أكملنا مهمتنا في انديلي شمال افريقيا الوسطى و قررنا العودة الى نيالا، جهزنا الأوراق اللازمة، ليومين لم نجد اي وسيلة مواصلات في طريقنا، قررنا السفر بالمواتر البخارية الى انداها يوم الجمعة ونواصل منها الى ام دخن ثم نيالا، ينعقد سوق انديلي الأسبوعي يوم السبت لنسافر بالعربات المغادرة يوم الأحد، اكملنا تجهيزاتنا يوم الخميس على أن نغادر صباح الجمعة و لكن هيهات، فليس للزمن قيمة ولا مردود، غادرنا عند منتصف النهار، كل واحد منا في موتر بخاري، تصحبنا كمية من الطعام و الماء و المعينات الأخرى، مررنا على عدد من نقاط التفتيش تجاوزناها بلا عقبات، عند الثانية استوقفنا حاجز تفتيش، فيه مجموعة من العساكر، نظروا في اوراقنا، قالوا من أعطاكم هذه الأوراق المروسة الموقعة المختومة غير مخول اصدارها، الأمر واضح بالنسبة لنا، ابتزاز، قلنا ما الحل قالوا نستدعي قائدنأ أستخدموا الموتر الذي نستأجره لإستدعاء رجل يرتدي الزي المدني يدعونه الكولونيل، بعد اسئلة غير منتجة و لا علاقة لها بالأمر قرر تفتيش حقائبنا، عثروا على مبلغ بعملتنا و مبلغ بعملة الفرنك سيفا التي تستخدم في المستعمرات الفرنسية السابقة في وسط و غرب افريقيا، تهلل وجهه و قال نصادر المال، قلنا بأي جريرة، نحن لسنا تجارا و لا لصوصا ولا نحمل بضاعة، قال نصادر ثلث المبلغ، أذعنا للأمر الواقع، فقدنا ساعتين دفعنا ثمنهما غاليا، عاودنا المسير محبطين، غابت الشمس و نحن بعيدون عن محطتنا الأخيرة، حل الظلام الحالك، الأشجار التي تبلغ عشرين مترا، النباتات التي تبلغ اربعة امتار، تجعلنا كالزواحف في الطريق المتعرج، بدأت أشك أننا نسير في الطريق الصحيح، اخبرت السائقين بشكوكي، قائدا الموترين يصران على معرفتهما بالطريق، عند العاشرة ليلا اقتنعنا بأننا تائهون داخل غابة و كل الإحتمالات واردة. قررنا محاولة العودة للطريق، كان شيئا مستحيلا، الظلام جعل الضوء الكاشف للموتر كأنه عقب سيجارة، بسبب تشابك النباتات و اطوال الشجر فقدنا أثرنا واصبحنا تحت رحمة الأشواك و الفروع وسيقان النباتات العنيدة. فجأة و صلنا طريقا سالكا، نظرت في النجوم، تعرفت على بعض النجوم و اهتديت لإتجاه الشرق حيث ينبغي أن نسير، لكن دليلا الرحلة لم يوافقاني على ما عرفت، احتكمنا للمنطق، قلنا نقضي الليل في مكاننا حتى تشرق الشمس و نعرف أي الإتجاهات نسلك. الحياة في الغابة و العشرة مع سكان الغابة أكسبتني بعض المعارف و المهارات، في قاع حقيبتي زجاجتان تقبعان منذ سنوات، لم استخدمهما، الآن حان وقت احتياجهما. في اسفاري السابقة سافرت مع الأشولي سكان شمال يوغندا مرات و مرات، لديهم معرفة في التعامل مع سكان الغابة الآخرين من الحيوانات و الزواحف و الحشرات، يعرفون أن الأسد يحدد ملكية أرضه ببوله، فهو يرش بوله على حدوده فلا يستطيع أي حيوان تجاوز هذه الحدود، كذلك يفعل النمر، يلصق برازه بسقيان الشجر ليحدد أرضه، يغافله الأشولي و يأخذون برازه ويستخدمونه لطرد الضواري و المفترسات من بيوتهم و ماشيتهم و يحملونه في رعيهم فلا تقترب منهم الحيوانات المفترسة، إحدى الزجاجتين فيها براز النمر، الأخرى فيها أوراق نبات تؤثر في الجهاز العصبي للثعابين و السوام، نثرت براز النمر و اوراق النبات حول مرقدنا بمسافة معقولة، رتبنا مواقع نومنا متقاربين بحيث تكون اقدامنا للخارج و رؤوسنا متقاربة، ذلك أن الوحوش تهاجم الإنسان من رأسه، و احتمال هجوم حيوان مفترس أو أصلة تبتلع أحدنا وارد جدا في حال فشل براز النمر أو أوراق الشجر في صدها عنا. صحوت مبكرا على صوت صياح الرعاة، الرعاة على ظهور الخيل، و الضوء يتخلل فروع الشجر مؤذنا بالشروق، ازيز ماكينة عربة تقترب، لوحنا لهم مستفسرين عن المسافات، قالو القرية قريبة، جادوا علينا بالماء و البسكويت، تقبلناها شاكرين، و مضينا، عند العاشرة و صلنا أنداها. من كتاب المنسيون عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.