عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. أصدر صندوق النقد الدولي إيجازًا صحفيًا مقتضبًا عن مسار حزمة الإصلاحات الاقتصادية في السودان التي بدأت منذ يونيو 2020 وسوف تنتهي في بداية يوليو 2021 القادم, وجاء الإيجاز بمناسبة إكتمال العرض الأول من البرنامج المتابع من قبل موظفي صندوق النقد الدولي الموسوم ب Staff - Monitored Program with Sudan SMP وذلك في 5 مارس 2021 وسيصدر التقرير المفصل بعد إنتهاء مدة البرنامج في يوليو القادم. أجازت المديرة الإدارية للصندوق كريستالينا جورجيفا Kristalina Georgieva هذا العرض الأول لتقييم برنامج الإصلاحات الاقتصادية في السودان التي تهدف إلى إستقرار الآقتصاد وتعزيز الحماية الإجتماعية وإفساح المجال للقطاع الخاص وتمتين الحوكمة أو الحكمانية Governance. الصندوق يثمن الجهود الكبيرة التي تبذلها الحكومة الانتقالية في رسم مسار متين وطويل من السياسات نحو تحقيق مرامي الإصلاحات وجني ثمارها، وذلك رغم الظروف القاسية التي تواجهها وعلى رأسها وباء الكورونا. كما يدعو الصندوق إلى بذل المزيد من الجهود في الشهور المقبلة لإكمال ما تم رصده من إصلاحات. ولأهمية هذا الأمر لابد من تقديم العون الكافي من قبل المانحين ومؤسسات التمويل الدولية ويعتبر الصندوق أن الجهود الحالية المتمثلة في توحيد سعر الصرف، رفع الدعم عن الوقود والإصلاحات الضريبية التي شملتها موازنة هذا العام 2021 وزيادة تعريفة الكهرباء، كل ذلك سوف يقلل من التشوهات في الاقتصاد ويعزز من إستقرار المالية العامة للدولة. إذ أن هذه الخطوات، حسب الصندوق، سوف تحد من الإفراط النقدي Monetization, تساعد في السيطرة على معدل التضخم المرتفع وتتيح المجال في الجانب المالي لمواجهة الإنفاق على الحاجات الاجتماعية. هذه الخطوات أيضًا تعزز من إستقلالية البنك المركزي وذلك بالحد من الإفراط النقدي. بالإضافة إلى تحفيز التدفقات النقدية عبر القنوات التمويلية والتقليل من الأنشطة المتعلقة بالمضاربات Rent seeking activities. رغم السياسات الصارمة التي تم اتخاذها حيال إصلاح الاقتصاد الكلي وإزالة التشوهات المتعلقة به، إلا أن الأوضاع الاقتصادية لا زالت صعبةً جدأ متمثلة في معدل النمو المنخفض ومعدل التضخم المرتفع وضعف القطاع الخارجي المرتبط بضعف الصادرات وعدم مرونة الواردات باعتبارها سلعاً ضرورية ومدخلات إنتاج لا يمكن الاستغناء عن كثير منها. كل ذلك يضع تحديات جمة أمام جهود إستقرار الاقتصاد الكلي وتخفيض حدة الفقر. ولإستيفاء شروط مبادرة الدول الفقيرة المثقلة بالديون المعروفة ب HIPC أو Heavily Indebted Poor Countries Initiative يستوجب إصلاح سعر صرف الجمارك وذلك لتعظيم الإيرادات وتعزيز التنافسية وتفادي العودة إلى تشوهات أسعار الصرف المتعددة، بإلاضافة إلى إعمال الشفافية في إدارة المؤسسات المملوكة للدولة ومعاملاتها المالية وذلك لدعم وتعزيز الموازنة. جانب آخر ينتظر إنفاذه في إطار هذه الإصلاحات هو إصدار قانون جديد لبنك السودان، كما هو مدرج في جدول الإصلاحات، يضمن استقلاليته ويقلل من مخاطر الإفراط النقدي، بإلاضافة إلى تأسيس مفوضية مستقلة لمكافحة الفساد تساعد في إستقلالية ونزاهة المؤسسات وتعزز من الحوكمة. بالإضافة إلى ما أورده الصندوق من ملاحظات، نشير إلى أن الحدث الأكبر والأهم والأكثر جرأةً وسط كل هذه السياسات هو تحرير سعر صرف العملة الوطنية أمام العملات الأخرى والسماح للمصارف والصرافات التعامل بالنقد الأجنبي، ذلك لما وجدته هذه الخطوة من ترحيب كبير من كل فئات الشعب في الداخل والخارج في مشهد وطني رائع. التحدي الذي يواجه هذه السياسة هو قدرة النظام المصرفي الفنية في استيعاب هذه الخطوة الهامة. أمر آخر هو أن المرحلة المقبلة تتطلب تجاوز جذب تحويلات المغتربين، مع أهميته القصوى في زيادة عرض النقد الأجنبي، إلى جذب مدخراتهم، وذلك بتقديم حوافز أستثمارية بالنقد الأجنبي في مجالات مختلفة عن طريق المحافظ البنكية وغيرها من الصناديق الاستثمارية الحكومية التي من شأنها تتيح للمغتربين إستثمار مدخراتهم في المهجر بالداخل لمًا لذلك من آثار كلية على الاقتصاد بدل أن تظل نقودًا تحت الوسادة. وبعد، فلا شك أن خطوة تحرير سعر الصرف هذه مواجهة بتحديات كبيرة في المدى القصير تتطلب الصبر ومراعاة ظروف المصارف الفنية وقدراتها المالية في ظل ثلاثون سنة من العزلة والانغماس في تمويل أنشطة تجارية غير إنتاجية قصيرة الأمد وعديمة الأثر على الاقتصاد. لذلك يتوجب على الحكومة وبمساعدة المؤسسات المالية الدولية العمل على تأهيل هذه المصارف وبناء قدراتها الفنية والمالية للقيام بمهامها المطلوبة لإنجاح هذه السياسة التي يعول عليها كثيرأ في إستقرار الاقتصاد الكلي، والله المستعان. 11 مارس 2021