تربت في كنف والدها وأسرتها الكبيرة الممتدة ما بين كردفان الغرة ودار جعل في الشمال واحتفظت في ذاكرتها مجاهدات رب الأسرة علي صهوة جواده يجوب الصحاري والوهاد والتلال والسهول متنقلا بتجارة الماشية التي كثيرا ما يجتاز الحدود ويدخل بها إلي ماكان يعرف بالسودان الفرنسي في أجواء احيانا ماطرة واحيانا يلفها الغبار مع وعورة الطريق وانسداد المسالك وتأثر الأب الحنون بكل هذه الإشكالات وفقد حبيبتيه ( نور عينيه ) ولكنه لم يستسلم فقد كان قلبه مفعم بالإيمان وله روح وثابة للعمل والإنتاج فغير مجري نشاطه التجاري الشاق الي سفر مابين حاضرة كردفان الأبيض وعاصمة البلاد الخرطوم ولكن هذه المرة علي متن القطار . وكان يحمل لملتقي النيلين السلع الكردفانية عالية التميز والجودة . كان هذا الشيخ ومثابرته الدؤوبة رغم ظروفه الصعبة مما غرس في الفتاة الصغيرة استشعار مبكر عن معني قوة الاحتمال وعدم الانحناءة لهوج الرياح وأن تظل الابتسامة كالعلم مرفرفة دائما في الهواء . رأت أخاها الأكبر يمتشق الطباشيرة في سن باكرة معلما بالمرحلة الأولية يجوب روابي كردفان حضرا وبادية ينثر درر العلم في تلك الوهاد والنجاد بصبر واناة استمدها من الوالد القدوة والمثال أنارت له الطريق وبشرته بالأمل وقهرت أمامه المستحيل . سار المعلم الصغير في دروب ومسالك التعليم إلي أن نال أعلي القمم الإدارية وصار من القادة ومن واضعي المناهج ظل يتابعها ويعمل علي تطويرها ولم يقعده المعاش عن هذا المشروع الكبير والخطير . ورأت أخاها الآخر عاشق الميكانيكا الذي يتعامل مع هذا العلم كموسيقي يطرب لها ويطرب بها الآخرين . كان من منسوبي شركة ( رجوا ) للحفريات وكم اجتهدوا ليشرب ريف كردفان من الماء الزلال . أما زوجها الذي وجد نفسه مسؤولا عن فريق من العاملين يتنقلون من محطة لاخري يعملون بجد واجتهاد لإنشاء طرق جديدة أو صيانة المتهالك منها وعملهم ميداني يسكنون في الخلاء في بيوت متنقلة كالرحل . كان هذا الزوج مثالا الشهامة والكرامة عندما يعود للبيت لتناول الوجبات كان يصحب معه اي عدد من ( العزابة ) يراهم أمامه وزوجته كالفارس المغوار تجهز الطعام وترفع رأس زوجها ونفسها راضية بعملها الإنساني التكافلي لدرجة الاعجاز . ورحل الزوج الوفي الي دار الخلود وترك لها أطفالا زغب الحواصل لا ماء ولا شجر مع معاش ضئيل لا يكفي ولا يغني من جوع . وهنا عند هذا المنعطف انتفضت وتقمصتها روح النضال والكفاح المستمدة من والدها واخوتها الكبار وعكفت علي العمل الجاد تارة في ماكينة الخياطة وتارة في صنع انواع من المأكولات الشهية المحببة للناس وعرفت بجودة منتوجاتها وحسن تعاملها فكان لها من الزبائن والمشترين الكثيرون . وعبرت الي بر الأمان وصار لها ابن دكتور في المعامل وابنة طبيبة أسنان تزوجت من طبيب سافر بها إلي ما وراء البحار وابن اخر ايضا يناضل ويجتهد في شتي ضروب الأنشطة الحياتية ذات الاستثمار . إصابتها وعكة قبل أيام وكان لجاراتها كثير اهتمام بها وواصلن معها الليل بالنهار يدعون لها بالشفاء ويرجون لها أن تنهض من رقدتها بكامل الصحة والعافية ولكن القضاء كان اسرع و رحلت بثينة سليلة ال القرشي علي قبرها الطاهر شابيب الرحمة والغفران ولالها جميل الصبر والسلوان وانا ( لله وانا اليه راجعون ) . حمدالنيل فضل المولي عبد الرحمن قرشي . الملازمين ام درمان . عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.