ضربة موجعة لمليشيا التمرد داخل معسكر كشلنقو جنوب مدينة نيالا    مدير مستشفي الشرطة دنقلا يلتقي وزير الصحة المكلف بالولاية الشمالية    شاهد بالفيديو.. شاعرة سودانية ترد على فتيات الدعم السريع وتقود "تاتشر" للجيش: (سودانا جاري في الوريد وجيشنا صامد جيش حديد دبل ليهو في يوم العيد قول ليهو نقطة سطر جديد)        ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك    بالصور.. اجتماع الفريق أول ياسر العطا مساعد القائد العام للقوات المسلحة و عضو مجلس السيادة بقيادات القوة المشتركة    أقرع: مزايدات و"مطاعنات" ذكورية من نساء    وزير خارجية السودان الأسبق: علي ماذا يتفاوض الجيش والدعم السريع    محلية حلفا توكد على زيادة الايرادات لتقديم خدمات جيدة    شاهد بالفيديو.. خلال حفل حاشد بجوبا.. الفنانة عشة الجبل تغني لقادة الجيش (البرهان والعطا وكباشي) وتحذر الجمهور الكبير الحاضر: (مافي زول يقول لي أرفعي بلاغ دعم سريع)    شاهد بالفيديو.. سودانيون في فرنسا يحاصرون مريم الصادق المهدي ويهتفون في وجهها بعد خروجها من مؤتمر باريس والقيادية بحزب الأمة ترد عليهم: (والله ما بعتكم)    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    سوداني أضرم النار بمسلمين في بريطانيا يحتجز لأجل غير مسمى بمستشفى    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    مناوي ووالي البحر الأحمر .. تقديم الخدمات لأهل دارفور الموجودين بالولاية    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    العليقي وماادراك ماالعليقي!!؟؟    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تقرير: روسيا بدأت تصدير وقود الديزل للسودان    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اوراقي الافريقية رقم (6) .. بقلم: السفير فاروق عبدالرحمن
نشر في سودانيل يوم 23 - 04 - 2021


بسم الله الرحمن الرحيم
كدت أكمل عامين دون السفر باختياري الى اي مكان جديد ... وهذا رقم قياسي في حياتي منذ الصغر لم يتحطم ، وللغرابة، الا هذا العام من اعوام الله الذي نحن فيه الآن والذي هجمت فيه على البشرية كلها جائحة الكورونا فابطلت مشروعنا الذي أسميناه من كندا الى الكاريبي 2020 مروراً بالولايات المتحدة والإبحار على نهر المسيسيبي حتى نيواورلينز على تلك الوابورات ( اي السفن ) ذات الدواليب المشابهة لسفننا النيلية التي سافرت عليها منذ الأربعينات مرات عديدة بين كوستي والدويم اولاً ثم بين كريمة والقولد ثم بين كوستي وجوبا ثم بين حلفا وأسوان والعكس آخرها تلك التي شاهدنا فيها حلفا تغرق عام 1968.. اقول انني كدت أكمل عامين دون السفر باختياري في اجازتي المستحقة باستثناء مأمورية قصيرة لجوبا والخرطوم رفقة وفد كونغولي زائر للسودان بالإضافة لتلك المحاولة الفاشلة لإمضاء يوم واحد خارج كنشاسا عبرنا فيه نهر الكونغو الرهيب الى الجارة الشمالية برازافيل ( الكونغو الشعبية ) فاعادونا بنفس المعدية بعد أقل من ساعة واحدة .. كانوا ماوون ( وكنا في السودان مايوين )يلبسون بدلة ماوتسي تونغ ويرفعون شعارات الثورة الصينية بعد ان تركهم حليفهم الاول فرنسا يفعلون ما يريدون طالما هو مسيطر على استخراج البترول ومطمئن على مكانة اللغة الفرنسية في التعليم والإدارة .. لذلك انصرف زعيمهم الثائر ماريان نغوابي يزعج جيرانه شمالاً وجنوباً وهم بوكاسا في جمهورية أفريقيا الوسطى وموبوتو في الكونغو الكبير ( البلجيكي / الديمقراطي/ زائير) .. بعد بعض المصالحات الإقليمية سمحوا بالتنقل عبر النهر بين العاصمتين ولكنهم لم يعيدوا التمثيل الدبلوماسي وبالتالي لم تكن هناك سفارة لهم في كينشاسا لنحصل منها على تأشيرة زيارة فذهبنا ونحن في عطلة 21 اكتوبر بامل ان نري شيئاً جديداً ونغير جو.. شرحنا لأولئك الاشاوس اننا من السودان الصديق والثائر ( وكنا اول بلد افريقي يعترف بالصين الشعبية صديقتهم كما اضفنا اليها في تلك الايام اعترافنا بكوريا الشمالية وألمانيا الشرقية ) .. واننا ياخوانا لانريد بكم شراً ( ولايمكن طبعاً فنحن لانحمل معنا سواء باسبورتاتنا وشوية قريشات لزوم سندوتش او سندوتشين لكنهم أصروا على عدم دخولنا وأعادونا بنفس المعدية لكينشاسا فلم ارجع لتلك البلاد ثانيةً الا بعد نحو عشرين عاماً في مهمة رسمية اتت بي من بروكسل في العام 1988 ..
والحديث عن بروكسل والكونغو الشعبية يذكرني بشخص واحد من تلك البلاد سعدت كثيراً بالتعرف عليه ولكن بذات القدر حزنت لما آل إليه حاله في صعود وهبوط متواليين فالسيد باسكال ليسوبا Pascal Lissouba المقيم آنذاك 1988-1989 في العاصمة الفرنسية باريس كان مستشاري الفني عندما كنت رئيساً للجنة العلاقات الاجتماعية والثقافية لمجموعة سفراء الدول الإفريقية والكاريبيه والباسيفكيه ACP وهو التشكيل الدبلوماسي الذي ينسق العلاقات بين تلك الدول والاتحاد الأوروبي .. كان الرجل مميزاً في علمه ومعرفته الواسعة وخبرته ولا غرو فهو أستاذ في أكبر الجامعات الفرنسية شغل مناصب وزارية ( وزيراً للزراعة والمياه والغابات عام 1963 في حكومة الرئيس ماسمبا ديبات ) قبل ان يصعد الى منصب رئيس الجمهورية لفترة قصيرة ما جعله بعد الانقلاب عليه مهاجراً الى أوروبا ليكسب عيشه كخبير لدى المنظمات المختلفة فهو من اوائل علماء الجينات في أفريقيا ولكن وقوفه ضد العسكر والعسكرية الب عليه الاعداء الذين اتهموه بالتعالي والغطرسة . خلال وجودي في بروكسل كان يأتينا من آن لاخر الى ان حان الدور عليّ لأغادر لكني تابعت من على البعد اخباره خاصة عندما عادت الديمقراطية في بلاده لفترة قصيرة ودخوله الانتخابات الرئاسية وفوزه بالمنصب . لكنه مرة ثانية لم يسلم من أعدائه بقيادة الرئيس الحالي للكونغو الشعبية دنيس ساسو نغيسوDenis Sas Nguesso الذي اطاح به عام 1997 في اعمال شغب عسكرية عنيفة أجبره على الهروب واللجوء الى اوروبا فأقام فترة من الزمن في لندن حيث التقيته مرة ثانية واخيرة وبعدها عاش باقي سنواته في فرنسا حيث توفى في أغسطس العام الماضي ..
جدير بالذكر ان الرئيس الكونغولي هو نفسه من انتزع رئاسة الاتحاد الافريقي من عمر البشير عام 2005 في الخرطوم في سابقة مهينة لم تحدث من قبل في أفريقيا كلها وفي هذه الأيام (أبريل 2021 ) يفوز الرجل للمرة السادسة بالانتخابات في بلاده ..
جاءنا منتصف 1971 الشاب عبد الرحيم احمد خليل السكرتير الثالث الجديد في أول مهمة له بوزارة الخارجية التي أرادت له وهو القادم من ارقو في اقصى شمال السودان ان يعبر خط الاستواء جنوباً حتى كينشاسا . ربما كان في ذلك صدمة له اذ ان اغلب الدبلوماسيين يتطلعون في مهمتهم الاولى لاوروبا وامريكا لكن عبد الرحيم كان ومن ملامحه الهادئه رجلاً صبوراً ومهذباً اسكنته معي وسلمته المهام وكلب الحراسه و10 جنيهات(عشرة ج ) وهو ما يسمى بالسلفة المستديمة والملفات وهرولت مغادراً في اجازتي الأولى وكنا في رعاية السفير رحمة الله عبد الله عليه رحمة الله ..
هبطت مدينة لوممباشي فادهشتني انها مدينة حديثة وثرية من مبانيها العصرية كما انعشتني بطقسها البارد الجاف . كنا في عز الشتاء بالنسبة لنصف الكرة الأرضية الجنوبي كما ان ارتفاع المدينة عن مستوى البحر في بداية الهضبة التي تشكل حزام النحاس Copper Belt جعلها باردة على انا القادم من كينشاسا الحارة الرطبة فكان ان اصبت بنزلة برد في اليوم الثاني أجبرتني على البقاء في الفندق وهو متوسط الدرجة لكنه نظيف وإدارته اوربيه - يومين كاملين خرجت بعدهما لتأكيد حجزي على الطائرة الاسبوعية للوساكا عاصمة زامبيا فكان ان قابلت بمحض الصدفه شاباً كنقولياً أعرفه منذ عامين فكانت لديه مفاجاءة كبرى ليّ ولكن قبل ان استرسل اريد ان اذكر انني وقبل احتمائي بغرفة الفندق من نزلة البرد قد قمت بزيارة شركة معادن جيكامين Gecamines التى كانت الحاكم الفعلي للكونغو وشريان الحياة للقطر بأكمله .. وهبطت مع عدد من المغامرين الاخرين بعد ان وقعنا على شهادة تحملنا كل المسئوليه ان حدث حادث إلى أكثر من ثمانمائة متر تحت الارض لنجد مدينة تعج بالحركة والضوضاء الصادرة من حفارات يدويه تشق الصخر بحثاً عن عروق النحاس ومواد اخرى هامه جداً.. البسونا جاكتات واحذيه مطاطيه مع خوذ حديدية للرأس بها مصباح كهربائي يستمد طاقته من شاحن بطارية تتدلى من الكتف لايقل وزنها عن خمسة كيلو جرامات أمضينا ساعة وسط العمال الذين كانوا يتصببون عرقاً من الحر وجراء المجهود البدني الذي يبذلونه في للامساك بتلك الالات الرهيبه او دفع قطار صغير يحمل ما يحصدونه من حجارة ثمينة تغطي وجوههم ذرات الصخر السوداء حتى ان الأوروبيين منهم لا تعرفهم الا بصعوبه ..
الشاب الكنغولي الذي قابلته بالصدفه بعد عامين ونيف منذ تعارفنا لأول مرة في كيسنقاني خلال زيارة الرئيس اسماعيل الازهري للمدينة في عام 1969 كان يحمل في يده صحيفة محلية افردها امامي بعد ان حياني لأجد عنوانها الرئيسي انقلاب عسكري في السودان هو انقلاب هاشم العطا الذي حدث في التاسع عشر من يوليو ولم اعلم به الا بعد مدة وكان نميري قد عاد للسلطة بعد ثلاثة أيام..
غادرت لوممباشي الى لوساكا حيث حللت ضيفاً على الاخ العزيز الدكتور عبد الواحد عبد الله يوسف الاستاذ آنذاك بجامعة زامبيا .. الشاعر الرقيق والوطني الغيور ابن القضارف هو زميل دراسة في جامعة الخرطوم تعرفت عليه خلال أول مظاهرة اشارك فيها ضد نظام إبراهيم عبود بعد التحاقي بالجامعة عام 1961 اذ كان عبد الواحد الذي يسبقني بعامين مسئولاً عن الاسعافات الاوليه وكنت انا من بين ضحايا البوليس في ذلك اليوم فكان ان تولانا برعايته وهي رعاية واهتمام وجدتهما دائماً لديه كلما قابلته او اتصلت به وقد بذل مجهوداً مقدراً بمساعدتي في الحصول على عمل في فرنسا او البحرين عندما التقيته اخر مرة في مطلع الألفية الثالثة في باريس وكان وقتها قد انتقل من منظمة اليونسكو واصبح مستشاراً لوزير التعليم في المنامة وجدت في لوساكا سودانيين اثنين اخرين هم الدكتور مهلب عبد الرحمن على طه استاذ العلوم الطبيعية بذات الجامعة وشاب اسمه الفاتح يعمل بشركة ايطالية تقوم بتشييد الطرق والجسور هؤلاء الثلاثة كانوا يشكلون الجالية السودانية بكاملها دون نقصان وقد اصبت بخيبة امل ان لم اجد اياً من عمال ومهندسي سكك حديد السودان الذين جاءوا من عطبرة في العام 1968 ليديروا شبكة زامبيا وورشها فلم اجد اي واحد منهم .. بعد ان فشلت التجربة بشكل مؤسف واعيد الجميع للسودان ..
لازالت هذه المسأله تشغل بالى حتى اليوم بالرغم من مرور خمسين سنة عليها وكانت قد بدأت منذ ان شاهدت بأم عيني وبمحض الصدفة أواخر يناير موكب الرئيسين كاوندا وازهري وهما على ظهر سيارة مكشوفة داخل مدينة عطبرة وسط تهليل وترحيب مواطنيها ثم الاتفاق هناك على ارسال تلك البعثة الفنية الكاملة ( مهندسين وفنيين وسائقين وعمال ... الخ ) لتولي ادارة سكك حديد زامبيا بعد تحريرها من سيطرة وادارة جنوب أفريقيا العنصرية وقد هلل كثيرون لهذا الاتفاق وتمنوا توسيع العمل ولفك أسر الدول الصغيرة الخاضعة لهيمنة جنوب افريقيا .. كنت على ظهر قطار قادم من حلفا مع الزميل والصديق هاشم التني عائدين من باريس بطريق البر حتى الحدود المصرية السودانية حيث تركنا سيارتنا هناك في حلفا التي كانت تغرق ولما وصل القطار بنا عطبرة شاهدنا الرئيسين وهي صوره مازالت ماثلة في ذهني حتى الآن وكان الاتفاق سيفتح الباب للسودان للنفوذ في القارة الافريقية التي كانت ترزح تحت نير الاستعمار لكن سوء الإدارة اتى الينا بصورة عكسية تماماً كان افضل لنا ان لم نكن ذهبنا الى هناك اصلاً . تحريت المعلومات وحصلت على أسباب فشل تلك البعثة ولكني وددت للتأكيد الحصول على تقرير رسمي لها وسعيت وأنا في لندن مؤخراً عبر الاخوة ممن لهم صلة قوية بسكك حديد السودان كالاخ المهندس هاشم محمد أحمد المدير العام حتى عام 1987 الى مجىء الانقاذ التي أودعته في بيوت الاشباح سيئة الصيت وكذلك مع الاخ صديق الزيلعي الباحث المتخصص في شئون النقابات فلم اجد لديهما للاسف ما كنت وما زلت ابحث عنه فأن كان لديك عزيزي القارئ اي معلومة في هذا الشأن فلتتكرم بتزويدي بها .. وحتى ذلك الحين تظل هذه المحاولة الفاشلة احدى كبائر هزائمنا في أفريقيا بعد فقداننا اولاً في العام 1957 لمقر الاتحاد الافريقي لكرة القدم الذي تأسس في الخرطوم عاصمتنا التي استضافت اول بطولة افريقية فذهب المقر أو تنازلنا عنه دون دراية ( او بطيبة وبلادة لمصر ) للقاهرة ثم في العام 1963 فقدنا مقر بنك التنمية الأفريقي الموجود حالياً في ابيدجان بعد ان استضفنا مؤتمره التأسيسي ايضاً في الخرطوم هذا الى جانب لطمات متعددة اخرى مثل هزيمتنا أمام جزيرة موريس الصغيرة ( موريشص) التي ازاحتنا عن شغل مقعد في مجلس الأمن الدولي في الأمم المتحدة عام 2002 ثم جاءت اللطمة الأكبر عندما حرمنا اخوتنا الافارقة وفي عقر دارنا الخرطوم وهم ضيوف لدينا من الرئاسه الشكلية للاتحاد الأفريقي عام 2005 عندما استبدلوا البشير ب دكتاتور آخر هو رئيس الكونغو الشعبية وحتى وإن كنت انا سعيداً بأبعاد البشير الا انني حزنت للسودان ..
استمتعت بالتجول في المدينة ومحلاتها التي تبيع اللوحات النحاسية الجميلة كما زرت متحف الاستقلال وهو عبارة عن كوخ كان يسكنه الرئيس كاوندا ترك فيه اغراضه الخاصه وسيارته من طراز لاند روفر التي كان يتنقل بها خلال أيام النضال .. لكني كنت قد صدمت عند هبوطي في المطار وانا اشاهد العملة الزامبية لأول مرة وهي تحمل صورة كبيرة للرئيس كاوندا الذي كنت أضع له في ذهني صورة افضل الا ان مرض العظمة قد اصابه مثل كثير من الرؤساء الافارقة حتى وإن سموا انفسهم ثواراً او اباءً للاستقلال الي ان انتقل الينا في السودان بعد ذلك بسنوات فظهر النميري بعمامته على جنيهنا المسكين ولما سقط الرجل في انتفاضة أبريل 1985 كانت اوراق نميري المالية هدفاً للتمزيق وفكان هتاف الجماهير ( الجنيه ابو عمه قطعوه بلا رئيس بلا لمه شرطوه) قد يكون من المفيد هذا المجال ان نذكر ان السودانيين لم يتقبلوا في البداية حتى مجرد التوقيع في العملة الورقية من جانب السلطة السياسية ففي رئاسة السيد اسماعيل الازهري الاولى حين تغيرت العملة رفضت الغالبية الأوراق التى تحمل توقيعه وحرقت واستبدلت باخرى تحمل توقيع محافظ بنك السودان فما كان من مؤيدي توقيع الرئيس الازهري الا وان خرجوا وهتفوا ( حريق العملة حريق الشعب) ..
لم افوت الفرصه بأن اطير الى لفينجستون جنوب زامبيا على الحدود مع ما كان يعرف آنذاك بروديسيا الجنوبية اشاهد احدى عجائب الطبيعة شلالات فيكتوريا على نهر الزمبيزي ولكن لم استطع بسبب المقاطعة لدولة ايان سميث الانفصالية البيضاء من العبور الى الجانب الاخر الذي هو أكثر جمالاً واثارةً .. كان عليّ الانتظار ستة عشر عاماً لارى الشلالات في طرفها الجنوبي خلال زيارة في عام 1987 تهيأت لي لتلك البلاد التي اصبح اسمها زمبابوي وعلى رأسها رئيس افريقي ولكن للأسف لم يكن أحسن من ايان سميث يكفي انه قام بحماية الدكتاتور الأثيوبي منغستو هايلي مريام منذ أن هرب من أديس أبابا عام 1990 ملوثاً بدماء الملايين من أبناء اثيوبيا وارتريا على السواء وناهباً لاموالهم القليلة .. ولبث روبرت موغابي في الحكم ما يقارب أربعين عاماً قضى فيها على الاخضر واليابس..
الإقامة القصيرة بعد ذلك في دار السلام ومقديشو ثم أديس أبابا وصولاً للخرطوم غطت عليها محاكمات جعفر نميري المهووسة ضد العسكريين والسياسيين الذين اتهمهم في انقلاب هاشم العطا فكانت اخبار الإعدامات الدموية والسجون المكتظة والملاحقات الأمنية تعكر علينا أمسياتنا وليالينا بل وحقيقة احالتها الى مجالس عزاء وذلك حتى قبل ان اعرف ان قريبي الضابط في الجيش السوداني قد تم اعدامه ضمن الاربعة عشر الذين طالتهم يد نميري الحديديه.. فالنقيب بشير عبد الرازق عليه رحمة الله - والذي يصغرني بعام واحد كان الوحيد من اهلنا الذي التحق بالجيش السوداني فأهلنا كانوا يعملون عامةً في التعليم والتمريض و تجارة التجزئة وبعض الحرف اليدوية الصغيرة ..وحتى العام 2005 لم يلتحق بالجيش سواء ثلاثه اخرون وقد احالتهم الانقاذ مبكراً الى المعاش..
بعد سنوات طوال وأنا في لندن قابلت من حدثني عن تلك المحاكم العجيبة وتحديداً ما دار في جلسة الحكم على بشير فقد قال ليّ الاخ صديق عبد العزيز الذي كان وقتها ملازم ثاني في الجيش في بداية خدمته العسكرية أن المحاكمة دامت أقل من دقيقتين . و ما دار في جلسة الحكم على بشير هو ان القاضي العسكري ذاك الذي لا يتحدث الا باللهجة المصرية الصرفة دخل على مكتب صغير وجلس على حافة الترابيزة ونودي على بشير مقيداً فقال له اتلت كااااااااام يابشير رد بشير أن شخصاً واحداً قد قتل عن دون قصد فقال مصري اللسان اعداااااااااام ..
والى حلقة قادمة :-
نترك الجنوب مؤقتاً الى الهضبة الاثيوبية والقرن الافريقي بعد ان نعرج على الساحل الشمالي للقارة
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.