عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. أدى التأثير المتزايد للقوى الدولية على منطقة القرن الافريقي الى خلق واقع سياسي غير مستقر تعيشه شعوب المنطقة في كافة الجوانب. في البعد السياسي والتنافس بين المكونات السياسية،في المشاكل العرقية والقبلية، في الواقع الامني والظروف الاقتصادية. حيث لا تزال العديد من دول القرن الافريقي تعاني من الاشكالات المصاحبة لفترة الإستعمار سواء على النطاق الداخلي للدول او النطاق الاقليمي، او في إطار التحديات والطموحات التي توظف تعقيدات قضايا المنطقة لمصالحها كما تفعل بعض القوى. ضمن هذا المناخ تحاول بعض الدول التقليل من أثار التدافع الدولي على المنطقة بالحفاظ على مكتسباتها القومية، في حين توظف دول أخرى كاريتريا وجمهورية ارض الصومال ودولة جيبوتي موقعها الاستراتيجي..في منح امتيازات لدول أخرى في إنشاء قواعد عسكرية وهي تحقق من وراء ذلك اهداف متباينة سواء في خلقها لمصادر مالية هي في امس الحاجة اليها كما هو الحال بالنسبة لاريتريا ، او محالاتها لخلق شرعية لا تزال تفتقدها على المستوى الدولي كما هو الحال بالنسبة لصومالاند في حين تعتمد دولة جيبوتي اصلا على موقعها الاستراتيجي كقاعدة عسكرية هامة للنفوذ الفرنسي بشرق افريقيا .كل ذلك مرده التأثير المباشر وغير المباشر للقوى الدولية. ومن المنتظر ان يتبع هذا الواقع الجديد لبعض مفردات المنطقة الى تعقيد إضافي لقضايا الآمن في القرن الافريقي من حيث الأثار المستقبلية للتدخلات الحديثة (الامتيازات) على المدى البعيد. من وجهة اقتصادية بعض دول القرن اتجهت الى توظيف التداعي الدولي في الجوانب الاقتصادية كما يعمل كل من السودان، واثيوبيا. اثيوبيا على وجه الخصوص نجحت في كسب العديد من الدول كالصين،وتركيا الى جانب خططها التنموية. واستطاعت عبر إستثمارات ومساعدات دولية تحقيق طفرة إقتصادية وبنائية للدولة كما ارتفع دخلها القومي ليحقق معدلات عالية لتبلغ متوسط نسبة النمؤ لديها(8.5) لسنوات متتالية.(تقرير البنك الافريقي) في المقدمة التي كتبها سيريل أوبي لكتاب (القرن الإفريقي الصراعات والأمن داخل الدول وبينها- الصادر عن دار بلوتوبرس البريطانية 2013) يشير إلى أنّ القرن الإفريقيّ دائماً ما كان محطّ أنظار وإهتمام الكثير من المفكّرين الاستراتيجيّين والمعلّقين، والقادة، والعلماء، وصنّاع السياسة. بينما يلاحظ البعض أنّ القرن الإفريقيّ من أكثر مناطق إفريقيا المملوءة بالصراعات وعدم الاستقرار، وآخرون لفتوا النظر إلى ظهور بعض التجارب الفريدة في إدارة التنوّع، وصياغة الدولة، والحكم وأشكال الاندماج مع الثقافات، ومناطق النفوذ الخارجيّة، ويبيّن أنّه سواء تمّ النظر إلى الصراعات من داخل الدول أو بين الدول، إلا أنّه يجدر توضيح أنّ غياب السلام في القرن الإفريقيّ له جذور في البعد التاريخيّ المعقّد والطويل، والاقتصاد السياسيّ، وصراعات وعمليات تشكيل الدولة، والتدخّل الدوليّ، والتغيّر البيئيّ، والصراعات على الهويّة ( ) هذه التناقضات التي أشار اليها سيريل أوبي في كتاب (القرن الإفريقي الصراعات والأمن داخل الدول وبينها)،وما تمتلكه دول القرن الافريقي من مختلف انواع المعادن، والمياه الجارية، والاراضي الزراعية الخصبة وهي ثروات ضخمة لاتزال حتي الآن غير مستغلة سواء في الصومال او السودان او اثيوبيا.. فضلا عما يشكله الموقع الجواستراتيجي من أهمية، مجموع ذلك هو الذي يقود المنطقة لما تشهده من تسابق دولي واقليمي، وللتحديات الجمّة التي تعيشها المنطقة وفي مقدمة هذه التحديات الواقع الجديد الذي يشكله سد النهضة الاثيوبي . واقع سد النهضة يقود الى نهضة حقيقية اذا امتلكت دول وادي دول النيل قرارها وبنت إستراتيجية تعاون على المدى الطويل بعيدا عن التدخلات الدولية ،وذلك بتقديم حسن النوايا، وخلق شفافية تنظر للمصالح المحلية ضمن المصلحة الاقليمية، والاقتداء بالتجارب الاوربية التي أخرجت أوربا من العصور الوسطى الى عصور التعاون الاقليمي الذي ادى الى نهضتها. واقع سد النهضة اذا سارت عبره علاقات الدول الثلاثة بعد (معالجة المشروع ضمن الروئ المتباينة والمتوافقة في إخراجه كمشروع اقليمي جماعي المنفعة) ان يقود الى التبني الجماعي للمشاريع الاقليمية في المنطقة باعتباره.تجربة جديدة على الواقع الافريقي. أهم ما يواجه مرحلة التفاوض الحالية بعد توقيع اتفاقية الخرطوم للمبادي (مارس 2015) والتي إعترفت فيها مصر والسودان بحق اثيوبيا في بناء سد النهضة، وبعد ما قطعته مرحلة التفاوض من مراحل، هي الوصول الى حلول تستوعب مخاوف الدول الثلاثة ومصالحها، وفق روح تعاون إقليمي حقيقي للمرحلة القادمة، هذا لايتأتى الا عبر الثقة الجماعية بين الاطراف ، فالنظرة المرتابة غير الشفافة نظرة الشكوك والهواجس لا يمكنها ان تبني واقعا إقليميا معافي، فضلا عن تعاون إقليمي يدفع بالدول الثلاثة نحو المستقبل . - اثيوبيا مطلوب منها إزالة جميع مخاوف الأطراف المتفاوضة (مصر والسودان) عبر توافقات، وتنازلات متبادلة مع تلك الاطراف. على جانب أخر أهم ما ينبغي إستحضاره في وقائع مفاوضات كالتي يشهدها مشروع سد النهضة بين البلدان الثلاثة معرفة التركيبة " الحضارية " للطرف المفاوض ما بعرف ب(انثروبيولوجي ) الانسان، وهو البعد الذي يقرب ويعطي جوانب الحقيقية في تكوين الفرد وبالنسبة لمفاوضات سد النهضة معرفة هذا الجانب جدير بالوصول إلى نتائج مرضية في عوامل الثقة المتبادلة . - اثيوبيا ضمن هذا البعد ذات تاريخ ممتد لآلآف السنين كدولة ذات ثقة في حكامها وما تبرمه من عهود ومواثيق، وما يعكسه إنسانها الحالي في بساطته ورفق تعامله. وهي بقدر ما هو مطلوب منها في إزالة تلك المخاوف التي أشرنا اليها، والمتعلقة بالحقوق الحياتية لشعوب إقليم وادي النيل (مصر ، والسودان)، مطلوب منها وضع لبنة التعاون الاقليمي واقعا حقيقيا في جملة "مشروع سد النهضة" الذي تملك أرضه وتتعاون في مردود فوائده وذلك حتى يكون مشروعا يحتزى على النطاق القاري. - مصر يتطلب منها واقع سد النهضة إعادة سياساتها في المنطقة الاقليمية، وهي ذات بعد حضارى مشهود وذات تاريخ عطاء للدول الافريقية بدء بالسودان مرورا باثيوبيا، والصومال، واريتريا وجميع دول القرن الافريقي، إضافة لأيادي بيضاء في الأوساط الافريقية..مطلوب منها تجديد نظرتها للمنطقة بواقع المصالح المتعددة للدول،وهي يُمكنها في هذه الحيثية ان تقود المنطقة الى آفاق تعاون ونهضة، بالخروج من تجربة سد النهضة الاثيوبي، بروح تعاون إقليمي بناء ينئ عن الأنانية والنظرة الذاتية الى نظرة متجددة في واقع الاقليم الافريقي . دولة اثيوبيا ظلت ما يقارب القرن من الزمان على العهد الحديث متفهمة الحقوق المصرية في المياه ، مما أدى الى تعاون إنعكس حتى على مستويات التبادل الثقافي والديني. كما كانت قبله البعثات الدينية للكنيسة الأورثوذكسية الاثيوبية مرتبطة بمصر مئات السنين، ظل فيها التواصل الديني والحضاري بين البلدين لينعكس ذلك حتى في شرائح مجتمعية ذات أصول مصرية في بعض الاقاليم الاثيوبية. الى جانب ذلك لا يزال الإرتباط الإقليمي موصولا بين البلدين في جوانب علمية وإجتماعية وتعليمية، واقتصادية، وهناك الدور التعليمي الكبير الذي تقوم به مصر عبر جامعة الازهر الشريف، الى جانب مؤسساتها التعليمية المفتوحة الابواب للطلاب الاثيوبيين والافارقة. مفاوضات مشروع سد النهضة رغم ما يواجهها من عثرات يتوقع لها أن تُفضيّ الى نتيجة توافق يحقق الغايات المرجوة للدول الثلاثة، ويعطي مؤشر إنطلاق تعاون إقليمي ينعكس فألا مبشرا للقارة الافريقية في أقاليمها المختلفة.