قبل أن تبين ملامح مجانية التعليم وجدت نفسي أدفع القسط الأول سبعة جنيهات كاملة في شهر يوليو 1964 إبان الحكم العسكري تحت قيادة الفريق إبراهيم عبود رحمه الله تعالي وأحسن إليه .. وقبل إندلاع ثورة أكتوبر التي اقتلعت حكم عبود من جذوره فاجأ السيد اللواء / محمد طلعت فريد الرجل النزيه والرياضي المطبوع عموم أهل السودان باعلان مجانية التعليم ... وعقب الاعلان عن هذا الحدث الضخم تم ارجاع القسط الأول لجميع الطلاب علي مستوي السودان فاستلمت من محاسب المدرسة سبعة جنيهات وكان يفترض أن ارجعها لوالدي ولكني بدلا من ذلك تصرفت فيها أولا بشراء ساعة ( جوفيال ) ابو نسر معتبرة بمبلغ أربعة جنيهات ونصف من محلات الشيخ الرجوبة بود مدني ... واشتريت بنطالا وقميصا بمبلغ جنيه ونصف وبقية المبلغ امتطيت به قطار الوحدة السريع الفخم إلي الخرطوم لزيارة الأهل والاقارب بالبقعة المباركة ... كانت حنتوب وبقية المدارس ذات ااداخليات علي نطاق القطر مرآة عاكسة لقوة ميزانية السودان التي كانت تعد بشفافية ويصرف منها علي التعليم والصحة والخدمات دون دعاية وإعلان ودون أن تطالب جهة ما بالتقسيم العادل للثروة والسلطة ... قضينا فترة مشرقة في الفرقة الأولي عرفنا فيها أن طالب حنتوب مميز ومعترف به في كافة الأصعدة ... فالمدرسة تضم خيرة الأساتذة والشعب تتنافس في ما بينها لتقديم الأجود وكان هنالك شاعر ( اغدا ألقاك ) المرحوم الهادي آدم الذي صال وجال في مجال اللغة العربية وآدابها مع زملاء له في الشعبة نذكر منهم سيد محمود الذي كان يلقب بالجمل لطوله الفارع وضخامة جسمه وهو من أبناء المحس الذين نبغوا في لغة القرآن لغة أهل الجنة ... في مجال الرياضيات سطع نجم الاستاذ ماكنزي ، بخيت عثمان ولبيب وغيرهم ... وفي مجال العلوم كان العالم المعجزة المرحوم بابكر التوم رئيس الشعبة الذي نبغ في مادة الأحياء وكان يصول ويجول في دروس التشريح ويتعامل مع طلبته وكأنهم اطباء علي وشك التخرج ... تقريباً كانت كل الشعب مميزة رغم أن الطلاب وقتها كانوا يريدون التميز في العلوم والرياضيات ويتحاشون المواد الاجتماعية كالتاربخ والجغرافية ويتندرون عليها ويطلقون عليها اسم ( كرشة ) ... أذكر أن الأستاذ ماكنزي حجة الرياضيات وهو من ام إنجليزية واب هندي كان في رحلة للخرطوم علي عربة السفارة البريطانية وحدث أن انقلبت العربة في طريق الخرطوم مدني وكان هذا الطريق حديث الإنشاء ... عندما وصل الخبر للطلاب تأثروا غاية التأثر وتمنوا لاستاذهم الجليل الشفاء العاجل ... وعلي حسب وصف الحادث وعنفه كان يتوقع أن يغيب الأستاذ ماكنزي طويلا ... ولكن وللمفاجاة السعيدة لم يمض أسبوع واحد إلا وعاد ماكنزي في كامل صحته ... كانت سعادة المدرسة لا توصف فأقام له الطلاب حفلات الابتهاج بعودته سالما ... وأذكر أنني سألته عن سر شفائه السريع رغم فداحة الحادث فقال والدموع تترقرق في عينيه : ( دخلت غرفة العمليات لإجراء عملية مستعجلة ولما أفقت من البنج وفتحت عيوني ونظرت حولي وجدت كل الأطباء الذين أجروا العملية من طلابي بحنتوب وهذا مما عجل بالشفاء ) ... نواصل . حمد النيل فضل المولى عبد الرحمن قرشي . خريج حنتوب 1968 . عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.