لدى مناقشة الاوضاع الراهنة فى وطننا السودان .. وجب علينا ان نكتب النهاية قبل البداية و ان نقدم الخبر على المبتدا و ان نضع النقطة فى اول السطر بدلا من اخره .. فكل حياتنا العامة بالتحديد تسير بالشقلوب و تمشى فى الاتجاه المعاكس و تنحدر من سئ الى اسوا و اصبحنا نبحث عن النجاح فى خرائط الفشل .. ؟؟ فلسنا بحاجة الى محطات انذار مبكر او الى جلب عيون زرقاء اليمامة لتخبرنا عن الشجر الذى يسير فى الخرطوم او لاحضار علماء المستقبل لنعرف ان بلادنا تغوص فى مستنقع المصاعب ثلاثية الابعاد السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية شديدة التداخل و التفاعل و المفتوحة على كل الجبهات و على افدح المصائب و التى لن ينفع معها اسلوب ( طنش ) او اى نوع من حلول المسكنات او المهدئات .. ؟؟ نحن امام محنة وطن بالدرجة الاولى .. وطن نجح بامتياز فى تجاوز كارثة الربيع العربى بفضل الوعى الشعبى .. بل وقام بتصحيح مسارات الربيع العربى و انتكاساته بفضل وعى الشعب السودانى .. ذلك الوعى الذى كان السبب فى صون وحدته و امنه السلمى .. و الامل فى من تولى الحكم اليوم من جماعة الحرية و التغيير ان يستثمر هذا الوعى المجتمعى من حيث ضخ دماء جديدة فى شرايين الدولة السودانية و العمل على دفع المسيرة الديمقراطية قدما بوصفها صمام الامان و العمل على ايجاد حلول نوعية و ابداعية من خيال هذا الشعب المعطاء لكل المشاكل الاقتصادية و المالية التى تاخذ بخناق البلاد و العباد فى السودان و ذلك بعيدا عن وصفات صندوق النكد الدولى ..؟؟ منذ انقلاب الانقاذ المشؤوم عام1989 و بلادنا تشهد ارتفاعا فلكيا فى ارقام المديونية و ذلك لان اقتصادى الانقاذ كانوا يداوون بالتى كانت هى الداء و ذلك بالاعتماد على وصفات الصندوق اياه اعتمادا على جيب المواطن السودانى المثقوب اصلا و اصبحنا نجوب العالم شرقا و غربا بحثا عن معونة او قرض او اكراميات مذلة .. و لا شئ اخر .. ؟؟ كل اولئك الذين اتت بهم سنوات الانقاذ من جهابذة الاخوان المسلمين فى الاقتصاد و المال ابتداءا من حمدى و انتهاءا بهذا الاخير زمانه معنز موسى لا يعتبرون اكثر من مجموعة مهنية او فنية لا علاقة لها بالاقتصاد و عبارة عن تقليديين يجيدون التلاعب بالارقام و معالجة المشاكل بالتقسيط و توفير الحلول بطريقة ( الرقعة ) و تاجيل المشاكل و ترحيلها للقادم فمثل هؤلاءكانوا يفتقرون الى الفكر الاقتصادى الخلاق و الروح الريادية و الابتكارية الجريئة و الخيال التنموى لبلد مثل السودان زاخر بالامكانيات البشرية و المادية مثلنا مثل ماليزيا و سنغافورة و الهند و البرازيل و جنوب افريقيا الذين بدؤا معنا و بعضهم مثل جنوب افريقيا بعدنا و لكنهم تجاوزونا بمراحل عديدة .. ؟؟ بعد تلك السنين العجاف التى مضت و تلك التجارب الاقتصادية الفاشلة و الاخفاقات المتكررة بعد اجازة كل ميزانية يتعين على حكومة الثورة بقيادة حمدوك و الماسكة بزمام الامور الاعتراف بان ازمتنا ليست ازمة اقتصادية فقط و تتعلق بنقص الاموال و شح الموارد بقدر ما هى ازمة ضمير و اخلاق و ضعف وازع دينى و وطنى و نفاق سياسى و ضخامة فى الانفاق الحكومى على المسؤلين الذين غابت عنهم روح التضحية و ايثار الذات و انعدام ثقافة العمل و العرق و الانتاج و الاعتماد على النفس .. ؟؟ الاقتصاد السودانى بحاجة الى مراجعة عاجلة و اعادة نظر بل الى ثورة بيضاء فى المفاهيم و المعايير و المقاييس و العادات .. فلكى تغير لا بد ان تتغير .. لا بد لمن تولوا الحكم فى الوطن اليوم من المصارحة و المكاشفة و وضع النقاط على الحروف .. لماذا لا تجرب ترشيد الانفاق و الاستهلاك لدى المسؤلين قبل المواطنين و ترسيخ ثقافة الزهد و التقشف و البعد عن الفخفخة و البذخ و البهرجة التى كنا نراها ايام العهد البائد حتى لدى زياة والى لقرية فى ولايته من استقبال و تعطيل للعمل و كانه قادم من كوكب اخر و ليس هذا من صميم عمله .. بل ويجب ربط الراتب بالواجب و الامتياز بالانجاز و حجم النفقات بطبيعة الاعباء و المهمات .. ؟؟ ثم اين رجال الاعمال الوطنيين و ما هو دورهم فى النهوض بالواجب الوطنى فى البذل و العطاء و نفع البلاد و العباد اسوة بامثالهم من الاغنياء الاجانب و الذين اعتادوا متطوعين لا مكرهين على التبرع باموال هائلة من حر مالهم لحساب الاعمال الخيرية و الانسانية و انشاء مراكز بحوث طبية و اكاديمية .. ؟؟ لماذ لا يقومون باقامة مشاريع تنموية و استثمارية ( رحيمة ) الهدف منها خدمة المصلحة العامة و ليس الخاصة و رفع مستوى الانتاجية و مكافحة البطالة بين الشباب و ليس ممارسة الاستغلال و مراكمة الارباح و تحويلها الى الخارج بعد ان جمعوها من الداخل كما كان يحدث يوما .. ؟؟ و توسيع قاعدة الثروة و توزيعها بين الناس و ليس تكديسها لديهم فقط .. ؟؟ لا حل للمشاكل الاقتصادية الا بالنهوض بالواجب الاخلاقى اولا ثم من بعده بالواجب الوظيفى .. و ان يفكروا بعيدا عن حلول الصندوق اياه .. ذلك الصندوق الذى يلعنه السودانيين جهارا نهارا .. ؟؟ و ان يصدقوا مع انفسهم و مع برامجهم التى وعدوا الوطن و الشعب السودانى و عاهدوه عليها فعلا لا قولا .. و ان يقتنعوا بان المنصب او الوظيفة العامة تكليف لا تشريف .. و عندها سوف يكتشفون باندهاش كبير ان المستحيل قد سقط فى قبضة الممكن و ان الحلم قد تحول الى حقيقة واقعية ملموسة .. ؟؟ كل عام نحتفل بذكرى استقلالنا .. لكنه يبقى استقلالا ناقصا فى غياب الاكتفاء الذاتى .. و الامتلاء الاقتصادى .. و الاستغناء عن الدين و انتظار الدعم الاقتصادى القادمين من من الشرق و من وراء البحار .. ؟؟ حمد مدنى حمد عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.