التفكير في حل المشكل الإقتصادي في البلاد لا بد أن يبدأ من بوابة التخطيط الجيد للاستفادة من ثرواتنا الطبيعية المهولة في ظاهر الأرض وباطنها .. الزراعة والحيوان هما مجال تخصصي وخبرتي عبر سنين طويلة كانت بدايتها بمشاريع الخريجين الزراعيين الذين اختاروا العمل في الحقل علي حساب الوظيفة الحكومية التقليدية .. كانت الفكرة ناجحة وصائبة لولا تدخل الإنقاذ البائدة في وائدها وهي مازالت في المهد .. كان العزم والإصرار متوفر لكل الزملاء خاصة وأننا كنا حديثي التخرج وفي عنفوان الشباب ولدينا شحنة من الحماس والإصرار لتطبيق ما تعلمناه في مقاعد الدراسة لواقع ملموس نعيشه ونراه أمامنا .. كنا نحلم بسنابل القمح تملأ الأرض وعدا واملا والحيوان يرتع في المراعي مرحا وفرحا بوفرة الماء والكلأ .. مجموعاتنا كانت تتكون من مختلف التخصصات ابتداء من الإنتاج الزراعي بكل اقسامه والإنتاج الحيواني بمختلف تخصصاته والهندسة الزراعية المدربة علي مختلف انواع الميكنة إضافة لاخوتنا في مجال الإقتصاد الزراعي .. هذا يعني أننا كنا هجين متجانس ومتكامل يبشر بنجاح فرضية الفكرة الوليدة .. تم تنفيذ فكرة إنشاء الجمعيات التعاونية للخريجين الزراعيين بعد سقوط انقلاب مايو و في بداية الديمقراطية الثانية في عام 86، وكانت ضربة البداية إنشاء خمسة جمعيات تعاونية، ثلاثة منها في القطاع المروي في السليت بولاية الخرطوم وابونعامة في النيل الأزرق والمكابراب بولاية نهر النيل، وإثنتان في القطاع المطري هما جمعية الرواد في الدمازين وجمعية القضارف بولاية القضارف .. كل هذه الجمعيات تم تمويلها بواسطة البنك الزراعي وتم تمليكها تركتورات ومعينات الحراثة اللازمة في تحضير الارض للزراعة .. بدأت التجربة وكانت تواجهها تحديات كبيرة علي رأسها عدم وجود مسارات للرعاة التي تدخل مواشيهم في الرقعة المزروعة لعدم توفر المراعي الطبيعية إضافة لمشكلة الرعاة كان هناك عدم التزام من إدارة الري بالايفاء بمواعيد بداية السقاية بسبب شح او انعدام الوقود اللازم لتشغيل وابورات الري ثم التاخير في تطهير قنوات الري من الحشائش والطمي المتراكم اللذان يسببان اعاقة انسياب مياه الري، كل هذه الأمور كانت تتسبب في عدم انتظام الري خلال الفترة من بداية الزراعة حتي موعد الحصاد، حيث تتعرض أحيانا المزروعات للعطش لدرجة تلف المحصول بالكامل .. أيضا كانت هنالك مشكلة في التسويق خاصة وأننا كنا جمعيات تعاونية كانت تسعي لبيع منتجاتها مباشرة للمستهلك باقل الأسعار وبدون دخول السماسرة والوسطاء .. للأسف كانت الدولة لا ترعي سياسة من المنتج للمستهلك، كانت فقط تفرض الضرائب الباهظة التي ترفع تكلفة الإنتاج وبالتالى غلاء المنتج الذي يؤثر سلبا علي إقبال المستهلك علي الشراء وركود حركة البيع عموما لمحاصيل الجمعيات التعاونية .. التجربة كانت مفيدة ومثمرة وتتطلب الكثير من الصبر والعزيمة حتي تنصقل خبراتنا ونتأقلم علي طبيعة المناطق التي كنا نعمل فيها .. كنا علي ثقة كبيرة بنجاح الفكرة ولم نتعجل الربح من أوائل مواسم الحصاد .. تفاجئنا بانقلاب الجبهة القومية الإسلامية والتجربة في بداياتها لم يقوي عودها بعد ومن اللحظة الأولي شعرنا بتهميش الفكرة من الحكام الجدد خاصة عند تواصلنا مع القنوات الرسمية التي تعودنا عليها مثل البنك الزراعي وإدارات الري في مناطق الجمعيات المختلفة .. الطامة جاءت عندما بدأ الطمع في المساحات الممنوحة للجمعيات حيث تم نزع أراضي جمعية ابونعامة البالغة عشرة الف فدان لصالح الشيخ عبد الباسط المالك الجديد لمشروع كناف ابونعامة ونزعت أراضي جمعيات الدمازين والقضارف والمكابراب بحجج مختلفة والنتيجة كانت تشريد المئات من شباب الزراعيين المشهود لهم بالكفاءة الي مصير مجهول .. هكذا قتلت الإنقاذ البائدة أحلامنا ونحن في بداية الطريق .. حجبت عنا الوظيفة التي مكنت فيها اتباعها و أوصدت امامنا أبواب الرزق في الحقول التي ملكتها لرجالات الإقطاع الزراعي الجدد .. هكذا اندثرت الأحلام وضاعت علي البلاد أفكار كان من الممكن أن تساهم في حل المشكل الإقتصادي الذي تعاني منه اليوم .. كما ضاعت علينا كوادر مدربة كان يمكن تكون ذخيرة لقيادة مستقبل الإنتاج في البلاد .. التفكير في الجمعيات التعاونية الزراعية التي يقودها أصحاب التخصص في المهنة ستكون أحد الأفكار الناجحة التي تسهم في إستغلال مواردنا الطبيعية من ماء وتربة خصبة في رخاء البلاد ونفع العباد .. العشم ان يعطي شباب الوطن الأولوية في فرص استثمار مواردنا الطبيعية بدل الإعتماد علي المستثمر الأجنبي الذي يأخذ أكثر مما يعطي .. ملايين العطالة في بلادنا يمكن استيعابهم في جمعيات تعاونية زراعية يقودها متخصصون في شتي ضروب الزراعة و يمولها البنك الزراعي وشركات استثمار وطنية لا يكون هدفها الربح والجشع علي حساب الوطن والمواطن .. بصراحة لقد حبانا الله بكل الثروات الطبيعية التي يحلم بها بني البشر ولكن لم نفكر يوما في كيفية استغلالها والسبب؟ .. انا ما بفسر وانت ما تقصر .. د. عبدالله سيد احمد عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. 22/2/2021