعد الاستقلال جهازي الإذاعة والتلفزيون. ولكن فإن الطبيعة التي نشأ عليها الجهازان تمثلت في إنسجامها وتلبيتها لأهداف ذات ما يعرف بمنظومة الاعلام الرسمي التقليدي المتكون عبر مختلف الأنظمة السياسية التي مرت بالسودان والمنطقتين العربية والافريقية، وهما وفي هذه الوظيفة النوعية يتحملان الوزر الأعظم من تلويث فضاء الراي العام التاريخي بحكم التحيز السياسي لمصالح منذ الإنشاء.
فالإذاعة التي نشأت عام1940 قد قدر وخطط لها الاستعمار البريطاني على نشر اخبار الحرب العالمية الثانية ورفع معنويات الجنود والرعية المستعمرة ربطا باستمالة وجدانها لصالح بريطانيا ومصالحها العظمى دون حجر على بث برامج الترفيه و المنوعات الغنائية والاهتمام بفن الغناء المحلي من الحقيبة الى الغناء الحديث. وحين أتى الاستقلال السياسي حولت الإذاعة وظيفتها قأصبحت الناطق باسم الحكومة الوطنية الأولي وهكذا إستمرت عبر مختلف الأنظمة السياسية المتعاقبة.
أما التلفزيون ومنذ إنشائه عام 1962 فقد لعب دور النشر والترويج للحكومة العسكرية آنذاك مع اهتمام ببرامج المنوعات والغناء الذين وجدا ذروة التشجيع من حكومة عبود وبصفة تشجيعية خاصة من اللواء محمد طلعت فريد وزير الاستعلامات والعمل والرياضة آنذاك.
السؤال الذي يطرح نفسه هل ستستطيع الهيئة من لعب ادوار إيجابية لصالح العملية الإنتقالية للديمقراطية، بل لمصلحة الديمقراطية نفسها بعد تراث سالب خلفته في ظل الديمقراطيات السابقة عندما تولت القيام بوظيفة المكافحة الناعمة المنظورة وغير المنظورة في الترويج للثقافة غير الديمقراطية، وبالتالي تمكنت من خدمة عملية الانقضاض عليها.
خطوة لقمان أحمد او مشروعه الذكي سوف يلبي المتوقع من الهيئة في ظروف واحوال التحول الديمقراطي بأن تصبح الهيئة ذات طبيعة مستقلة تحتفظ بمسافة واحدة من جميع القوى السياسية وتسهم بالتالى في تعليم الديمقراطية السياسية من جديد وتدعيم القيم ذات الصلة وتأييد الثقافة والوعي الجديدين. هذا ما يجب الإجابة به حاليا فيما يتصل بسؤال مدى إمكانية لعب الإذاعة والتلفزيون ادوارا إيجابية منحازة للثورة والمرحلة الانتقالية والتحول الديمقراطي إذا ما تمكن المدير الحالي من تنفيذ خطنه وتحقيق حلمه..
الحكومة الإنتقالية الممثلة في مجلس السيادة والجهاز التفيذي عليها المساعدة في جعل ذلك التحول الإعلامي ممكنا وواقعيا بإبتكار هوية إعلامية وسن قانون جديد يكفل للهيئة التحقق على أرض جديدة تصلح لزراعة ثقافة ووعى سياسيين بديلين.
لا شك ان ثمة جملة من العقبات ستحول دون حدوث ذلك، ومنها ذاكرة الانحياز والتحيز التاريخية لجهازى الإذاعة والتلفزيون وتبعية العقلية الفاعلة بهما للأنظمة الشمولية التي تعمل وفق جيش من العاملين المسيسين من موظفين وموظفات وفنيين وفنيات أتت بهم أحزال وتقلبات السياسة وليست المعايير المهنية الصارمة الدقة والوصفات في أهلية العمل بالهيئة مع إستثناء تواجد شريحة من المهنيين عملت على مر المراحل السياسية بالهيئة.
الأفكار المطروحة حول اعادة الهيكلة والتدريب وغيرها من مشروعات وتخطيطات قد تتمكن من تخفيض ظل التحيز لثقافة الأنظمة الواحدية ولكن لن تقفز كثيرا او تمضي الى الامام بسبب القابلية المتجذرة للتماهي مع ثقافة الاستبداد خصما على ثقافة المهنية والتفكير المهني.
هنا تطل اعباء الفكر الحر، والفن المتمرد، والاتجاهات النقدية السياسية والثقافية الديمقراطية الجديدة في صراعهم المتوقع مع الذاكرة وممثليها غليظي الأسلحة والمفاهيم.
باستطاعتنا تغيير عدد من الوجوه الإدارية، ولكن ما ليس باستطاعتنا هو محو ذاكرة وعقلية محصنتين ضد التغيير الذي لن يتأتى إلا بأثمان فادحة التكاليف ربما اقتضت إعادة بناء المؤسستين برمتهما على أسس مهنية وعلمية جديدة خالية من أي سموم سياسية وآيديولوجية في المخيلة والتفكير.
هنا ووفقا للحقائق الآنفة يمكن الإتفاق مع السيد لقمان في أهمية إنشاء مؤسسة جديدة بأنظمة عمل وتقنية وكوادر جديدة ولكن بعد وضع عدد من التفسيرات والإجابةعلى أسئلة معلقة.
أولا ماذا يعني فك الإرتباط النسبي بين الدولة والهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون؟
يعني فك الإرتباط أو التحرر النسبي من الدولة الخروج بالهيئة من مظلة الخدمة المدنية التي تحكم قوانين الهيئة كمؤسسة حكومية أصيلة تلعب أدوارها وتقوم وظيفتها وفقا لمصالح ونظرات المالك والمنشئ.
يعني ذلك التخلص من كل العمالة الموجودة بالهيئة وفتح الباب لمن يأنس في نفسه الكفاءة التقديم للعمل بالمؤسسة البديلة الجديدة التي ستفتح أبوابه للتوظيف حسب الكفاءة والقدرة الإحترافية المهنية المتخصصة.
يعني فك الإرتباط بالتالي البحث عن رساميل او شراكات محلية أو أهلية مبتكرة تتحالف مع المال الحكومي لتأسيس قناة هجين من حيث الملكية. أيضا يفتح الإنشاء الحديد وليس الإصلاح بابا للشراكات الدولية والإقليمية وهو ما سيوفرالكثير من الفرص للتعاون مع بلدان ومنظمات في التدريب والإنشاء والتغذية التقنية.
ما يدفني لتوصيف الافكار سابقة الذكر يتلخص في مفهوم كان قد بثه لي الأستاذ لقمان عبر مكالمة هاتفية مثمرة جرت قبل فترة بيني وبينه وفهمت منه وقتها أنه بصدد مشروع لا يستهدف تصحيح القناة القومية الحالية لأسباب بنيوية يراها في عدم قابليتها لذلك والعمل بالتوازي على إنشاء قناة أخرى وهو ما جاء على محمل تعبير جديد في مخاطبته بمناسبة الذكرى الثمانون ل (هنا امدرمان) بفكرة إستقلالية الهيئة.
الآن دعونا ننظر إلى الإحتمال الإفتراضي الذي يقول ببقاء كل شى على ما هو عليه وإجراء تغييرالت شكلية ومكياج سياسي أشبه بعملية النفاق السياسي والذي يسيطر على واقع الهيئة الحالى؟
إن بقاء كل شى على ذات النسق القديم مع إجراء تعديلات إدارية على مستوى المناصب العليا والتأسيس لهرج ثورى في أضلاع برامجية و نشرة أخبار رئيسية فاترة الذكاء المهني أمر وقعل من المتوقع أن يدلق الفتنة ويسيل دماء الإنتقال على قارعة طريق الثورة. فالجهاز الاعلامي المؤتمن نظرياً من جماهير الثورة وحداتها من الثوار والثائرات للعب دور المواجهة مع الميراث السياسيى الإعلامي البائد والتعرض بالصدق والمصداقية للرأى العام ومكاشفته بالحقائق وفي حالة النكوص عن دوره المرسوم سيصبح رأس الرمح الإعلامي في إفشال المرحلة الإنتقالية. أيضا فإن التحيز والإنحياز الأعمي لسياسات الحكومة الإنتقالية والدفاع الشرس عن سياساتها بغضها وغضيضها غالباً ما سيطرد المشاهد الحصيف عن عمل الهيئة في االبثين الإذاعي والتلفزيوني النتيجة التي ستسقط الخدمتين في امتحان المنافسة النزيهة لانتاج المعلومات التي تنتظرها جماهير المتلقين، و مما سيحرضهم اكثر لتقديم طلبات اللجوء الفرجوي لعناوين إعلامية مرئية ومسموعة اخرى مثلما فعلت قبل ذلك الإنقاذ سيئة الذكر مع مجتمعات المشاهدة السودانية المتحضرة.
إذن ما هي العقبة الكؤود التي ستقف أمام مشروع إستقلال الهيئة؟ لا شك ان ما سيكون مهددا لعمل وفعالية التطبيق الجديد سوف يكمن في عقليتين وهما العقلية السياسية الشمولية التى ترعرعت على رؤية وأعتبار الهيئة كذراع سياسية وأمنية باطشة ومخادعة للرأى العام، كما المكون البشري القديم العامل بالهيئة,
إن وجود جيش هائل من العاملين على قاعدة الولاء والتطبيل السياسي للانظمة السياسية سوف يقابل المشروع بكل صلف وتكبر وجبروت معنوى إكتسبه من مغذيات سياسية سابقة وليست مهنية بأى حال من الأحوال. ولسوف يذهب القسم الأعظم وفي سبيل الحفاظ على الوظيفة الميري الى حيز ومضمار من المساومة بان يعلن تمام إنحيازه للثورة وقيمها زمتطلبات تطوراتها وهو ما لن سيكون تعبيرا نزيها ومهنيا حقاً بل مسلك أقرب الى مسلك اللاعبين المحترفين الذين لن يشترطوا اللعب بقوانين لعب جديدة ولكن بإرتداء شعار النادي الجديد.
الهيئة الجديدة عليها ألا تدفع بهؤلاء إلى الشارع وقطع أرزاقهم ولكن وضع معايير مهنية متظورة وسياسات مهنية منظورة تتفق مع توجهها بتوفير الحوافز المالية و المهنية المطلوبة في التطور والتقدم والمنافسة الامر الذي لن يتحقق إلا بتأسيس الهيئة بمرسوم دستورى خاص يضمن لها طبيعة مالية ومهنية مستقلة.
كنت أحد الذين تم الاتصال بهم قبل تشكيل الحكومة الانتقالية لطرح تصوره عن ماهية الشكل الإداري الذي يجب أن يكون عليه الإعلام والثقافة. كتبت مؤكداً على أن الاعلام والثقافة وفي ظروف الانتقال لا بد من تحريرهما من سلطة النظام السياسي وملكيته وتبعية مساراته.
يعني ذلك ان تبعية الاعلام التاريخية وكذلك الثقافة للحكومات دائما ما تنطوى على شبهة دامغة تتمثل في العلاقة الجينية لهما بالإستبداد عبر حكومات الأحزاب الواحدة، ووجهات النظر غير المنفتحة.
فوزارات الاعلام والثقافة وطيلة التاريخ السياسي التنفيذي الحديث بالعالمين العربي والأفريقي قد ارتبطت بالنظم الشمولية المعبرة عن حاجتها الماسة والقصوى لحليف، بل ذراع يقوم بمؤازرتها واستمالة الجمهور إعلامياً لغايات ومحتويات رسالتها.
يعني ذلك أيضا ان النشاط الاعلامي والثقافي وفي هذه الحالة سوف يخضع للتسيير السياسي والأيديولوجي في غالب الأحيان وهو في ذلك يعمل على غلق المعلومة، واستهداف عقل المتلقي بالغش والاحتيال السياسيين مما لن يساعد على إنتاج سوى متلقي يدمن الحقن بالخداع والمعلومات المضللة التي لا تعين على رؤية حقيقة الأشياء على الواقع . انها وبكلمة اخرى وظيفة انتاج العمى المعرفي والثقافي عبر تصميم خارطة إعلامية تمكر وتسي الظن بقدرات الجمهور .
اكثر من ذلك فان تبعية اجهزة الاعلام للحكومات دائما ما تصف وظيفتها الجوهرية كاحدي خطوط الدفاع الأمني والتأمينية للحكومات.
لذلك كان الاقتراح المقدم في ورقة الاعلام بان يقوم مجلس للإعلام هذه المرة وليس وزارة وقد تقدم به غيرى.
اما الاقتراح الذي سقته للثقافة فكان مشابها بتعديل وإضافة كلمة أعلي لمسمى المجلس.بمعنى ان يقوم المجلس الأعلى للثقافة على مسافة معلومة من الحكومة، ويعمل باليات حرة تستدعي تمثيل كافة الإقاليم الثقافية السودانية و بحيث يتشكل المجلس من ممثلين متنوعين لتلك الأقاليم الثقافية وتذهب رئاسته على نحو دوري متحرك خشية لظهور اي مظهر من مظاهر الانفراد والإستبداد بالراى.
ذهب المقترح المكتوب وقتها لعنوان الحرية والتغيير التي تلقته عبر وزير الثقافة والإعلام الحالي السيد فيصل محمد صالح.
ولكن جاءت المفاجاة المذهلة لكل حادب ومتخصص في المجالين بان شكلت الحكومة بوزارة ضمت الاعلام والثقافة، وجمعت بينهما في نهار من النوايا الغامضة الضارة بهما كطبيعتين مختلفتين قبل كل شى.
لقد تفوقت حكومة ثورتنا الظافرة هنا على الإنقاذ في ان جمعت الثقافة والإعلام معًا وخلقت بالتالي اختناقًا مرورياً مبكرًا في وظيفتهما المؤمل كان ان يصبح كل مجلس فيها لاعبا متقدما في عملية التحول الديمقراطي المنشود.
نسى فلاسفة الإنشاء التنفيذي أن ادخال الحكومة الانتقالية في مبني وزاري يجمع بين الضرتين سيقود الى اشتباك بالأساس بينهما لن يؤدي سوى الى استمرار السياسات البائدة و معاودة كتائب الإنقاذ القديمة في عرض جديد على مسرح حكومة الثورة.
الان قال لقمان كلمته، فماذا سيحدث؟
لقمان احمد القادم بخبرة مهنية من أقوى قلاع الاعلام العالمي المهني يضع العربة في الطريق الصحيح للإذاعة والتلفزيون ولكن قد لا يكون قد إنتبه للارض التي سيلعب عليها ويخوض معركته على مربعاتها بدراسة ومذاكرة جيدة لتضاريس ملعبه.
سوف ينشب الصراع عاجلا ام اجلا بينه وإدارة الوزارة التي وبانعتاق الهيئة من سلطتهما سوف تواجه مصيرا بالغ الحرج، سيقوم في انتزاع الكيان المركزي المبرر لوجودها أصلاً ما سيعرضها لأحوال مناخية متقلبة غاية في الخطورة اذ غالبا ما ستغدو وزارة بلا روح او جسد.
خروج الهيئة من الوزارة سوف يعلن ازالة اجهزة التنفس الاصطناعي منها ويعرضها للموت والذي هو مشهد خلوها من الأعمال والشؤون الإعلامية المحورية الممثلة في الخدمة الإذاعية والتلفزيزنية وطاقم علاقاتها الأخرى امام موت معلن لأجهزة الثقافة ووظيفتها غير المفعلة بسبب خطأ قاتل إرتكبته عقلية التفكير والخلق التنفيذي المتعجلة غير الحكيمة. الهيئة وبقانون إنشائها التاريخي وعبوديتها للحكومات المتعاقبة سوف يكون قرار تحررها صدمة وقبل كل شئ للتصميم الواحد الذي قامت عليه دولة ما بعد الإستقلال دون إجراء تحرير نوعى يلحق بروح مكوناتها نحو الحلول والإختيارات الديمقراطية.. إن مثل هذه العناصر في الرسالة الإعلامية تخلق التنميط والنمطية في الإنتاج المخاطب للراى العام والإقعاد والإلغاء لحرية الابداع ووأد الانطلاقات الخلاقة المنتظرة منه.
الأنظمة السياسية وبعقود من السيطرة على الجهاز الاعلامي شديد الحساسية في علاقته بالرأى العام من إذاعة وتلفزيون، وفي ظروف وأحوال الانفتاح العالمي للمعلومات وثورة التقنيات، تضع نفسها ووظيفتها في مغالطة حادة عندما تعمل بماكينة مضادة للحقيقة والشفافية وتدفق المعلومات تتطلبها المصالح السياسية المتقلبة.
لكل ما سبق ذكره فإن الثورة الإعلامية قدر لا فكاك لنا منه ولا مناص من دفع مستحقاته سوى أن تقدم لقمان أحمد بمشروع لإستقلالية الهيئة أم اتى غيره بذلك المقرر الحميد المفيد للناس والتطور.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.