اخرجنا شرطي مرور من شارع النيل بالقرب من جامعة الخرطوم تجنبا لمياه الفيضان التي أعاقت الحركة لندخل في الحارة فهالني مارأيت وأنا أتأمل بعض كليات الجامعة التي كانت جميلة ومستحيلة فكأنني أمام أطلال سواكن التي نعاها مبارك المغربي اذ يقول حي الطلول البالية واسكب دموعك غالية . (2) جدران مهترئة متهالكة بلون صحراء العتمور تطل على أزقة ترابية يعلوها الغبار فقد تكالب عليها غباء الحكام وعاديات الزمن لتحيل الجامعة العريقة ذات الشنة والرنة مسخا مشوها شكلا ومضمونا وتخرجها بتأشيرة خروج نهائي من قائمة أفضل جامعات العالم .. ياغادة عصفت بها ريح الزمان العاتية فقد أوقف الانقاذيون كل الدعومات والمعينات المالية وراهنوا على الكم بديلا عن الكيف فأنهار البناء التعليمي برمته . (3) اذا قادتك قدماك يوما الى هناك فأستعد لذكريات أمجاد غابرة تهاجمك وتنهش لحمك من كل صوب .. خفف الوطيء فهذا النادي البائس التعيس الذي يقدم الفول والعدس لرواده و (لا يكلف الله نفسها الا وسعها ) ومعظمهم من أساتذة الجامعة هو و(يا سبحان الله) نفس النادي الذي كان يصنع حكومات السودان .. ستجد نفسك حزينا تائها وسط الارض الخراب تردد مع المحجوب فردوسه المفقود نزلت شطك بعد البين ولهانا فذقت فيك من التبريح الوانا وسرت فيك غريبا ظل سامره دارا وشوقا وأحبابا وأخوانا فلا اللسان لسان العرب نعرفه ولا الزمان كما كنا وما كانا (4) قبل سبعة سنوات زارنا في السعودية أحد وزراء الانقاذ النافذين فطلبنا لخصوصية مشاكل منطقتنا لقاء خاصا.. اللقاء تم بفندق كارلتون ريتز حيث اتخذه سعادته مقرا له و كارلتون ريتز في الحي الدبلوماسي بالعاصمة الرياض وهو واحد من عشرة فنادق تعتبر الأرقى في العالم .في قاعة عريضة فخمة وضع الرجل رجلا على رجل يتحدث عن ما أسماه بثورة التعليم في سودان الانقاذ .قال لنا ان الجامعات قفزت من ثلاثة جامعات الى 26 جامعة . (5) الله وحده يعلم عددها الآن فقد تمددت على جسد السودان كالاورام السرطانية لا ظهرت ابقت ولا أرضا شقت . ولكن سوء حظ الوزير اوقعه في شر أعماله فقد تصدى له أحد المغتربين قائلا ان ابنته تدرس الطب في جامعة كسلا مقابل 7 الاف دولار ولكن المحاضرين هم طلبة من الجامعة فبهت الوزير ولم يجد ردا للفضيحة . (6) هكذا ضربت الانقاذ المزهوة ويا لسخرية الاقدار بمهاتيروالتجربة الماليزية قطاع التعليم في مقتل واتجهت بالصرف البذخي على اجهزة الامن والجيش والشرطة بل اخرجتها عن المهام الأصلية التي جائت من أجلها فقد ذهبت أصداء أوامر (أرضا ظروف) التي دوت في مطار الكويت منتصف الستينات أدراج الرياح وانطوت في القلب حسرة. هل يعقل أن يحمي ويحرس الحدود جيش واجهزة أمنية حازت على 80 % من موارد السودان عبر شركات معفية من للجمارك والضرائب ولا تخضع للرقابة . (7) في القيادة العامة ستقف مبهورا تتأمل آخر صيحات هندسة المعمار من زجاج يبرق ورخام يلمع وقد تفنن مشيدوه في عرض مباني المجمع العسكري في أشكال هندسية من الطائرات والسفن الحربية .. كل من يخطف الالباب ويثير الدهشة من التحف الفنية من مقرات ومستشفيات وأندية في العاصمة تقف ورائها اجهزة عسكرية وأمنية . من أين أتوا بالمال والميزانية عاجزة عن صيانة المدارس وتوفير الكتاب المدرسي ناهيك عن تأمين الطحين ووقود السيارات وحليب الاطفال؟ (8) اذا كان البشير قد اغدق عليهم بالمال والرتب العسكرية اغراءا حتى لا ينازعوه الحكم والسلطة فلماذا لا تتم الاستفادة من هذه الحشود الجرارة الآن لحراسة الحدود سيما وأن 40 % من السلع تهرب الى الخارج كما يقول حمدوك . (9) صفعة حنان الداوية وظهر نوري المتورم وسيارة اللكزس المستفزة تتوارى عارا و خجلا أمام ثلاثة مشاهد تصلح للذكرى والاعتبار . صورة لرجل جلس على سلم مبنى منكبا على جهاز (لابتوب) ويقول شرح الصورة رئيس الوزراء الايطالي في انتظار زوجته وهي تخضع لفحوصات طبية في احدى مستشفيات مدينة ميلان والمشهد الثاني لسيدة تجر ورائها ثلاثة أطفال في أحد شوارع العاصمة بروكسل دون خدم ولاحشم ولا حراسة ولاسيارات ويقول شرح الصورة ماتيلدا ملكة بلجيكا تصطحب أبنائها الى المدرسة مشيا على الاقدام والصورة الثالثة لرجل يقف في صف طويل وشرح الصورة يقول رئيس وزراء النرويج ينتظر دوره امام الصراف الآلي ليقبض راتبه ..هل فهمتم الآن لماذا يصعد الآخرون الاعالي ولماذا نتراجع نحن نحو الهاوية ؟ . عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.