إن ربط العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين من أهم مهام السفارة. في حالات نزاعات أو نشوب حرب اهلية بالدولة المستضيفة من الممكن للسفارة ان تغلق حماية لمصلح دولتها. علينا الا نخلط بين هذا الاجراء واجراء طرد السفير، والذي يعني قطع العلاقات الدبلوماسية بين دولتين ومن ذلك. من مهام السفارة كذلك تأمين خدمات لمواطني دولتها المقيمين بالبلد المستضيف، ومن هذه الخدمات سحب اوراق الحالة المدنية والهوية جوازات سفر، مضامين ولادة، بطاقات هوية..) كما أن للسفارة تنظيم زواج أو تأمين حق التصويت لرعاياها بالدولة المستضيفة مع العلم ان هذا يخضع إلى قوانين البلد المستضيف. كما أن لأي مواطن يشعر بانه غير محمي بالخارج (خارج سفارة بلده) من الممكن أن يتوجه إليها ليلقى الحماية هناك، أو ليسلم نفسه ليلقى القبض عليه من سلطات بلده ليقضي عقوبته بوطنه. ولكن من غير المعقول تصور أن السفارة تمارس التجسس على مواطنيها، وملاحقة مواطنيها الذين لديهم تحفظ لدى نظام الحكم في الوطن الأصل، واعتبار أي مواطن عدو مفترض للوطن الأصل. (1) كنا في زيارة لجنوب السودان في نهاية عام 1972،وكانت مناسبة الدراسة هي دراسة أحوال العائدين الاسكانية والتخطيطية، وتعديل متطور في تصميم القطية التقليدي ،بعد اتفاقية أديس بابا مارس 1972 ،مع قادة التمرد بقيادة جوزيف لاقو. وقبل الزيارة طُرحت فكرة أن نواصل الزيارة لتشمل جامعة ماكريري بيوغندا،وتمت اتصالات مع بعض الاصدقاء ممن يعملون بوزارة الخارجية، لتسهيل الاتصالات بسفارتنا بأوغندا، وتسهيل مهمة اقامتنا، بسكن طلاب الجامعة. سهّلت لنا القوات المسلحة عملية التنقل بالطائرة ،من الخرطوم الي جوبا والعكس. أتممنا تجولنا بجوبا وشرق وغرب الاستوائية، وبعدها انطلقنا بالبر من جوبا إلى نمولي. قضينا يوما بمدينة نمولي، ومنها بالبر الي مدينة قولو، وقضينا بها يومين ،وانتقلنا إلى كمبالا، التي وصلناها بسيارة سودانية. (2) عندما وصلنا مدينة كمبالا، واقمنا بسكن الطلاب بجامعة مكريري، وجهت لنا السفارة دعوة حفل كوكتيل بمنزل السفير وقتها اللواء متقاعد محمد عبد القادر عمر، وهو قد كان قبل تعيينه سفير السودان بأوغندا كان رئيس أركان الجيش، وقد دعا النميري الأركان بدون دعوة رئيسها، وبعدها جلس في منزله وأقسم ألا يلبس كاكي في حياته . وبوساطة قبل بتعيينه سفيرا بأوغندا. وحضر الدبلوماسي عمر يوسف، هو من سهل لنا هذه الزيارة، بحضور أعضاء السفارة والملحق العسكري، وكانت اول ملاحظة هي وجود بار بالبيت، يحتوي علي كل أنواع البيرة والويسكي والكونياك،ولم نكن نحن كطلاب قد راينا هذه الأنواع من قبل. لاحظت ونحن طلاب جامعة دخلنا في عقر دار الحكومة في نقاش حول نظام نميري، ووجهنا نقدا له، ومعظمنا لا يعلم بأنهم في معيّة كل أجهزة التخابر والتجسس. أول مرة أعرف أن مهمة الملحق العسكري هي استخباراتية، ومعه بمكتبه جندي وكاتب، وأن بالسفارة قنصل مهمته أمنية ومعه أفراد يساعدونه في هذه المهمة!. ومن الغريب أن السفير الذي دعانا في منزله هو لواء عسكري سابق ولا يشرب، بل كان يشرب ميراندا!. عاد محمد عبد القادر عمر بعد مهمته سفيرا، ليعينه نميري واليا علي ولاية كسلا، وقام بإعلان الشريعة بالولاية، قبل أن يفكر فيها النميري بسنوات!. (3) كانت المناسبة الثانية أن أزور رومانيا عام 1980، وكانت الأولى عام 1974. وكان لابد لي من الحصول علي تأشيرة للمرور ببلغاريا عائدا الي اليونان، وكانت السفارة السودانية قد عممت علي السفارات أن لا تمنح تأشيرة الي أي سوداني، إلا بعد الحصول علي موافقة السفارة السودانية، كنوع من الضغط علي الأنشطة الطلابية المناوئة لسلطة مايو25. وهنا عرفت أن السفارة لهما مهام أمنية أكثر من دورها الدبلوماسي المنوط بها. (4) المناسبة الثالثة كانت زيارة أديس ابابا عام 1985، واكتشفت أن جلّ موظفي السفارة هم موظفين أمنيين، وهناك مكتب للملحق العسكري. مع ذلك عندما استجوبتهم المحكمة، رجل الأمن عثمان السيد، والفاتح عروة، انكروا علمهم بعملية الفلاشا. (5) ظللت في مهاجر الغربة أكثر من 40 عاما، ووصلت لقناعة أننا كدولة فاشلة، لم نقوِّم أمرنا في دور سفاراتنا، وهي متضخمة عددا مع قلة كفاءة، ومعرفة لا بالعمل الدبلوماسي، ولا بالمهام الاستخباراتية المناطة بهم. كل ما تقوم به هذه السفارات هي تدبيج وفبركة تقارير عن المقيمين، وعن انشطتهم الثقافية وغيرها. ولو تحدثنا عن الخدمات القنصلية، فحدث ولا حرج، ورقم التحولات في عالم التكنولوجيا، فجيش العاطلين بهذه السفارات، هو إهدار امكانيات بلد فقير. (6) توهمت الدولة أنها يمكن أن تخلق أنشطة اقتصادية، فعينت ملحق اقتصادي بكل سفارة، لم يقوموا باي دور في خلق أي علاقات تجارية مع هذه البلدان. وإضافة إلى ذلك لم تخجل الحكومة الانتقالية، عندما أعلنت تعيين سفير في منصب "مفوض معرض اكسبو دبي"،علما بأن مشاركة السودان في كل المعارض لم تخلق أي علاقة اقتصادية مفيدة للبلد. (7) في زمن الانقاذ، تم خلق سفارات وقنصليات جديدة، ترضية لأقرباء نافذي النظام، وكان أن خلقت قنصلية دبي، ليأتي شاور قنصلا، لترضية مجذوب الخليفة، ففي السنوات الطويلة التي قضاها، كان كل همه، أن يخلق صراعات بين أفراد الجالية ترضية لأزلام النظام، فكانت السفارة في زمنه كانها غير موجودة. لم يقم الحال عليه فمن جاء بالسفارة سفيرا كان أسوا منه، وكانت التقارير المفبركة من السفير أحمد يوسف وقنصله الطريفي ،من كوارث النظام السابق علي الجالية. (8) خلال العشرة سنوات الاخيرة، كنت ازور السودان حوالي أربع مرات في العام، وفوجئت في أبريل 2018، أن تمت مصادرة جواز سفري بمطار الخرطوم، بحجة انني غائب عن السودان لسنوات طويلة، وطلب مني الحضور الي مكاتب بحري، والشخص الذي سحب جوازي كتبني تعهد بالحضور، وأعطاني رقم هاتفه. ذهبت اليوم لمباني الأمن بموقف شندي ببحري، وانا اتصل بالشخص وهاتفته ولم يرد، وتجولت بين المباني الأربع، لا أعرف أيهم أسال عن جوازي، فعرف الموظف أن أمري سيكون في مكتب الأمن السياسي، وتم التحري معي وعن سيرتي الذاتية منذ الطفولة وحتي اللحظة. بعد انتهاء المقابلة طلبت استعاده الجواز، فقالوا لي أن الأمر سيرفع لجهة أعلي. وأن علي الاتصال في اليوم التالي. وعند اتصالي في اليوم التالي، ولم يزل أمري معلقا. وجدت طريقة في أن أستلم جوازي، بعد أن اتصلوا بي وتركوه لي بالاستقبال. عرفت من الاسئلة أن لي نشاط ثقافي مضاد للسلطة، وهي طبعا فرية صنعها رجال السفارة. (9) بعد قيام الحكومة الانتقالية، سالت نفسي: هل سيتغير الحال في هذه السفارات؟، وبيني وبين نفسي، قلت الحال هو، وسيظل كذلك، لأن التغيير لم يطال هؤلاء العاطلين، وهي مصاريف لا داعي لها، في بلد يحتاج لأي أموال لحلحلة مشاكله!. يوسف محمد إدريس عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. 8 أغسطس 2020