(رحل الموسيقار مكي سيد أحمد إلى الدار الآخرة قبل عشرة أعوام في 2011. رحمه الله) كانت عطبرة في خمسينات القرن الماضي تنزف بالغناء الجميل بسينما بيرفس أو الخواجة في نحو السادسة مساء. تشرق منها "لو إنت نسيت" لحسن عطية. ثم تأتي "يا حسن يا موز الجنينة يا حسن". وهي أغنية كنت أركز فيها. فيها شيء لله. واعتقد أن الدكتور مكي سيد أحمد مسه من هذه الأغنية مساً. فمن فرط قرب دار أبيه، الترزي الأفرنجي السمح الكتوم، من سينما بيرفس صار مكي شاعراً مثالاً فنانا. يا حسن. كنا نحضر طهور أولاد عبد الرحمن مصطفي بحلة التمرجية. قيل لنا إن عبد الرحمن كان مسرحياً ربما في الأربعينات مع الطيب حسن النقابي الراسخ. ولذا جاءت إلى مناسبته نقابة الفنانين للغناء والموسيقى. وتقلد الحفل حسن خليفة العطبراوي. ولم نكن نفرق بين نشيده وأغنيته. فالجو "جو فول" دائماً أبدا. وصعد إلى المسرح مكي سيد أحمد ليقدم قطعته الموسيقية الأولى ربما. واسماها "مامبو نهر العطبرة".وأدلى بكلمة أهدى بها القطعة لرابطة أصدقاء نهر العطبرة.الأدبية. وأسعدني ذلك. فقد كنت عضواً بمكتب الرابطة ولم استكمل سنواتي الست عشر. وكذلك أخوه الشاعر إبراهيم سيد أحمد. ولما احتفينا بالقطعة الموسيقية انفرجت أسارير مكي وبرقت سنه الذهبية . . . يا حسن. كان مكي زهرة المدينة. كان شيوعياً. وكان عازفاً على الكمان. وكان نازفاً مثل نزيف مساء سينما بيرفس. وكان سكرتيراً لنقابة الفنانين. وكانت الموارد من النغم والشجن متاحة له فيسعد الناس. وحكى الأستاذ عبد الله عبيد أحمد عن زواجه عام 1958 في كتابه "ذكريات وتجارب" (2005). وكان عبد الله متفرغاً للحزب الشوعي بمدينة عطبرة منذ فصله عن عمله في 1954 حتى 1958. وكان لاعباً بنادي النسر (واسمه القديم توماس). واختار الحزب الشيوعي له أن ينضم للنسر بعد تقليب للأمر بما يحقق له التمدد في الجبهة الرياضية. وكان عبد الله لاعباً بالفريق القومي أيضاً. ولعب يوماً مع الفريق القومي ضد فريق زائر من دولة شيوعية في الخرطوم.. وانغلبنا . فضاق أحدهم بالغلب وقال: "نحن نغلب كيف ونحن لاعبين بعشرة لاعبين". عرض عبد الله عبيد زواجه على لجنة الحزب الشيوعي بالمدينة. وكانت هذه ربما المرة الأولى لزواج متفرغ ما يزال صغير السن (28 عاماً). وكان مرتبه نحو 8 جنيهات وتعادل مرتب الطُلبة بالسكة الحديد. ويقبضها مع ذلك بشق الأنفس. وهكذا ينتحر البرجوازي الصغير في حزب الطبقة العاملة. وما أن تسامعت المدينة بالنبأ حتى دعت العريس لاجتماع بنادي العمال لوضع خطة لإخراج الاحتفال. وأقيم الحفل بمنزل بحي السودنة بالمدينة. وفي نهايته جرى تسليم كشف العرس ومبلغه 1100 جنيهاً. وتبرع للعرس عمال هيئة السكة الحديد وموظفيها كل قسم على حدة. ثم التجار والأندية والاتحادات الرياضية جاء بكشوفهم. ثم انتقلت المدينة إلى شندي لاستكمال الزواج. وسهرت شندي على ألحان الفنان حسن خليفة العطبراوي. كأني متأكد اليوم بأن مكي كان روح عرس عبد الله. كان ماكراً في قضاء حوائج الناس الروحية. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.