سوق الابيض يصدر اكثر من عشرين الف طنا من المحاصيل    الأكاديمية خطوة في الطريق الصحيح    شاهد بالصورة.. المذيعة السودانية الحسناء فاطمة كباشي تلفت أنظار المتابعين وتخطف الأضواء بإطلالة مثيرة ب"البنطلون" المحذق    شاهد بالصور.. الفنانة مروة الدولية تكتسح "الترند" بلقطات رومانسية مع زوجها الضابط الشاب وساخرون: (دي اسمها لمن القطر يفوتك وتشتري القطر بقروشك)    شاهد بالصورة.. زواج الفنانة الشهيرة مروة الدولية من ضابط شاب يقيم بالقاهرة يشعل مواقع التواصل السودانية    شاهد بالصورة.. زواج الفنانة الشهيرة مروة الدولية من ضابط شاب يقيم بالقاهرة يشعل مواقع التواصل السودانية    القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح: بدأت قواتكم المشتركة الباسلة لحركات الكفاح المسلح بجانب القوات المسلحة معركة حاسمة لتحرير مصفاة الجيلي    مصطفى بكري يكشف مفاجآت التعديل الوزاري الجديد 2024.. هؤلاء مرشحون للرحيل!    شاهد مجندات بالحركات المسلحة الداعمة للجيش في الخطوط الأمامية للدفاع عن مدينة الفاشر    إجتماع مهم للإتحاد السوداني مع الكاف بخصوص إيقاف الرخص الإفريقية للمدربين السودانيين    وزير الصحة: فرق التحصين استطاعت ايصال ادوية لدارفور تكفى لشهرين    وكيل الحكم الاتحادى يشيد بتجربةمحلية بحرى في خدمة المواطنين    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    ضربة موجعة لمليشيا التمرد داخل معسكر كشلنقو جنوب مدينة نيالا    مدير مستشفي الشرطة دنقلا يلتقي وزير الصحة المكلف بالولاية الشمالية        ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تعليق على مقال الدكتور عبد الله علي إبراهيم الذي بعنوان: منظمة الدعوة الاسلامية .. ولماذا كُنّا دولة مقرها أصلا .. بقلم: بروفسير عبدالله حسن زروق
نشر في سودانيل يوم 27 - 08 - 2020


بسم الله الرحمن الرحيم
الحلقة الأولي
فيما يلي المحاور التي سيتناولها التعليق:
1- مقدمة
2- طبيعة المستهدفين بالدعوة
3- اتهام الأفارقة بالوثنية
4- دعوة الجماعات الأفريقية غير المساكنة
5- تقليد منظمة الدعوة للتبشير المسيحي
6- دولة الإنقاذ يحكمها كادر منظمة الدعوة الإسلامية
7- الفكر الغربي والتعددية: الديمقراطية والمواطنة والعلمانية
8- دكتور عبدالله علي إبراهيم ومشكلة الحكم في السودان: مجتمع متعدد الثقافات
9- مشكلة الحكم في السودان: بلد متعدد الثقافات
10- مشكلة الحكم حالياً في السودان
11- الهدف من إنشاء دولة الإنقاذ هو الجهاد والتبشير
12- منظمة الدعوة الإسلامية تعمل للدعوة بالوكالة
13- مفهوم الدعوة من منظور إسلامي:
أ‌- فضلها.
ب‌- وجوبها الديني والأخلاقي.
ت‌- شروط ممارستها واسلوبها وآدابها
ث‌- طبيعة المستهدفين بالدعوة.
ج‌- اشتغال الحاكم بالدعوة، وانعكاسات ذلك على مقولات دكتور عبد الله علي إبراهيم عن الدعاة والرعاة.
14- الخلاصة
1- مقدمة
مقال دكتور عبد الله علي إبراهيم في رأي المعلق كُتب ليتناول مشكلة الحكم في السودان قبل انفصال الجنوب. لكن المعلق سيتناول بجانب ما تناوله د. عبد الله مشكلة الحكم الحالية في السودان، كما سيتناول قضية الدعوة من حيث هي دعوة دون ملابستها بممارسة منظمة الدعوة الإسلامية. المعلق يرى أن الحديث عن ممارسة منظمة الدعوة الاسلامية من المناسب أن يتناوله من قاموا بإدارتها أو شاركوا في تلك الإدارة.
ليس الغرض من هذه المقالات هو التعليق على ما ورد في مقال الدكتور فقط، ولكن المعلق وجدها فرصة ليبين بعض معاني الدين وبعض القضايا السياسية التي لها صلة بما قاله دكتور عبد الله والتي يعتبرها هامة بما تيسر له من معرفة.
من هذه القضايا: هل يجوز دعوة آخرين لدين أو عقيدة أو نظام حياة؟
وإذا جاز ذلك ما هي الشروط التي ينبغي أن تتوفر في الدعوة حتى يسمح بممارستها؟
ومن القضايا السياسية العامة التي تقلق المفكرين والسياسيين هي:
كيف يُحكم مجتمع متعدد الثقافات؟ وهل من حل لمشكلة الحكم الراهنة في السودان بعد انفصال الجنوب.
بهذا يود المعلق أن يوسع من مغزى مناقشة مقال دكتور عبد الله بالرغم ما للمقال من مغزى في ذاته.
يعتبر المُعلق أن حديث دكتور عبدالله عن الفرضيات: الفراغ العقدي والوثنية غير دقيق. بجانب هذا له مقولات غير صحيحة كقوله أن حكومة الإنقاذ يحكمها كادر منظمة الدعوة الإسلامية، وهناك مقولات مبالغ فيها كوصفه منظمة الدعوة الإسلامية بأنها بعثة تبشيرية خارجية، وأيضاً قوله أن دولة الإنقاذ قامت بها بهدف الجهاد والتبشير.
ثم يتناول المُعلق القضية الأساس التي تناولها دكتور عبدالله وهي كيفية التعامل مع بناء مجتمع متعدد الثقافات، وأيضاً استخدام الكاتب مفاهيم تحليلية كمفهوم الدعاة والرعاة والذي لم يكن فيه موفقاُ. لبيان ذلك فسوف يوضح المُعلق مفهوم الدعوة من منظور إسلامي.
2- طبيعة المستهدفين بالدعوة:
قال الدكتور عبدالله أن الجماعة الإسلامية تعتبر أن المستهدفين بالدعوة من الإفريقيين لا ثقافة ولا دين لهم وأنهم خالين من العقيدة.
أقول إن الذي يود كسب من يستهدف قد يبدأ بتصنيف المستهدفين:
فقد يعتبر البعض أنه من المفيد أن يستهدف من يسهل كسبه ولا يتطلب ذلك الكسب جهداً كبيراً، وقد يرى أنه ينبغي أن يستهدف من كسبه قد يؤدي إلى نفع كبير، وقد يرى أن من واجبه أن يستهدف كل إنسان لأن من حق كل فرد أن يصل إليه خير الدعوة، وقد يرى من هو خال من العقيدة أفضل من غيره للاستهداف لأن بعض العقائد تشوش على ذهن صاحبها وتجعله عصى على الاستجابة، فالمتلبس بها كأنما تلبسه مرض يعوقه من تقبل ما هو نافع، فهو كالمريض الذي يرفض الأكل والشرب، فالشخص الذي على فطرته كالشخص المعافى من المرض القابل أن يستجيب لدعوة الحق والخير.
تجدر الإشارة الى أن بعض المفكرين الأفريقيين لا يقبلون وصف الغربيين للأفريقيين بالبدائيين لأنه في اعتقادهم أن الوصف يتضمن الذم، ويقولون إن عقلانية الغرب لم توصل الغرب إلى حياة خيرة مرضية. والأمثلة على الأفكار والمعتقدات والنظريات الفاسدة التي تتلبس بذهن الانسان لا حصر لها. وقد لا يظهر فسادها وعقمها وقت اعتقادها. ومن أمثلة النظريات الفاسدة الخاطئة التي سيطرت على كثير من العقول الوضعية المنطقية والماركسية.
فالوضعية في القرن الماضي الى منتصفه كانت مسيطرة على الساحة الفلسفية ولا تكاد تنافسها نظرية. وما يقال عن الوضعية يمكن أن يقال على نظريات اخرى. قال استيورت هامشير عن نظرية المنفعة العامة التي احتفى بها الكثيرون وما زال البعض يحتفي بها: إن كثيراً من الاغتيالات ارتكبت ببرود وشنت الحروب المدمرة لأنها تعتبر في نظر فاعليها أعمالاً تؤدي إلى نفع الانسانية. وقال: "لقد استخدم السياسيون والبرلمانيون مبدأ الربح والخسارة لتبرير الدمار الذي يقومون به. إن العقلية النفعية أنتجت نوعاً جديداً من القسوة في السياسة. إن التفكير الكمي الميكانيكي أدى إلى تدمير كيانات اجتماعية وحضارات كثيرة".
من ناحية أخرى قد يستهدف الداعية المفكر والعالم، لأن العالم الحق يستجيب للحجة ويذعن للحق (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) وقد يستهدف الداعية رموز المجتمع الفكرية وقادته، لأنه اذا كسب هؤلاء، والقوم تبعاً لهم سيكسب القوم. وقد يكون الرموز متمنِّعين وأصعب استجابة، وقد يكون سبب التمنع أنهم سيفقدون مكانتهم ومصالحهم. قال فرعون: (آمنتم به قبل أن آذن لكم؟)
وأيضاً: (قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَاد)
فالاعتبارات كثيرة والتقديرات قد تكون مختلفة والدوافع والآراء متعددة ومنها قوله اللهم انصر الاسلام بإحدى العمرين، وهل تنصرون إلا بضعفائكم؟، وقوله تعالى (عبس وتولّي، أن جاءه الأعمى، وما يدريك لعلّه يزكّى؟)
ونقول في نهاية الحديث عن هذه القضية: قد يكون اعتبار قوم خالين من العقيدة مدحاً وليس ذمّاً لهم. وتجدر الإشارة إلى أن قول الدكتور عبد الله إن كل تبشير (لاحظ قوله كل تبشير) يفترض أن المستهدفين لا دين لهم ولا ثقافة تعميم خاطئ، فإن جاز فقد يجوز في حق البعض، إذ ليس بالضرورة أن يستهدف الداعية من لا دين ولا ثقافة لهم . فإن الواقع يكذب قوله هذا لأن دعاة الاسلام يدعون الأوربيين والأمريكان وغيرهم للإسلام، ومنهم مسيحيون ومنهم غير مؤمنين بدين. وهؤلاء لهم عقائد يؤمنون بها وينافحون عنها.
3- اتهام الأفارقة بالوثنية:
قال دكتور عبد الله: إن الدعاة الإسلاميين يتهمون المستهدفين الأفريقيين بالوثنية. قد يفهم من إنكاره قولهم هذا أنه توصيف غير صحيح للديانات الافريقية. وقد يفهم منه، وعندي أن الأرجح، أن وصف دينهم بالوثنية تقليل لقيمة معتقدهم، لأن قيمة الوثنية كمعتقد متدنية في سلم رقي الاديان والمعتقدات، وهو ما لا ينسجم مع رؤية الدكتور الكلية.
وتجدر الإشارة إلى أنه ليس هناك اتفاق بين الدارسين حول طبيعة الأديان الإفريقية والراجح عندي هو أنها أقرب إلى الوثنية، وأنها ليست توحيدية تجريدية، أو من الصعب وصفها بذلك. يعتبر بعض الدارسين أنها أديان روحية(animism) وتعني الاعتقاد في أن كل الأشياء لها أرواح. وهناك من وصفها بالفشتية (fetishism) وهذه النظرية تعتبر أن للأشياء قوة سحرية ومن قال بالطاوية (Taoism) التي ترجع الاشياء المقدسة إلى أرواح الأسلاف.
ومنهم من قال بوجود كائن أعلى وأسمى، ولكن هذا الكائن ليس متميزاً تماماً عن الموجودات المقدسة الأخرى لأنها تشارك هذا الكائن الأسمى صفة الخلق ولأنها تعبد. وأيضاً من قال بوحدة الوجود.
هذه الأقوال تجعل الديانات الأفريقية أقرب للوثنية، ومختلفة عن دين توحيدي كالإسلام. وعلى أية حال نقول إن الإفريقيين يجوز دعوتهم للإسلام بصرف النظر عن طبيعة دينهم، بل إن دعوتهم واجبة أخلاقياً ودينياً. ما يمنع دعوتهم أو يجعلها غير ذات جدوى إذا صح القول بنسبية الحقائق والقيم . وإذا صحت النسبية سيصح عدم تفاضل المعتقدات ونظم الحياة وذلك من حيث حسنها وجمالها وموافقتها للحق، ولكن الأشياء في الحقيقة تتفاضل من حيث الحسن والخيرية والجمال ومن حيث الصحة والبطلان.
4- دعوة الجماعات الافريقية غير المساكنة
دعوة الجماعات الإفريقية غير المساكنة- هل من مشكل؟
لم يميز دكتور عبد الله بين دعوة الجماعات المساكنة في السودان والجماعات الإفريقية غير المساكنة في البلدان الإفريقية الأخرى. إنه من رأي المعلق ليست هناك مشكلة بالنسبة للدعوة خارج السودان ذات بال. إلا أن يكون رأي دكتور عبد الله أنه لا يسمح بالدعوة في ذاتها وتحت كل الظروف. هذا الرأي تم دحضه فيما سبق من حديث. إن الدعوة خارج السودان تكون مشروعة إذا سمحت الدولة المستهدفة بنشاطها. إن السماح لمنظمة بالعمل في دولة ما تقع مسؤوليته على الدولة المستهدفة.
وعموماً الأعراف الدولية تسمح للجمعيات الخيرية وجمعيات الإغاثة بالعمل في مجالات مختلفة: منها المجال الصحي والتعليمي والاجتماعي. فلا إشكال أن تقوم منظمة الدعوة بهذه الأنشطة بشرط أن تسمح لها الدولة المستهدفة بذلك. هذه النشاطات عادة تقدم خدمات ومساعدات للمواطنين المحتاجين . والمسلمين في الغالب يكونوا في هذه الشريحة.
وقد تقوم بعض المنظمات بأنشطة غير مسموح بها، بأن تقوم مثلاً بمساعدة حركات متمردة ضد الدولة. لكن من واجب الدولة المعنية مسؤولية مراقبة تلك التجاوزات. وعلى المنظمة واجب أخلاقي أن تلتزم بالعهد الذي بينها وبين الدولة المستهدفة.
5- تقليد منظمة الدعوة للتبشير المسيحي:
قال دكتور عبد الله إن منظمة الدعوة استعارت من التبشير المسيحي نموذجه التنظيمي والفكري.
لا أعتقد أن هناك مشكل في الاستعارة. فالشعوب والحضارات تستعير من بعضها البعض.
إن الدعوة في ذاتها جزء أصيل في الاسلام، واوجب الإسلام على المسلمين القيام بها. إلا أن يعتبر دكتور عبد الله الدعوة في ذاتها نشاط غير مقبول. ولقد سبق للمعلق أن ناقش اعتراض دكتور عبد الله على ما أسماه افتراضات الدعاة المسلمين وبين ضعف اعتراضه.
ينبغي الاشارة إلى أن المسلمين في الآونة الأخيرة أصابهم ضعف، فصاروا لا يقومون بما يأمرهم دينهم القيام به، إلا عندما ينبههم غيرهم لفائدته، لكن من الأفضل أن يتنبهوا له قبل أن ينبههم غيرهم به ما دام دينهم يأمرهم به، ولكن لا بأس أن يقوموا به عند هذا التنبيه. ولا يجوز للمسلم أن يستعير من الآخر ما يعارض مبادئ دينه. وقول دكتور عبد الله أن منظمة الدعوة استعارت نموذج التبشير المسيحي الفكري والتنظيمي فالنموذج التنظيمي في الغالب جملة من الوسائل، التي لا تمس القيم. أما قوله تقليدهم في نموذجهم الفكري فغير واضح ما يقصد به .
6- حكومة الإنقاذ يحكمها كادر منظمة الدعوة:
قال دكتور عبد الله (إنه تنبأ بدولة يحكمها كادر منظمة الدعوة الاسلامية) وقال: ( لم يقع كلامي أرضاً )
والدليل على ذلك أن بيان انقلاب الإنقاذ صدر من استديوهات منظمة الدعوة الاسلامية. إذا صح هذا فإنه يدل على أن الحركة الاسلامية كانت تستخدم منظمة الدعوة الإسلامية لأغراضها. وأن المنظمة كانت ذراعا للحركة الاسلامية. المعلق لا يعلم حقيقةً من كان يحكم دولة الإنقاذ؟ ولا يود أن يجازف بإبداء رأي في ذلك. فقد كتب بعضهم في ذلك، فمنهم من قال كانت تحكمها مجموعة صغيرة من التنظيم، ومن قال تحالف بين أصحاب المال والأمن والقبيلة، ومن قال كان لحكمها رجل واحد، وكلها تفسيرات معقولة ولها من الادلة ما يدعمها.
إن القضية الأساس في مقال دكتور عبد الله هي قضية المساكنة، أي كيف نبني نظام حكم مرضي في مجتمع متعدد الثقافات (وهو يعني المجتمع السوداني قبل انفصال الجنوب). إن قضية كيف نبني نظام حكم في مجتمع متعدد الثقافات تواجه كثيراً من الدول والمجتمعات. لكن قد تختلف طبيعتها من دولة الى دولة أخرى. وقد تكون أكثر إلحاحا في دولة دون أخرى. إن مشكلة إيجاد صيغة مرضية للحكم في مجتمع متعدد الثقافات ما زالت تؤرق المفكرين والسياسيين.
سوف يعطي المُعلق نبذة لمحاولات بعض المفكرين الغربيين لحل مشكلة الحكم في مجتمع متعدد الثقافات. ثم يتناول معالجة دكتور عبدالله للمشكلة قبل انفصال الجنوب. ثم ينتقل لمناقشة مشكلة الحكم في السودان حاليا.
7- الفكر الغربي والتعددية: الديمقراطية والمواطنة والعلمانية.
الغرب يعتمد الديمقراطية نظاماً للحكم، باعتبار أنها حكم الشعب وباعتبار أن الحكومة تمثل إرادة الشعب . لكن اتضح أن الشعب ليس له إرادة واحدة. فعدل مفهومها إلى أنها إرادة الأغلبية، أي ما ترغب فيه الأغلبية ينبغي أن ينفذ. المشكل أن هذه الصيغة للديمقراطية قد تؤدي الى دكتاتورية الأغلبية. فينبغي الأخذ في الاعتبار رغبات الأقليات. لكن كيف نحقق هذا؟ هو الذي ما زالت تدور حوله النقاشات. يرى البعض منهم أن الحل في مفهوم المواطنة، الذي صار من أعمدة النظام الديمقراطي. النظام الديمقراطي يرتكز على حقوق الأفراد، وعلى سيادة المواطن. افترضت النظرية السياسية الحديثة أن المواطنة تتخطى الخصوصية مهما كانت الاختلافات، سواء كانت هذه الاختلافات من حيث الثروة أو الانتماء إلى جماعة إثنية أو الحيازة على سلطة أو مكانة، فالمواطنة تعطي نفس المكانة للفرد في الشأن السياسي. لكن اتضح أن فكرة مساواة المواطن لا تحقق العدالة، ولا تحقق رغبات المواطنين ومقاصدهم، وفكرة حياد الدولة حيال المجموعات والإثنيات غير منصفة. واتضح أيضاً أن الفرد له أجندة يود أن تتحقق للجماعة التي ينتمي إليها بالإضافة لأجندته الخاصة. واتضح كذلك أن إعطاء الفرص الشكلية قد لا يحقق مقاصد الأفراد والجماعات.
إن المكانة التي يكتسبها الفرد في المجتمع الرأسمالي الديمقراطي تستأثر بها بعض الجماعات دون جماعات أخرى- تلك الجماعات ذات القوة والنفوذ. وإن الالتزام بالمعاملة المتساوية، قد يؤدي إلى ظلم بعض الجماعات وتهميشها، وفقدان حقوقاً خاصة بها. إن الادعاء أن النظام العلماني يحقق الحياد بين المجموعات الإثنية وغيرها من المجموعات غير صحيح . ولذلك اقترح المفكر (كيمليكا) ثلاثة حلول لإعطاء الإثنيات حقوقها وهي:
1- الحكم الذاتي
2- ما أسماه بالحقوق الإثنية المتعددة poly-ethnic right
3- التمثيل الخاص في الكيانات السياسية.
إن الجماعة الإثنية عادة ما تطالب بحكم ذاتي في شكل حكم فدرالي، قد تختلف فيه قسمة السلطات بين المركز والفدرالية من بلد الى بلد. من ناحية أخرى، فقد تطالب إثنية معينة بالانفصال، وقد تنال هذا الانفصال. وقد تكون صيغة الحل نظام كونفدرالي - وهو نادراً ما يحدث - فلقد طبق النظام الفدرالي في كندا فمنح سكان كوبك حكما ذاتياً فدرالياً يهدف للمحافظة على خصوصية الثقافة الفرنسية. أما في أمريكا فقد عملت الحكومة المركزية على أن لا يكون هناك إقليم به أغلبية قومية او إثنية وذلك بغمر الاقاليم التي قد تطالب بحكم ذاتي فدرالي بسكان من غير القومية او الإثنية التي قد تكون فيها الإثنية أو القومية أغلبية حتى لا تكون فيها تلك الأغلبية. وقد ظهر إن سياسة الاندماج غير مرضية لذلك أعطي حل ثاني للمسالة الإثنية وهو إعطاء حقوق إثنية متعددة للقوميات والإثنيات. فالقوميات والإثنيات تطالب بالمحافظة على ثقافتها عن طريق لغتها وتعليم أبنائها والمحافظة على فنونها وآدابها وتراثها وتاريخها وآثارها، وإقامة شعائرها التعبدية، والمحافظة على عقائدها وتقاليدها وعاداتها وأعرافها وقوانينها.
والحل الثاني الذي أعطاه (كيمليكا) للمسألة الإثنية: منح الحقوق الإثنية المتعددة.
إن إشكالية هذا الحق هو أن المحافظة على الثقافة والتنمية الثقافية المعينة تحتاج إلى موارد وأن بعض القوميات والإثنيات، ليس لديها الموارد الكافية، ولا تستطيع المنافسة في سوق المنافسة الحر لسيطرة جماعات نافذة عليه، بجانب عدم استعداد المواطنين الآخرين بالسماح للدولة أن تدعم تلك الجماعات، فقد لا ترغب مجموعة من الموطنين في بعض مظاهر الثقافة الأخرى. من ناحية أخرى، ينبغي على أصحاب الثقافة واجب النظر في أحوال ذاتها وقدراتها، وواجب النظر في علومها وآدابها وتطويرها، كما على الدولة منحها حقها العادل في الدعم.
وسنواصل إن شاء الله
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.