المساجد بيوت الله في الأرض ويشعر من يدخلها بالأمن والسلام، ويجد الناس فيها ما لا يجدونه في غيرها، وهي من أهم ما يحفظ التوازن بين قبضة الطين ونفخة الروح، ولذلك تعظم مهمة خطيب الجمعة خاصة في زماننا هذا، فأداء الخطبة كالمشي في حقل الألغام ، فعلى الخطيب أن يقول الحق الذي عليه جمهور الفقهاء ، وعلى الخطباء أن يلتزموا بتوجيهات الشريعة وإن خالفت أهواءهم أو أهواء قومهم. ولعل من أعظم ما دعا له هذا الدين هو حرب العنصرية بشتى أثوابها وطعومها وروائحها، فهناك عنصرية القبيلة وعنصرية المكان وعنصرية الزمان وكذلك عنصرية الوظيفة وعنصرية اللغة وعنصرية اللون وغير ذلك من ألوان العنصرية، فلا ينبغي للإنسان أن ينجر لواحدة منها ، وقد قال صلى الله عليه وسلم:( "ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من مات على عصبية. (سنن أبي داود) عن جبير بن مطعم (صح). التنوير شرح الجامع الصغير (9/ 283) قال شارح الحديث: (ليس منا من دعا إلى عصبية) دعا إلى اجتماع الناس على إعانة الظالم (أو قاتل على عصبية) العصبية: هي المحاملة والمدافعة (وليس منا من مات على عصبية) قال ابن تيمية: بين هذا الحديث أن من تعصب لطائفة مطلقاً فعل أهل الجاهلية محذور مذموم بخلاف منع الظالم أو إعانة المظلوم من غير عدوان فإنه مستحب بل واجب فلا منافاة بين هذا وبين حديث: "انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً" ، وقال صاحب بذل المجهود في حل سنن أبي داود (13/ 514) ( ليس منا من دعا إلى عصبية) أي جمعهم إليها ليعينوه على الباطل والظلم (وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية) والمراد بالموت عليها بأن تكون مضمرة في قلبه، ومرغوبة عنده، وإن لم يدع أحدًا ولم يقاتل فيها أحدًا. ولما جاء الإسلام جمع كل الناس وتلاشت العصبية والعنصرية إلا لهذا الدين ، وقال في سورة الحجرات) يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)} [الحجرات:13] فتساوى بلال الحبشي وسلمان الفارسي وصهيب الرومي مع عظماء قريش من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبتلك الوحدة وذلك التمازج بين المسلمين دون اعتبار للون أو قبيلة أو غيرها ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم) ساد المسلمون العالم كله . ونحن في بلادنا هذه يخطئ من يدعو إلي عنصرية بأي شكل من أشكالها ؛ لأنها تدمر ولا تعمر ولا تقدم بل تؤخر، ودونكم هذا البلد الأفريقي ( رواندا) إذ تعد البلد الأول في إفريقيا من جميع الجوانب، ولم يحدث ذلك إلا بعد ترك الاعتزاز بالقبيلة والعنصرية والعمل بمبدأ العفو والتسامح فصار الجميع يتعاونون في البناء، ولا سبيل لنا غير ذلك . ولكن ماذا يحدث في بلادنا؟ إنه أمر مؤسف جدا ولا يرضاه الله ولا رسوله ولا العقلاء من الناس، أن تكون الدعوة للعصبية المكانية والقبلية وغيرها من منابر المساجد وخطبة الجمعة خاصة ، فهذه هي الطامة الكبرى والرزية والبلية التي تنسف كل جهد في التنمية والاعمار ، وهي القشة التي تقصم ظهر البعير، وهذا ما حدث في مدينة الفاشر مدينة العلم والنور مدينة القيادة والسيادة فاشر السلطان رحمه الله ، ولو كان السلطان حيا لما قبل هذه الدعوة ولحاسب صاحبها، وبلوغ هذه الدعوة إلي المنابر يدل على تشبع المجتمع بها ؛ لأن خطباء المساجد هم من هذا المجتمع ولكنهم انحرفوا وسينحرف كل المجتمع ويهلك لا محالة ، ورحم الله القائل: بالملح يصلح ما يخشى تغيره*** فكيف بالملح إن حلت به الغير وقال آخر: وكنا نستطب إذا مرضنا*** فصار هلاكنا بيد الطبيب وقال آخر: إلى الماء يسعى من يغص بلقمة*** إلى أين يسعى من يغص بماء؟ فهذا حالنا مع أمثال هذا الخطيب ، ولعله يذكر بما فعله بعض الخطباء في أحد مساجد مدينة طرابلس الليبية عندما دخل المسجد وجده مزدحما بالأفارقة والليبيون خارج المسجد فأمر الأفارقة بالخروج وقال: الوطنيون أولا ، وقد شاهدت بعيني مثل هذا في مطار معيتيقة ونحن نغادر للخرطوم فكان عندما يأتي الليبيون المسافرون يوقف الداخلون ويسمح للوطنيين أولا ثم لغيرهم، وهذا من التخلف والتمييز في غير محله . ولذلك كله ليس من الغريب أن تثور الحروب والنزاعات التي وصلت مستويات متقدمة جدا بفعل مثل هذا الخطيب وغيره ، وما حدث في الجنينة وكبكابية وكاس ، ومحاربة الناس بألوانهم فيقتلون ويذبحون ولا يتعامل معهم مما أضطر الناس لعمل أسواق مجاورة ومنفصلة تماما فلا يقرب عنصر من عنصر بل في بعضها يعاقب من يتعامل مع العنصر الآخر، فلو أن الحكومة سكتت عن هذا في الولايات والأطراف فسينتقل إليها في الخرطوم لا محالة، فأرجو أن تعمل الحكومة على محاربة هذه الأمراض بشتى درجاتها وأرى أن ذلك يشمل ما يلي: إزالة كل مظاهر القبلية في كل الجوانب في المسؤولين وتولية الولايات وغيرها ويشمل أيضا المسموع من الأغاني والمكتوب من الكلام على السيارات والأماكن العامة مثل: عبارة: فوراوية- جعلية- شايقية – رزيقية وغيرها. فمثل هذا الخطيب يجب منعه من الخطابة اسأل الله أن يوحد بلادنا ويهدي ولاة أمورنا لما هو خير د. عبد الحكم عبد الهادي أحمد العجب- جامعة نيالا- كلية التربية. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.