عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. في بدايات الثورة وعندما كان التفاوض بين اللجنة الأمنية لنظام الإنقاذ وقوي الحرية والتغيير يسير بخطوات متعثرة كنت من أوائل الناس الذين توقعوا للتفاوض المؤدي لمشروع الشراكة أن لا يمضي طويلا .... ولم يصدق توقعي فقد مضي المشروع لكن الشراكة تمخضت فولدت وثيقة دستورية دائما ما يتم وصفها بواسطة كل المعارضين للشراكة بضعفها وقصورها وعدم مواءمتها وحتي عدم قانونيتها ... الوضع ظل محيرا قبل الوصول الي الوثيقة وحتي بعد الوصول اليها .... ما أن يمضي يوم حتي تجد اليوم الذي يليه ملبدا بالغيوم السياسية والمناطحات والمشاحنات ... كل كتلة سياسية داخل قوي الحرية والتغيير كان هدفها تحقيق مكاسب تخصها وحدها وتحاول اصطياد ما تراه متاحا وغير متاح من الفرص السياسية بانتهازية يحسدها عليها كل انتهازي. ولم تكن اللجنة الأمنية التي عرفت لاحقا بالمكون العسكري بعد قيام مجلس السيادة بمنأي عن تحقيق المكاسب ... لم لا وهم بدورهم يسعون لإنتهاز أي فرصة صغيرة كانت أم كبيرة للإستئثار بنصيب الأسد من السلطة وقلب الموازين ومن ثم القضاء الي الأبد علي مفردة "مدنيااااااووو" من قاموس ثورة ديسمبر السياسي ..... ولم تكن العملية سهلة بالقدر الذي كان يظنه المكون العسكري ... فزخم الثورة كان ولم يزل يناطح كل ما يقابله بشراسة تحرسها المليونيات التي تخرج الي الشوارع متي ما شعر الثوار بجنوح المسار أو توغل ذوي السترات الكاكية ... وليس أدل علي تلك المناطحة والعناد من احتمال شعبنا الصابر لكل مشقات الحياة من غلاء ممعن في ضراوته وندرة غير مسبوقة في الدواء وفي كل متطلبات الحياة في شجاعة وصبر شهد عليهما القاصي والداني حتي أن المتآمرين علي هذا الشعب كادوا أن يرفعوا الراية البيضاء ... لكن يبدو أن اصجاب السترات ما يزالون يراهنون علي موقفهم المبدئي غير المعلن ... وما زال الأمل يراودهم في تحقيق مكاسب هم يرونها قابلة للتطبيق في هذا السودان الفريد. ولنبدأ القصة ... عندما حدث اللقاء بين رئيس مجلس السيادة ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنجامين نتنياهو في عنتبي لم يكن أحد يصدق أن ما جري كان من الممكن حدوثه لسببين أولهما أن الرجل لا يملك المخول الذي يمكنه من ألقيام بتلك المقابلة من حيث كونه رئيسا لمجلس السيادة وهذا المجلس بحسب الوثيقة الدستورية هو مجلس تشريفي لا أكثر .. والسبب الثاني هو أن ما تم هو نشاط سياسي بحت يندرج بامتياز تحت بند العلاقات الخارجية وهو من صميم مسئوليات السلطة التنفيذية .... وفي اعتقادي أن هذا كله لم يغب عن ذهن رئيس مجلس السيادة ولا يمكننا افتراض أن ذلك قد يكون حدث سهوا أو جهلا ... فالرجل لديه ربما جيش من المستشارين الأكفاء الذين بمقدورهم تنبيهه بكل صغيرة وكبيرة ... لكن الرجل فعلها وهو يدرك ما فعل بحسابات تخصه هو فقط. وبالأمس القريب زار سعادته جمهورية مصر العربية والتقي بالرئيس عبدالفتاح السيسي ... الزيارة تبدو طبيعية طالما كانت لتوطيد عري الأخوة بين الشعبين والجيشين السوداني والمصري .... لكن ما لم يكن طبيعيا هو أن يقوم سعادة رئيس مجلس السيادة وهو قائد المكون العسكري بمجلس السيادة الذي انحاز ... "أو كما قال" ... لثورة ديسمبر المجيدة التي ثارت علي نظام الإنقاذ بزيارة الرجل الذي لم يتوان ولو للحظة عن الدفاع عن نظام الإنقاذ ... ولم يكن دفاعه أي دفاع .... بل دافع عنه دفاعا استثمر فيه كل مواهبه في التعذيب والإكراه لانتزاع المعلومات ... التقي سعادته بالرجل الذي ثار عليه شبابنا وطالبوا بمحاكمته علي جرائمه والقصاص منه ... وكلنا يعلم أن النيابة العامة بدأت في اتخاذ الإجراءات الكفيلة بمحاكمته وطلبت منه تسليم نفسه للعدالة ولم يفعل .... أن يقوم سعادته رغما عن كل ذلك بزيارته علي مرأي ومسمع من العالم أجمع فكأني به يرسل رسالة أخري لا نكاد نفهمها علي الأقل الآن. وأعقب ذلك خلال زيارة سعادته لإثيوبيا لقاء آخر مع رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد وهنا لا يبدو الأمر غريبا فمن الواضح أن سد النهضة كان هو محور الزيارة وأن هنالك ثمة رسالة أراد السيسي ارسالها لآبي أحمد عن طريق السيد البرهان أو أن السيد البرهان نفسه يحمل مقترحا بشأن السد لم يشأ أن يكشف عنه. وفي الحالتين هنالك دور أراد البرهان أن يلعبه بالأصالة والإنابة عن الجهاز التنفيذي بسبب انشغال السيد حمدوك بقضايا العبور وبالأخص عبور مسألة رفع الدعم عن المحروقات. هذه اللقاءات جميعها أضافت قدرا مقدرا من الشكوك التي هي في الأصل لم تفارق دواخلنا ويبدو من الصعب التغاضي عنها وتجاهلها ... فلقاء سعادته برئيس الوزراء الإسرائيلي أعطي مؤشرا واضحا عن رغبة المكون العسكري وطموحه في فرض وجوده السياسي علي الخارطة السياسية بالسودان ...فسعادته لا يبدو راضيا ان يكون دوره مقصورا فقط علي تسلم أوراق السفراء الأجانب واعتمادها .... سعادته يحاول أن يؤسس لدور سياسي مؤثر لا ينتهي بانتهاء الفترة الإنتقالية بل يتمدد الي ما بعدها ويصبح وجود سعادته مرتبطا ارتباطا عضويا بذلك الدور. أما إذا تأملنا قليلا في لقاء سعادته بصلاح قوش في القاهرة خلال زيارته الأخيرة لجمهورية مصر العربية ... وبالرغم من دهشتنا الكبيرة تجاه هذه الزيارة ... نتساءل ونقول هل كان هنالك ما يجعل السيد البرهان فعلا مضطرا لإعلان تلك السوءة وهو يعلم ما سوف ترسمه من علامات استفهام لدي الناس ... ألم يكن بالإمكان احترام مشاعر الثوار والعمل علي جعلها سرية حتي لا تكون مصدرا للقيل والقال وبعض التكهنات الأخري ... ولطالما فتح سعادته الباب للتكهنات فأنا أول المتكهنين وتصورت أن الهدف من إعلانها هو اطلاق العنان لخيال الشعب السوداني حتي يدرك أن كل الخيارات ما تزال مفتوحة للمكون العسكري .... وأختم بمحاولة تأكيد السيد البرهان للملأ من خلال المقابلة التلفزيونية الأخيرة مع الإعلامي البارز لقمان علي أن الشراكة في الوقت الراهن في أحسن حالاتها ... ويبدو واضحا أنه أراد إيهام الرأي العام السوداني بثبات موقف المكون العسكري من الثورة وإظهار أنه لا يزال يمد يدا ناصعة البياض وأنه علي نقيض ما يشاع يحاول جاهدا دعم السلطة التنفيدية لإنقاذ الوضع الراهن المتردي علي كل الأصعدة والعبور بالفترة الإنتقالية الي بر الأمان ... والعودة الي الثكنات. تري بعد هذه الصولات والجولات هل يصدق الشعب السوداني ما يري ويسمع .... أم أن ما يتم ما هو الا أولي خطوات اعدادنا لقبول واقع جديد ...... لست متأكدا .... لكن يبدو أن وراء الأكمة ما وراءها .... د. عبدالحليم السلاوي عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.