لليوم التاني وانا عايش دور المحبوس والسبب الركبه المكعوجه دي.. والحبْس كلمة عربية فصحى وتعني المنع ويرد استعمالها كثيراً عندنا وهي واحدة من الكلمات التي قمنا بسودنتها فاصبحت الحبِس بكسر السين وياما كسرنا ودشدشنا من كلمات لتتوافق مع لسانا الاعجمي، ماعلينا، ومن اشهر تلك الاستعمالات عندنا للكلمة واكثرها شيوعاً،؟هو الحبس للمراة التي يتوفى زوجها وهنا بالذات تكثر الاستعمالات ومنها، بيت الحبِس ومرة الحبِس اما العجيب والاغرب ان اسم تلك المراة المحبوسه يلغى تماماً وتصير كانها ماتت مع زوجها هذا في الجانب الحزين اما المفرح منه فهناك ماكان سائداً الي وقت قريب وهو حبس الفتاة لمدة شهر كامل قبل الزواج وهنا تخدع لورشة تجميل ولا يسمح لها بالخروج ابداً مهما دعت الظروف والحبس عادة يكون عند احدى خالات العروس او اعز صديقاتها كان ذلك الحبس سمة ذاك الزمن البطئ ايقاعه واليوم تغير الامر.. اليوم التاني كان يوم تلفونات وقد بداها اخوي وصديقي محمد عبد الحميد عبد المنعم والزول ده براه حكاية..محمد اتصل علي وهو يحمل في قلبه نعمة ونغمة اما النعمه فهي بلوغه السن القانونية للتقاعد والنغمة ان ابو حميد رجل عملي قضى معظم حياته مع ازيز الطائرات مهندساً بارعاً تعلم هذه الصنعه بعد ان درسها هنا في بريطانيا التي هاجر اليها وهو بعد يافع وفي سن الشباب وترك خلفه التبر وعراقة التجارة التي هي حرفة اهله المنعمية (نسبة لرجل المال والبر المرحوم عبد المنعم محمد) واظنه والظن تخمين سرت في عروقه دماء اخواله القبانية والذين هم اهل علم ومعرفة ثم ما ادراك ما القبانية وتاريخهم التليد ايام الحركة الوطنية وما ان يذكر القباني الا وتطوف في مخيلتي الاستاذ المرحوم بابكر القباني ونسيبه الاستاذ محمود الفضلي واتنيناتهم كانا احد واهم اعمدة مدرسة ابروف الفكرية والتي يؤرخ لها انها تعد المدماك الاول في الحركة الفكرية السودانية وتذكرون كويس ان لمدرسة ابروف القدح المعلى في بلورة النضال الوطني ومحاربة الاستعمار فكرياً وقد فهمنا ان لهذه المجموعه محبة وسقف بالحركة الغابية في انجلترا والتي كان من اشهر اعضائها جورج برنارد شو المسرحي الانجليزي الساخر.. خرجت من ابروف فكرة تكوين الاحزاب السياسية فكان حزب الاشقاء هو احد ان لم يكن اول نواة لحزب سوداني وقباني والفضلي كانا من ضمن المؤسسين لهذا الحزب..وعوداً لصاحبنا محمد فرغم انه ترك السودان وهو في بداية شبابه البض ميمماً شطر بريطانيا-هذا الرجل العصامي الذي يُعتمد عليه ولايعتمد هو عالم احد- ولو انك كنت محظوظاً وجالسته ستجده انسان بسيط جداً وفيه الكثير من صفات اهل الصعيد من كرم وشهامه وسرعة البديهة وحافظ لتاريخ عائلة ابيه وامه صم كما وان له روح مرحة ولا تُمل وقد امتدت صداقتنا منذ بداية التسعينات وبناتانا لميس ونادية كالشقيقتين لم يفترقا منذ الصغر حتى يومنا هذا وان وددت ان اتحدث عن محمد فلن اوفيه حقه وزي مابقولو جماعتنا شهادتي فيه مجروحة المهم انني خبّرت محمد عن حكايه حبسي لسبب حقنة الركبه فما كان منه الا ضحك ضحكته المجلجلة تلك (وَيَا ابو عفان قوم لف) التي احبها عنده حتى انه ان لم يقلها لي اكاد ان اقولها لنفسي نيابة عنه..دردشت مع محمد طويلاً عن الحياة بعد المعاش وعن السفر والرجل بحكم عمله يحب السفر حباً جمّا وكاد ان يكون كالطائر الشواف ليطوف بجميع اركان الدنيا اظن انني بعد ان اطلع من الحبسه هذه اكون قد استرجعت رفيقاً امارس معه رياضة المشي التي اعشقها.. ثاني متصل كان فيصل عثمان من لندن وفيصل طبيب عمومي حفظه المولى وقد تحدث معي معتذراً عن طول غيابه عني بسبب طبيعة عمله في احد مستشفيات لندن..وكيف انه بدأ يشعر الان وفي عامه الثاني رهق العمل في مجاله..لا ابالغ ان قلت ان فيصل اعتبره صديق لي اكثر منه ابن فهو يشبهني في في عدة اشياء ومنها شغفه الشديد للقراءة وحب المعرفة والموسيقى والدراما ومساعدة المحتاج وهنا اجده قد تفوق علي انا والده والحمد لله..في الجانب الاخر وجدتني انتهز فرصة الحبسه هذه واتابع مسلسل زيزينيا على موبايلي ولي كثير محبة لكل اعمال اسامة انور عكاشة ولوحيد حامد وفي تصوري انهما يمثلان المدرسه الواقية في الدرامة المصرية.. وحيد حامد يتميز بشخصية قويةوشجاع في رأيه واظنه استمد هذه الصفة من اعتماده على الحقائق التاريخية المجرده في الاعمال الدرامية التي قدمها وقد حاول الاخوان المسلمون في مصر الضغط عليه واظنه عومل معاملة خشنه منهم وهذا دابهم اين ما وجدوا..اما الناصريون فقد هاجموه هجوماً مضرياً شرساً وذلك عند تقديمه لمسلسل الجماعة الذي اشار فيه الى ان جمال عبد الناصر كان اخوانياً قبل واثناء الثورة وعندما تبين له خيانتهم انقلب عليهم.. من فوائد الحبسة هذه وجدتني اعيد قراءة رواية موسم الهجرة الي الشمال وعلى اريكة الطيب الصالح اجد نفسي اجلس حواريّاً متأملا في العالم السحري الذي بناه هذا العملاق مما جعله ينضم لمجموعة العظماء الذين شنفوا حيواتنا بروائع الادب السحري..ونتواصل مع الحبس الذي حرمني حتى من عزيزاتي عسجد ولميس وعلى فكرة لابد ان اشير الى شي مهم وهو ان الحكومة في لندن استنت قانون يمنع الزيارات العائلية يعني رضينا ام ابينا فنحن في بيت الحبس.. مع تحياتي وحبي عثمان يوسف خليل عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.