الصور الصارخة للفوط (ثوب المرأة البجاوية) والتي كانت تشكل مهرجانا للألوان يطل من وراء الفترينات الزجاجية كان ملفتا للنظر حينما يمتزج الأخضر بالاصفربالازرق بالأحمر زي شفق المغارب كما يقول عبد العزيز المبارك في لوحات ابداع كان يتم عرضها على الجدران الخارجية لوزارة الاعلام في السبعينات بهدف الترويج .. كان مشهدا يستدعي التوقف والتأمل ..انهن نساء التحفيظ على نار القرآن بهمشكوريب في خلاوي الراحل المقيم الشيخ على بيتاى .لم أكن أعلم الكثير عن الشيخ حتى أكرمنا الله بلقائه حينما حل علينا مع مجموعة من مريديه ضيفا على نادي ابناء البحر الاحمر بحى الاملاك بالخرطوم بحري ..وكمثل كل الاندية كانت تواجهنا مشاكل الايجار وضعف العضوية وقلة التردد ولكن كل ذلك تلاشى بأقامة الشيخ واتباعه في دارنا ويالها من اقامة فقد تحول نادينا التعيس الى خلية من النحل ووجهة لكل المسئولين الذين كانوا يجيئون زرافات ووحدانا لزيارته والسلام عليه ..أحيت اللقاءات والندوات والمحاضرات التي كانت تقام عظام نادينا وهي رميم خاصة فقد جاء الضيوف وهم يسوقون امامهم قطيعا من الضأن وشحنات من الارز . (2) يذبحون الخراف ويولمون للضيوف لحم السلاة والارز. وقد ذكرني دبيب الحياة المفاجيء في نادينا بشاة الاعرابية ام معبد الخزاعية العجفاء التي ما ان لمس ضرعها الرسول باصابعه الكريمة حتى انفجرت اثدائها بالحليب رغم تخلفها عن القطيع بسبب العجز والانهاك وذلك خلال رحلته مع صحبه ابوبكر من مكة الى المدينة . المشهد الاول لعلاقتي بالشيخ بدأ في حي الاملاك بالخرطوم بحري وكنت وقتها رئيسا للنادي حينما كلفتني الصحيفة التي كنت اعمل فيها وهي الصحافة باجراء حوار معه وقد اكتشفت خلال الحوار ان الرجل لم يكن شيخا بالمعنى التقليدي للكلمة بل كان مصلحا اجتماعيا فقد قلب وجه الواقع المؤلم من العدم الى الوجود. (3) لفت انتباهي ايضا ان الشيخ لم يكن يجيب على تساؤلاتي بل كان يطلب أشخاصا بعينهم عاشوا تجربة الضلال للرد على استفساراتي .. كانوا يتحدثون باعترافات فيها الكثير من الندم على التيه والضياع الذي كانوا فيه في منطقة كانت مسرحا للنهب والسلب وقطع الطرق يصدق تشبيهها بمثلث برمودا فالداخلة من هوام الاعراب الآخرين مفقودة والخارجة مولودة..كان يمثل أمامي رجال ملتحون يرتدون ملابس بيضاء نظيفة يتعوذون من ماضيهم ويسألون المولى ان يغفر لهم ما ارتكبوه من اثم وهو نهج لم اعهده مع المسئولون خلال التحقيقات الصحفية التي كنت اجريها معهم فالكل كان ينكر ويتنصل من تردي الحال وينسبه الى المسئولين السابقين وهم الآن يقومون بالاصلاحات المطلوبة في محاولات مكشوفة لتلميع الذات ..لا أحد يعتذر عن خطأ في هذا السودان العريض ..هل رأيتم مسئولا يعتذر ولماذا يعتذر وهو لا يعترف أصلا بخطآ ؟ . (4) لعب الشيخ على بيتاي دورا محوريا من انتشال همشكوريب من براثن الضياع بفتح وانشاء خلاوي يتلقي فيه المواطنون والوافدون علوم القرآن ليلا ثم ينخرطون في اعمال الزراعة والفلاحة التي غيرت وجه ارض فقيرة كانت لاتطرح سوى اشجار الدوم واشجار الشوك الى بساتين من الخضرة تنتج الذرة والخضروات حتى حققت المنطقة اكتفاءا ذاتيا انتهى بتقديم الشيخ المساعادات والتبرعات لكل الخلاوي في السودان وقد رأيت بأم عيني شيخا من منطقة الجزيرة التي تتوسط النيلين الازرق والابيض يطلب تبرعا منه لتشييد مسجد فاستجاب الشيخ فورا بلوري محمل بالذرة .خلال تواجده معنا كان شخصية مميزة .. لم اره يوما عبوسا مكشر الوجه ..كان يخاطب الناس دوما بابتسامة حتى حسبت انه ولد ضحوكا هكذا . (5) المشهد الثاني مع الشيخ كان في حىي المصيف بالعاصمة السعودية الرياض حيث كنت اسجل زيارات لزميل وفي احدها وجدت والد زميلي قادما من السودان في زيارة .كنت اتبادل الحديث معه كلما ساقتني قدماي الى هناك ..حكى لى ذلك الشيخ وهو ينتمي لقبيلة الاشراف ذات مرة عن قصة فيها الكثير من العبر والدروس فيما يعرف في العلوم السياسية بادارة الازمات Crisis management (6) القصة تتمحور حول رجل من الاشراف كان يسكن في منطقة نائية على الحدود مع اريتريا حينما حل عليه ضيف من قبيلة الجميلاب وهي القبيلة التي ينحدر منها الشيخ على بيتاي وبعد تقديم واجبات الضيافة بدأ الحوار وتبادل (السكناب) الاخبار وكلها تدورعادة حول المرعى والامطار والبحث عن حيوانات مفقودة تأكد للمضيف من مجرى الحديث بأن الرجل الذي يستضيفه ماهو الا قاطع طريق فاستل سيفه للدفاع عن عرضه ولكن الضيف كان اسرع منه فارداه قتيلا بالسيف فما كان من احد نساء القتيل الا وانهالت بالفأس على رأسه واردته قتيلا ..في لحظات كان هناك قتيلان ينزفان دما . (7) انتشر الخبر كالنار في الهشيم ودعت قبيلة الاشراف لاجتماع هام وعاجل يقام في كسلا الهدف منه تصفية الحسابات مع الجميلاب باعلان معركة انتقامية في عقر دار القبيلة في همشكوريب ..وخلال الاجتماع الذي تداعت له كل قبائل الاشراف تم اختيار شخصين احدهما هاديء عقلاني والآخر عدواني سليط اللسان ..وقرر المجتمعون ترك بداية الكلام للجميلاب فاذا كان المتحدث عدوانيا سليط اللسان يرد عليه العدواني سليط اللسان واذا كان العكس يردعليه الحليم الهاديء . (8) كانت الادوار موزعة ولكن الشيخ على بيتاي الذي ينتمي لقبيلة الجميلاب فاجأ الحضور بالحديث بحل كان السبب المباشر لحقن الدماء واطفاء النيران الكفيلة بحرق اليابس والاخضر..فقد قال الشيخ كبير العقل ..كبير النفس انهم جاهزون لدفع دية قتيل الاشراف والعفو عن الذي قتل الجميلابي..هكذا تم تنفيس مراجل الغضب التي كانت ملتهبة في النفوس ودفن جفوة العداء في مكانها لينتهى اللقاء بعناقات وهتافات الله أكبر . ترى كيف واين كنا لو تحلى اعضاء مجلس السيادة والوزراء وقوى الحرية والتغييروالجبهة الثورية والاحزاب بحكمة الشيخ على بيتاي لانقاذ بلدلا ندرى ان كان مريضا فيشفى او ميتا فيقبر . (9) رغم ماحدث فلازال هناك متسع للخير والعطاء .. لى رجاء للشيخ الجليل سليمان ابن الاسطورة على بيتاي ليتك توسطت بين المتقاتلين لوأد الفتنة بدلا من أن تكون طرفا في الازمة واذا تعذر عليك ليتك اقتديت بالصحابة الاجلاء عبد الله بن عمر وسعد بن ابي وقاص ومحمد بن مسلمة الانصاري وابو هريرة وزيد بن ثابت وسعيد بن العاص وآخرين اعتزلوا الفتنة حينما اشتعلت الحرب بين على بن ابي طالب ومعاوية ابن ابي سفيان. ((10 ليتك اخترت أن تكون اطفائيا ووسيطا في الازمة او الفتنة كما فعل والدك عليه شآبيب الرحمة . ليتك قبل هذا ولا ذاك اقتديت بمالك الملك اذ يقول في محكم تنزيله (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ۚ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) .صدق الله العزيز. بدلا من الموقف الغريب المعزول الذي لن نفهم منه شيئا سوى صب مزيدا من الزيت على لهب الحريق . عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.