هل يستطيع حزب الأمة الاستجابة للتحديات المطروحة على المستوى الحزبي والوطني، بعد رحيل زعيمه الصادق المهدي، أم أنه سيبقى عاجزا عن طرح حلول لمشكلة تحديث خطاب وعقلية الحركة المهدية وحزبها، ومشكلات التأخر الحضاري المتشعبة على المستوى الوطني؟ خلال الحقبة الأخيرة من تاريخ البلاد، لعب المهدي دوراً مهماً في تأسيس تحالف يعزز الجبهة الوطنية العريضة مع الحركات المسلحة وغيرها، ونسق حتى مع بعض قوى اليسار المنفصلة عن الواقع، كما كان يحاور نظام الإنقاذ لعله يتعقل ويرشد، كما ساهم باحتوائه للإخوة العساكر في تهدئة الصراع بعد سقوط نظام البشير، وهي أدوار إيجابية في غاية الأهمية بالنظر إلى انتشار العنف والمواقف المتشددة في المشهد العام. إن مثل هذه الأدوار الوطنية المتزنة الراشدة، يمكن أن يلعبها بفعالية أقل أو أكثر حزب المؤتمر السوداني، وبعض الدوائر الإتحادية، لكن الطرف الأبرز الذي ربما يستطيع ملء الفراغ الذي خلفه رحيل الصادق، هو حزب الأمة نفسه. من المرجح أن رحيل المهدي، سيترتب عليه فصل بين إمامة طائفة الأنصار، وقيادة حزب الأمة، فلا توجد شخصية قادرة على الجمع بين المواقع والمهام التي جمع بينها الزعيم الراحل، ومن غير المستبعد انتقال تراث الصادق وآل المهدي السياسي إلى ابنته ورفيقته في دروب السياسة خلال سنواته الأخيرة السيدة مريم الملقبة عند المريدين بالمنصورة، لتكرر تجربة شبيهة بتجربة بناظير بوتو الزعيمة الباكستانية الراحلة التي استثمرت تراث والدها الزعيم البارز ذو الفقار علي بوتو لتصعد إلى السلطة في مجتمع لا يرحب بنموذج قيادة المرأة. إن مشروع القيادة العصرية الفعالة للحزب، وربما للسودان في مرحلة لاحقة، يستدعي أكثر من مجرد تقديم إمراة للسلطة في مجتمع تقليدي، فمثل هذه التغيرات الشكلية لا تجدي دون تغيير عميق في العقلية وبنية الفكر وطبيعة الأهداف والأدوات وطرق العمل. على أن السيدة مريم، وإن أسعفتها مسيرتها السياسية وحضورها وأدوارها البارزة وعلاقاتها وخبراتها في كواليس السياسة الداخلية والإقليمية، وأتاحت لها الصعود إلى سدة قيادة حزب الأمة بعد انتهاء فترة القيادة المؤقتة الحالية وعقد المؤتمر العام، فمن الصعب عليها تولي موقع الإمامة لأسباب معلومة تتصل بوضعية المرأة في العقل الديني والطائفي والثقافة العامة. إن القضية المركزية التي لم يوفق فيها الزعيم الراحل على اجتهاده وسعة معارفه وجودة ثقافته، ونشاطه الفكري المتصل، وتكتسب أهمية كبيرة لأنها لا تحتمل التأجيل ولابد من إنجازها إذا أردنا للسودان أن ينهض، إنما هي قضية الثورة الثقافية والعقلية والمعرفية في حزب الأمة والسودان، والخروج من عباءة القرن التاسع عشر وخطاباته الأساطيرية، إلى خطاب إصلاحي حداثي تنموي عقلاني يواكب القرن الحادي والعشرين، ويستوعب المتغيرات ويخاطب الأزمات المتعددة، وقضايا وعقول الشباب والأجيال الجديدة. مشكلة الأطر التقليدية والبدائية في المجتمع السوداني، لا يمكن حلها دون مشروع تنموي يوفر الشروط الموضوعية للارتقاء الثقافي والمعرفي والفكري، كما لا يمكن حلها دون تطوير هذه المكونات التقليدية من الداخل، كخطوة على طريق مشروع تطوير المجتمع حضاريا وإعادة بناء الإنسان السوداني. إن التحديات التي تنتظر حزب الأمة - أكبر الأحزاب السودانية وفق نتائج آخر انتخابات حقيقية - في المرحلة المقبلة، مع القيادة المريمية أو بدونها، أخطر في تقديرنا من العقبات التي واجهت الصادق وحتى جدهم الأكبر الإمام عبدالرحمن، فهنا يجد الحزب نفسه أمام تحد وجودي، إما التحديث والتطوير، وطرح خطاب جديد ومشروع وطني تنموي يستند على العقلانية والعلم ويستهدف إنجاز النهضة القومية الكبرى، وإلا المجازفة بمحاولة البقاء في القرن الحادي والعشرين، بخطاب وعقلية وأدوات القرن التاسع عشر. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.