عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. ( حدثنا عزو فقال زارنا السفير العراقي المنتدب حديثا للسودان، حوالي العام 83 في بيتنا في بري، وسبب الزيارة انه كان صديقاً لاخي الاكبر والذي تعرف عليه في بغداد، ونمت بيهما صداقة عظيمة. وكان مبلغ سعادتنا بهذه الزيارة، يفوق الوصف، واكتملت سعادتنا، حينما ترجل سعادته عن الفارهة، وعليها العلم العراقي يرفرف في زهو وكبرياء، واهل الحلة يرقبوننا من وراء الشبابيك ورقراق ابواب الزنكي، في غبطة وحسد، صافح السفير الوالد والوالدة والاخوات والاخوان، وطمأننا علي عصام، وذكر بانه "خوش ادمي"، وكلّش حلو إنسان، وهو ورده، ففرحنا فرحا جماً. ثم ان ابي وقد تملكته النخوة والشهامة السودانية، طلق امنا بالتلاتة ، وهو يجره الي داخل البرندة، يابنات جهزو البارد والقهوة، ثم صفت البنات، كبايات الشربات المقصبة والمذهبة، واتت امي، بكل الاشياء التي كانت في البترينة، والتي كنا نحسبها زينة، حتى علمنا ذلك اليوم، انها لمدخرة لمثل هذا اليوم كانو يعملون، كما قال وردي. ولكنني "دوناً عن العالم"، كنت قلقاً، ومتوتراً في وسط كل هذا الجو الاحتفالي، وقد كان مصدر قلقي، تلقيمة البرندة، وللذين لا يعلمون ماهي التلقيمة، فهي لوح الابلكاش المطلي باللون الابيض، والذي يثبت في باطن سقف البرندة، بشرائح خشبية رفيعة مستطيله، تدهن بلون مختلف، بغرض إخفاء قبح الواح الزنك، والتي هي السقف الحقيقي، ويثبت فيه الميسورين، لمبات النيون، فيزاداد الضياء والبهاء في البرندة، حتي يأتي فصل الخريف، فتهطل امطار السودان، والتي لا تراعي مشاعر الانسان، والتي لا تحفل كثيرا بالديكورات، فتغترف الطين، وبقدرة قادر، تمرره عبر رقع الفلنكوت، والتي يفترض فيها ان تمنع تسرب المياه، فيصب الماء الملوث بالطين، علي التلقيمة، فلا تلبث ان يتحول لون طلاءها الابيض الزاهي، الي خرائط من الوان الطين البنية ، بكل درجاتها. وصدق حدسي، فما ان جلس سعادته، حتى رفع راسه، يتفحص السقف، ولم يعد بعينيه الي ارض الواقع، بعد ذلك ابدا، اصابتني رعدة الخجل، فصرت احاول ان اشغله عن النظر ناحية السقف، اتفضل يا سعادتك اشرب البارد، فيقول شكرا، ثم سرعان مايعود، لمزاولة النظر ناحية التلقيمة المخرخرة، همست لابي، ياحاج خلينا نمرق الحوش، فرد ابي، البعوض يا ولدي، بيفتك بالضيف، سمعنا سعادته فقال، لا تديرون بال يا معودين، آني كلّش مرتاح هناني! ثم عاد ينظر ناحية السقف للمرة الالف، ثم اعتدل فجأة في جلسته، وصاح باعلى نبرة في صوته الجهير، بس آني عدّي فد سؤال، بلا زحمة. قال ذلك وعيناه لاتفارقان السقف، فوجف قلبي، وقلت هي الطامة الكبرى، الزبالة الساكنين فيها دي شنو؟ قال ابي، تفضل يا سعادة السفير، اخذ السفير رشفة من الليمون المنكه بروح الموز، قال وهو يشير الي السقف، وانا قد بلغت روحي التراقي ... يابا، منو هذا الفنان التشكيلي العظيم، اللي سوالكم هاي اللوحة العظيمة... بلكد تنطوني رقم مال تلفونو! ................ صاحت اختي من مكان بعيد