في كل عواصم العالم تسارع الحكومات ليلا ونهارا للظهور بالمظهر اللائق والجميل بل والأخاذ إن وُجد إلا عواصم قليلة جدا حول المعمورة وللأسف الخرطوم العاصمة إحدى تلك المدن الموغلة في الفوضى والأوساخ والذباب والبعوض الذي أصبح لا يرى حرجاً في الظهور نهارا . الإهمال الواضح هو السمة الغالبة في المظهر العام لكل عينٍ زائرةٍ للخرطوم صيفا أو شتاءً ربيعاً أو خريف، وما أسوأ الخرطوم في الخريف وما أقذرها وما أظلمها وما أجوعها إن صح التعبير. والمفارقة المبكية والمضحكة أن الخرطوم ترقد على نهرين طبيعيين وموقع استراتيجي فريد ومتفرد لا يوجد ابداً في أي عاصمة أخرى فقط يحتاج للمسات جمال من أنامل مبدعة لتصبح الخرطوم إحدى جنان الأرض. الخرطوم عاصمة لدولة تحررت من المستعمر البريطاني عام 56 أي أنها حرة ابية لا شريك لها لمدة أربعة وستون عاما كاملة ولكنها لم تتقدم خطوة واحدة للأمام لا من حيث البنى التحتية ولا الإقتصاد ولا التعليم ولا حتى أم المصائب التي تسمى بالسياسة من يضع رجله على سلم الطائرة للنزول في تلك العاصمة الشرهة لاستكمال إجراءات الدخول يشعر بالحسرة داخل المطار الذي أشبه ما يكون بالمخزن التجاري لشركة خاصة منه إلى المطار الذي يمثل وجه الدولة وشرفها وهامتها ، فالمطار مقارنة بإسمه ( مطار الخرطوم الدولي ) ليس مطاراً وليس فيه من الدولية شيء اللهم إلا الاسم وخاصة في موسم الأمطار فالمياه الراكدة تغطي حتى مدرج الطائرات مما يوحي بعدم وجود مصارف للمياه ، ليس في مطار الخرطوم مقاعد لا لكبار السن ولا حتى للأطفال ناهيك عن المسافرين المرهقين وليس في مطار الخرطوم الدولي دورات مياه بارزة المعالم كما في بقية أنحاء العالم وأيضا ليس هناك خدمات مُرضية للمعاقين والمرضى فكيف تطلقون عليه مطاراً دولياً ؟ وما أن تخرج من المطار الذي ليس فيه أدنى وسائل الراحة للمسافر حتى تصطدم بهم الوصول إلى مقصدك في العاصمة ، فالطرق مليئة بالحفر وإشارات المرور البائسة والمتكئة والمائلة والتي يعمل بعضها ولا يعمل البعض الآخر هي السمة السائدة للطرقات ويكمل لك بؤس المشهد سائق السيارة التي استأجرتها بالشكوى من الغلاء والندرة في الوقود ( يعني يعمل ليك غسيل مخ وغسيل نفسي ) ليبرر لك المبلغ الذي طلبه أو الزيادة التي يتمناها عندما يعلم بصورة أو بأخرى من خلال حديثك معه أنك قادم من دولة ٍ دولارية. كل شيء في الخرطوم يوحي بالانهيار والتردي الخدمي يصدمك في كل خطوة تخطوها داخل العاصمة المثلثة البائسة مع الارتفاع الجنوني الغير مبرر أصلا لكل شيء ، فالخرطوم عاصمة مكشوفة تبتلع كل شيء ولا تشبع ابداً لسوء التخطيط فيها وعدم المواكبة وقصر نظر من يتقلد مقاليد الحكم فيها ، فكل شيء موجود في العاصمة ولكن ليس موجوداً تماماً فهناك نصف كهرباء في اليوم ونصف وقود ونصف غاز وربع رغيف وربع لحمة وربع علاج وربع دواء !! وحتى البني آدم في الخرطوم فربع حي أو نصف ميت والغريب حقا في تلك العاصمة اللاهثة ابداً هو تلك الاسعار المتزايدة على مدار الساعة بدءً باصحاب الركشات ومروراً بالإيجارات ومتطلبات الحياة اليومية والضرورية وانتهاءً بسيارات الأجرة . الناس في الخرطوم حالها وحده يشكي بل يجأر بالشكوى من الجوع والمرض والمسغبة ولكن لا حياة لمن تنادي حتى أصبحت تلك العاصمة السودانية مكاناً غير لائق البتة للعيش الكريم فقد فاقت الخرطوم مناطق الشدة في الولايات بكل ما تحمل الكلمة من معنى ، فيا حكام السودان الجدد قوموا بواجباتكم تجاه هذا الشعب ووفروا له حياة كريمة وإلا تنحوا إذا لم تجدوا في أنفسكم الكفاءة المطلوبة لإخراج السودان وأهله من هذه الهوة السحيقة والتدهور المريع في كل المرافق هناك أولويات للمواطن فابدأوا بها حتى لا ينفجر الوضع أكثر فأرواح الناس قد بلغت الحلقوم . أخيراً رسالة للمواطن في العاصمة وبقية الوطن وخاصة فئة الشباب التي يعول عليها كثيرا واجبكم حتمي للنهوض بعاصمة بلادكم وبقية الولايات خطوتكم الأولى هي النظافة يجب أن تسود هذه الثقافة في البلد على الجميع ثقوا في مقدراتكم ستنجحون حيث فشل السابقون. عبدالماجد موسى/ الخرطوم 2020/8/21 عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.