يتابع العالم كله و بتعاطف شديد ما يحدث مع السود في الولاياتالمتحدة الأميركية أكثر دولة تنادي بالديموقراطية والمساواة بسبب مقتل مواطن أميركي من أصول أفريقية على أيدي رجال شرطة بيض، و دون جريمة تستحق موته سوى أنه أسود البشرة. لكن ماذا عن عنصريتنا في السودان ألا تستحق ثورة؟ كنت قد كتبت قبل أعوام أن ما يحدث من تنميط لمكونات الشعب السوداني وتعزيز للعنصرية هو عمل ممنهج ومدبر من قبل حكومة المؤتمر الوطني سيئة الذكر عبر الإعلام و وسائل أخرى اشتهرت من بينها فرق النكات و التي وجدت رواج كبير دون وعي و انتباه من جمهور المتلقين بينما كانت تدس السم في الدسم عبر تنميط القبائل مثل (شايقي بخيل، رباطابي مسيخ، ....الخ)، ثم انهمكت وسائل إعلام الإنقاذ و فرق نكاتها فيما هو أخطر من ذلك عندما شرعت في دمغ مجموعات قبلية أو إثنية بكاملها بصفات محددة لتوسيع الفجوة بين الناس مثل تمرير رسائل ملغومة تصف أبناء دارفور بالحقد والغدر و تصف أبناء جبال النوبة بالغدر كذلك و اللصوصية حتى تضمن عدم التعاطف معهم كتهيئة لمسرح الذبح ثم تستفرد بهم في أبشع عمليات إبادة حدثت في التاريخ الحديث. السودان بلد متفرد وسبب تفرده ذلك الخليط المتنوع من القبائل التي تجاوز عددها 500 قبيلة لكلٍ منها عادات و تقاليد و فنون تخصها و تميزها، تثري بها السودان الذي ضم كل ذلك الجمال في مليون ميل مربع دون إحساس بغربة أي من تلك القبائل، حيث كان التكوين المتسامح للمدن و القرى و تنقل الموظفين في الخدمة العامة بين تلك المدن و الأرياف يشكل هذا السودان الجميل. أذكر أن أيام الثورة و الأيام الأولى لاعتصام القيادة العامة كانت فترة من الوعي ونبذ العنصرية، حيث كان الجميع يلتفون حول هدف واحد، هو إسقاط النظام من غير أن ينتبه أحد لقبيلة من هم حوله أو من أي إقليمٍ، الجميع كانوا ثواراً فقط، كانوا اول أيام الاعتصام يفترشون الاسفلت ويحتمون ببعض فقط الانتباه للنساء والأطفال في ساعات النوم حتى لا يغدر بهم الكجر في حال حدثت محاولة للفض حيث تقوم جماعات من الثوار بحمايتهم وهم نيام، إلى أن ظهرت الخيم في القيادة كبداية لفرز الأكوام، خيمة الدراميين، خيمة النشكيليين، خيمة أبناء كوستي، خيمة أبناء الجزيرة أبا ...الخ وهكذا عاد كل شخص إلي خيمته حسب حزبه أو منطقته أو فئته المجتمعية . وانفض الاعتصام و عدنا للقبلية والجهوية و الطائفية، عاد كل شخص لخيمته. ألا يمكن ان نتوحد من جديد و بشكل دائم تحت خيمةٍ واحدة بدون الحاجة لثورة جديدة. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.