الحياة ذاخرة بالفوضي و العشوائية و المفاجئات ، فنحن في كثير من الأحيان ضحايا لجيناتنا أو لأماكن الولادة أو لسوء الطالع ، و لكن العامل الحاسم في النجاح ، ( اذا تهيأت الأقدار و الظروف و الصدف ) هو المزايا الشخصية في المقام الأول ، و ليس مقدار التحصيل الأكاديمي أو الشهادات العلمية أو حتي التدريب العملي ! مزية الثقة بالنفس و التي ترجع جذورها الي النشأة المبكرة و المحمول الجيني قد تكون مثالا جيدا ، فهي كنز عظيم ، يعز ان يتحقق نجاحاً مهماً بدونه ، وذا جاز لي أن أتصرف في مقولة تشارلز بوكوفسكي الشهيرة لتعبر عما اعنيه فستكون : "مشكلة عالمنا تكمن في أن الكثير من الأذكياء يغلب عليهم الشك، في حين ان الكثير من الأغبياء يملأهم اليقين !" فارقني قبل قليل صديق عزيز حقق نجاحات مدوية في الطب و الجراحة و في عالم المال و الأعمال ليس أقلها اكمال دراسته العليا في فرنسا و امتلاكه لعدد من الشركات الناجحة في دبي و في دول أفريقية متعددة، و كانت جلستنا التي امتدت لساعات غاية في المتعة ولكن الجزء الذي حاز علي معظم انتباهي لم يكن ذلك المتعلق بقصص كفاحه و مغامراته في افريقيا ولا تطوافه في أنحاء المعمورة ، بل كان هو الجزء الذي سرد فيه بتلقائية ذكرياته في قريته البعيدة عند منحني النيل و استدعائه لرحلاته المفعمة بالفرح علي ظهر الحمار ( المكادي) ذهاباً بالحبوب و عودة بالدقيق و الشاي و البن و كأنه يقطع الطريق من بداية شارع الشانزلزيه الي قوس النصر . كيف واجه صديقي الذي وُلد و ترعرع في قرية نائية فلم يلتحق ب(kindergarten ) ولم يتخرج في مدرسة جيمس وينشستر العالمية ولا يعرف كيف يلوي فمه باللهجة الامريكية العالم و انتصر عليه ! نازل صديقي العالم بأسلحة المزايا الشخصية ، وكان سلاحه الأمضي بينها هو الثقة بالنفس ، و هذه الأسلحة تبدو فقيرة للناظر من أول وهلة ولكنه الفقر الذي تحدث عنه الطيب صالح في واحدة من ادق توصيفاته للمفارقة بين ما يراه المستعجل و ما عليه تحقق الاشياء : "نحن بمقاييس العالم الصناعي الأوروبي، فلاحون فقراء، و لكنني حين أعانق جدي أحس بالغنى، كأنني نغمة من دقات قلب الكون نفسه" العالم الاروبي تجاوز العصر الصناعي و الحداثة و ما بعدها و لا يزال يحاول أن يفك الشفرة و يصنع الطريق الي المزايا الشخصية بالمشي الطويل في دروب شاقة من التدريب و الدربة و الصناعة ، نفس المزايا الشخصية التي يكتسبها اغلب الناس في البوادي البعيدة كلازمة من لوزام رحلتهم العادية التي يعيشونها كشجرة التبلدي " يقهرون فيها الموت لأنهم لا يسرفون في الحياة " أو كما قال الطيب في موسمه ! عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.