مدرسة ( ابو زبد ) الوسطي ، الحصة لغة عربية ، الكتاب المقرر ( قطر الندي وبل الصدي ) وهو كتاب يفهمه ويستسيغه طلاب الصف الثالث في السبعينات من القرن الماضي ويكون عصيا علي طلاب الجامعات والمعاهد العليا اليوم . دعاني استاذ المادة لحضور الحصة في اطار برنامج تدريب المعلمين الجدد امثالي . وكانت المفاجاة التي لم تخطر لي علي بال ولم اتوقعها حتي في دنيا الخيال . في مؤخرة الفصل كان هنالك كرسيان احدهما لي والاخر للاستاذ عبد الملك احمد دعاك مختص تدريس اللغة العربية ، وفي المقدمة امام السبورة وقف في ثفة وثبات الطالب اسماعيل عوض الكربم المكلف من قبل استاذه باعطاء درس اليوم لزملائه في الفصل . كنت وانا مذهول اتابع الطالب النابغة وهو يغوص في بحر اللغة المحشو بالدر والعقيق وصوته يعلو ويهبط بمخارج الحروف الصحيحة وجسده يمثل كل كلمة تخرج منه بحركات يعجز عن الاتيان بها الفطاحلة من المعلمين . قلت في نفسي اي مدرسة هذه التي يتبادل فيها الطلاب والاساتذة الادوار ، هل انا في دار الحكمة ام في القيروان ؟ عرفت فيما بعد ان الطالب اسماعيل عوض الكريم قد التحق بجهاز الشرطة ووصل لرتبة اللواء . كانت الداخلية تقسم لمنازل تتنافس في المجال الرياضي والنشاط الادبي والمسرح . كلفتني المدرسة لاكون مشرفا علي احد هذه المنازل وقد اسندت رئاسته للطالب اسماعيل التي كانت تبدو عليه مخائل القيادة بالاضافة الي علمه وادبه الذي لمسناه وهو يدير الحصة بحصافة ربان ماهر . علما بان المعلم تحت التدريب يعجز عن القيام بالدور الذي قام به اسماعيل بكفاءة . الجدول التنظيمي بالمدرسة يحتم علي اي معلم ان يكون استاذا مناوبا مرة في الاسبوع يحضر مبكرا للداخلية وللسفرة ليتاكد ان الطلاب قد تناولوا الشاي ويبدا منذ تلك اللحظة في تدوين ملاحظاته عما دار في ذاك اليوم ليرفعها للادارة بخطاب ضاف . ويتكرر المشهد في الافطار وبقية الوجبات ويلازمهم الاستاذ المشرف حتي جرس النوم ليتاكد ان كل شئ علي مايرام . ولسلامة الطلاب يتذوق الاستاذ المشرف الطعام قبلهم في اطار الحيطة والحذر . من ابطال المسرح كان هنالك طالب متخصص في النكات السياسية الساخرة التي تتهكم علي تنظيمات النميري من شباب وطلائع واشبال وخلافه وكان ايضا احد رؤساء المنازل بالداخلية كان هو وغيره من الرؤساء ايضا مكلفين بكتابة تقرير يومى عن الانشطة المختلفة بمنازلهم وكانت تعجبني كتاباته وكنت اعلق عليها في تقريري بان الرئيس ازهري قال كذا كذا وهذا الطالب ظهر فيما بعد كقيادي بالجبهة الاسلامية والمؤتمر الوطني واسندت له عدة مهام ووزارات منها وزارة التربية انه ازهري التيجاني . وطالب اخر تفنن في مسابقات الالقاء باللغة العربية ، فاز يوما بالجائزة الاولي عن موضوعه المعنون سيجارة وكان متعمدا ينطقها سيكارة ليجعل من المشهد حضورا واثارة وتشويق واصلا هدف الموضوع كان ذم التدخين وتنفير الناس منه . الاستاذ الدرديري الذي كان مدخنا شرها فارق هذه الخصلة غير المحمودة منذ الليلة ديك . هذا الطالب النابغة اتوقعه وقد شق طريقه في دنيا الاعلام وات قعه علي الاقل في ال بي بي سي . نواصل . حمدالنيل فضل المولي عبد الرحمن قرشي . منسوتا امريكا . حر كح عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.