المتأمل لما يجري في المنطقة والاقليم حولنا لابد ان يتفق مع بعض الحقائق وهي (1) الحكومات في الدول من حولنا لا تتعامل بمنهج الاشقاء والاخوة بل تتعامل بمنهج المصلحة. فمصر السيسي دعمت الجنرال حفتر في ليبيا بالرجال والمال والسلاح وكانت طرفا اصيلا ساهم في تعميق ماساة الشعب الليبي. علينا ان نتعظ من ذلك وان نستفيد من الدرس وهو ان نفس الجنرال سيقوم متي ما سنحت الفرصة بممارسة نفس الدور تحت اكذوبة ستار (المحافظة علي الامن القومي المصري) ولعل الاسلم تسمية الاشياء بمسمياتها الحقيقية مثل امن النظام الحاكم او تنفيذ اجندة اقليمية او دولية وهكذا. (2) انتصارات اثيوبيا في سد النهضة ربما يجعل مصر السيسي اكثر اصرارا علي تعويض الخسارة عن طريق السيطرة او اعاقة استخدام السودان لحصته كاملة وتحت نفس اكذوبة الستار ( الامن القومي المصري) وهذا ربما يفسر محاولات مصر التغلغل في مجالات البنية التحتية مثل الطيران والنقل والسكك الحديدية. فكلها حتما نوع من محاولات السيطرة واعاقة عجلة التنمية في السودان. ان من حارب الاشقاء في ليبيا حتما سيحارب الاشقاء في السودان. ربما هذا يذكرنا بالاستعمار الجديد وهنا اقصد رغبة الدول القوية والمتفوقة في استغلال ثروات الشعوب الضعيفة والمتأخرة والسيطرة علي مراكز اتخاذ القرار فيها وتطويعها لمصلحتها وهو ذات مضمون الاستعمار القديم الذي كان يستحوذ علي الاراضي ويقهر الشعوب بدعاوي مختلفة لينهب ويستغل ثرواتها. هذا الامر يجعل من تأسيس الدولة الديمقراطية والتنموية امرا ملحا وضروريا وفرض وواجب ان تنجزه الشعوب الحرة. لقد بينت تجارب الشعوب بما لا يدع مجالا للشك ان تحقيق رسالة الامن القومي لإي شعب لاتكتمل وغير قابلة للاستمرار الا في وجود مؤسسات ديمقراطية توفرها الدولة الديمقراطية التنموية . هذه المؤسسات تشمل سيادة العدل والقانون (rule of law) والانتقال الديمقراطي السلمي للسلطة عبر صندوق الاقتراع وممارسة المجالس التشريعية لدورها بحرية وشفافية وكفاءة ومشاركة المواطن في اتخاذ القرار دون وصاية. في غياب تأسيس مثل تلك الدولة فان ثروات الشعوب وقرارها وسيادتها واحترامها ستعرض في أسواق النخاسة وتباع بثمن بخس. من المعلوم بالضرورة ان استغلال ثروات الشعوب عن طريق الاستعمار قد ولي عهده مثله مثل الرق والعبودية ولن يرجع التاريخ للوراء. وكذلك ماعاد اخراج وجمع الحاكم المحلي لمال او خراج من الشعب يسلمه للسلطان او الحاكم الاجنبي او المندوب السامي بصورة دورية مقبولا. الاستعمار ودفع الخراج مقابل الحماية اصبح وسيلة غير مقبولة وغير اخلاقية في عالم اليوم. من اشكال الاستعمار الجديد في عصرنا هذا مثلا مقايضة تأمين بقاء الحاكم والاسرة الحاكمة في السلطة بالقهر والقوة علي شعب ما، في مقابل منح بعض ثروات الشعب للقوي الكبري اقليميا ودوليا والامثلة من حولنا كثيرة . وكذلك ان يتم السيطرة علي رجال ونساء الدولة المحليين عن طريق عقد شراكة بين الدول القوية مع هؤلاء القادة في قمة هرم مؤسسات الدولة بحيث توفر تلك الدول حماية ودعم بالمال والسلاح والجنود والطيران وغيرها لتمكينهم من الاستيلاء والبقاء في السلطة في مقابل ان يقوم رجال الدولة بتوفير الثروات مقابل السعر الادني في الاسواق. وهكذا تمكر الدول القوية علي الشعوب المغلوبة علي امرها. وهذا يفسر حقيقة ان بعض الشعوب تواجه مصاعب وتحديات في اقامة وتأسيس دولة ديمقراطية تنموية لان القوي الاقليمية وبعض القوي الدولية لاتريد حكام وطنيين مستقلين يمارسون مهامهم ضمن منظومة الدولة الديمقراطية التنموية بل يريدون حكام ضعيفي الوطنية لايجدون غضاضة في افقار شعوبهم في سبيل استيلاءهم واستمرارهم في الحكم. بعض اهم وسائل التحصين ضد هذا النمط من الاستعمار كالاتي: اولا: ضرورة التوافق علي الدولة الديمقراطية التنموية التي يمارس فيها الشعب سيادته في انتخاب وعزل حكامه دوريا واقامة دولة العدل والقانون وارساء قيم الديمقراطية. ان استمرار حاكم لمدة طويلة من الزمن مع غياب مؤسسات المنظومة العدلية سيكون اكبر هزيمة وضربة يوجهها الاعداء للامن القومي الوطني السوداني. ان اصلاح المؤسسات الامنية والعدلية السودانية يبدأ باصلاح المفاهيم السائدة واستبدال الطالح منها وجعل تامين الدولة الديمقراطية التنموية التي يمارس الشعب فيها سيادته بحرية واستقلالية اهم واعلي واولي اهداف الامن القومي السوداني. علي الاسلاميين ان يعترفوا ان تجربتهم بائسة ومرفوضة ثم يعتذروا عنها بعد مراجعات وان يدرسوا تجارب العالم من حولهم سيصلوا حتما لحقيقة ان الدولة الديمقراطية التنموية هي خيار جيد يجب ان يدعموه لانه يمثل المستقبل الذي لا ارتداد عنه وان طال الزمن. ان ما توفره التجربة الانسانية من امثلة كثيرة يعرفها الاسلاميون جيدا فقيم الرحمة والعدالة والمساواة وسيادة القانون والصدق والشفافية وحفظ الحقوق واكرام البشر قد طبقتها في الحياة العامة الدولة الديمقراطية التنموية بنجاح كبير لم نجد لها مثيل في عصرنا مقارنة باي نظام سياسي آخر لذلك هي اقرب لقيم اهل السودان وشعبه. علي الاسلاميين وغيرهم ان يعوا ان الشعب السوداني غير قابل للترويض سيمارس هوايته المفضلة في الثورة والانتفاض علي الحكومات الدكتاتورية كما فعل مرارا وتكرارا وان افضل طريق للتعامل معه هو اتاحة الفرصة له للتغيير بصورة سلمية تناسب عصرنا هذا عبر صناديق الاقتراع. ثانيا: ضرورة تكوين مجلس تشريعي قوي. وقوة المجلس التشريعي تكمن في تمثيله الحقيقي للشعب السوداني. ان قصر اختيار المجلس التشريعي علي قوي دون اخري وقطاعات دون اخري واهمال القوي ذات السند الجماهيري الحقيقي سيجعل المجلس ضعيفا وغير قادر علي حماية ثروات الشعب واهمها قراره المستقل. ان دور المجلس التشريعي مهم جدا في الدفاع عن القرار الوطني وثروات الشعب. ان وجود السند الشعبي لاعضاء المجلس التشريعي سيسهم في ذلك حتما. حديثي هذا لايعني طبعا حرمان المجلس من تمثيل الفئات بالطبع ولكن يجعل من الاهمية بمكان الاختيار الجيد والمتوازن للمجلس. ثالثا: من المهم جدا اصلاح جهاز الامن القومي ودعمه بالرجال والنساء الوطنيين ذوي التوجه القومي الديمقراطي التنموي فغالب التحديات الامنية تحتاج لرجال ونساء بقدرات ومهارات تتناسب وهذا المجال. رابعا علي مؤسساتنا الحزبية وغيرها من المؤسسات التي لديها مصلحة في الدولة الديمقراطية التنموية ان تمارس اصلاحا داخليا يجعلها اكثر كفاءة وتنظيما واكثر جذبا للشباب والاجيال الجديدة. علي الاحزاب التقليدية ان تفسح المجال لتصعيد القيادات من القواعد وان تفصل بين الدور التأريخي للاسر وبين القيادة في عصرنا اليوم وان تعد كوادرها لدعم وانجاح التجربة الديمقراطية في مستوياتها الثلاث الحكم المحلي والولائي والفيدرالي. خامسا توسعة التحالفات والقاعدة الجماهيرية الداعمة للدولة الديمقراطية التنموية. عبر فتح ابواب الحوار والمرونة مع القوي المختلفة والسعي لضمها للتحالفات الوطنية الجامعة ودعم النقابات والروابط والتجمعات المهنية . سادسا في حالة تزايد العدوان من دول الاشقاء الاقليمية وانكشاف الغطاء الذي توفره الان بعض الدول الغربية لحكومة الفترة الانتقالية فان الباب مفتوح لصراع مسلح وعندها ربما سيجد السودانيون الوطنيون وانصار الدولة الديمقراطية التنموية الا خيار امامهم سوي حمل السلاح لتحقيق الاستقلال الثاني. وفي حالة وصول السودان لتلك المرحلة فلن ينفع بقاء الدولة الوطنية الا الاستقلاليين الحقيقيين وبعضهم قادوا الاستقلال الاول قبل سبعون عاما. وطبعا سيكون للاسلاميين دور في الزود عن الوطن ضد الاستغلال الجديد. لذلك من الضروري لقادة قوي الحرية والتغيير والحكومة الانتقالية الحالية ان تنظر ابعد من لحظتها الراهنة الي حالة وهن قد تعتري الدولة وانكشاف غطاء الدول الكبري وعندها لن ينفعها الا سند شعبي كبير وضخم من اهل السودان لنصرة الوطن واعادة الاستقلالية وحفظ ثروات السودان لاهله. ان العدو الخارجي متربص بنا وكذلك ضعاف النفوس من بيننا يعملون لافساد اي تقدم وديمقراطية وتنمية. فواجبنا ان نعد العدة وان تكون لنا خطة (ب) جاهزة قوامها الدعم الشعبي الكبير. شريف محمد شريف 14/2/2021 #رؤية سودان 2050 #عمل الفريق والسيستم عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.