خطا مجلس الوزراء خطوة لها أهميتها في سبيل تعزيز حقوق المرأة والانضمام للجهد الدولي لمناصرتها، بإجازته اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) ، وتبقت خطوة أخرى يتعين أن يخطوها مجلسا السيادة والوزراء، باعتبارهما من يتولى صلاحيات المجلس التشريعي من ناحية واقعية، وذلك للمصادقة على الاتفاقية، ودون هذه المصادقة تكون الخطوة التي اتخذها مجلس الوزراء خطوة منقوصة. قرن المجلس موافقته على الانضمام للاتفاقية بالتحفظ على ثلاث من موادها تشمل: 1- المادة رقم (2) التي تتعلق بشجب أشكال التمييز ضد المرأة وإلزام الدول باتخاذ وسائل لتجسيد مبدأ المساواة في الدساتير والتشريعات الوطنية وإقرار كافة أوجه المساواة. 2- المادة (16) والتي التي تتعلق بالمساوة بين الرجل والمرأة في موضوعات الزواج والحقوق والمسؤوليات أثناء الزواج وفسخه وتحديد عدد الأطفال والولاية والقوامة والوصاية والاشراف على الممتلكات وتحديد الحد الأدنى لسن الزواج، وهذه هي المادة الأخطر التي يمكن أن تمس نظام الأسرة وفقاً لنظرة الفقهاء الحالية لمعايير الشريعة الإسلامية وتؤثر على المفاهيم التي تتبناها الدول الإسلامية. 3- المادة (29) وناقشت أمراً إجرائياً يخص كيفية فض الخلافات التي تنشأ حول الاتفاقية ونصت على إحالة الخلاف للتحكيم، إلا أن التحفظ يزيل أثر هذه ويعفي الدولة من اللجوء للتحكيم. وبناء على التحفظ فإن حل الخلاف يتم عن طريق التفاوض وهو وسيلة تتيح مرونة أكبر في تمسك كل دولة بحججها. تجاوز مجلس الوزراء بتحفظه على المواد الثلاثة منطقة النقد التي أثارها عدد من الفقهاء وأصحاب الرأي طعناً في الاتفاقية، بعدم توافق بعض موادها مع معايير الشريعة الإسلامية أو نظرتها لحقوق المرأة ووضعيتها في الأسرة. وقد سبق مجلس الوزراء في ذلك عدد من الدول الإسلامية التي انضمت للاتفاقية مع تحفظها على بعض المواد بحجة تعارضها مع الشريعة الاسلامية، ومن هذه الدول مملكة البحرين وبنغلاديش ومصر والعراق وليبيا وموريتانيا والمملكة المغربية وسلطنة عمان والمملكة العربية السعودية وسوريا ودولة الإمارات. فما يثيره المعارضون لسيداو قد تم مراعاته وأخذ به مجلس الوزراء، وما يثار من غبار بحجة تعارض الاتفاقية مع أحكام الشريعة الإسلامية في تقديري غبار في غير معترك. التحفظ في المفهوم القانوني إعلان تقوم به الدولة يهدف إلى استبعاد أثر النص الذي تم التحفظ عليه من أن يسري على الدولة. وهو يقوم على مبدأ سيادة الدولة ، وعدم الزامها بمبدأ تم تضمينه في اتفاقية إلا ما ألزمت به الدولة نفسها. فالتحفظ الذي أبداه مجلس الوزراء على بعض مواد الاتفاقية يرفع الحجة بأن الاتفاقية تخالف نظرة الفقه الاسلامي الحالي لنظام الأسرة. لم تستحدث الدول الإسلامية التحفظ على الاتفاقية وإنما سارت كثير من الدول بما فيها الدول الغربية أيضاً في نفس الطريق وأبدت تحفظات على بعض موادها الأساسية، فعلى سبيل المثال تحفظت استراليا على التدابير التي تشترطها المادة 11 التي تنص على إدخال نظام إجازة الأمومة المدفوعة الأجر ، وتحفظت إسرائيل على المادة 7 (ب) من الاتفاقية، التي تتعلق بتعيين النساء قاضيات في المحاكم الدينية حيث تحرم ذلك قوانين الطوائف الدينية في إسرائيل، وتحفظت إمارة موناكو على بعض موادها محتجة بحقها في مواصلة تطبيق قوانينها المتعلقة بالضمان الاجتماعي، التي تنطوي في ظروف معينة، على دفع استحقاقات إلى رب الأسرة،. فالتحفظ في كل هذه الحالات يرفع حكم المواد التي تم التحفظ عليها، ويجعل الدولة في مأمن من تطبيق أحكامها عليها. لا أجد سنداً أو حكمة في الزعم الذي يثيره كثير من أصحاب الأقلام بأن التقرير بشأن اتفاقية سيداو يجب أن يترك لما بعد الفترة الانتقالية حتى تبت فيه حكومة منتخبة. فقد وضعت الوثائق التي يقوم عليها نظام الانتقال على عاتق أجهزة الدولة واجب السعي لمحاربة أشكال التمييز ضد المرأة وتقوية حقوقها السياسية والاجتماعية والسياسية، فمن ضمن المهام التي حددتها الوثيقة الدستورية على أجهزة الدولة في المادة (7): (ضمان وتعزيز حقوق النساء في السودان في كافة المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ومحاربة كافة أشكال التمييز ضد المرأة مع مراعاة التدابير التفضيلية المؤقتة في حالتي السلم والحرب) وبذلك مهدت الوثيقة الدستورية الطريق للانضمام لاتفاقية سيداو وأوجبت على السلطة الانتقالية اتخاذ الإجراءات والتدابير لمحاربة أشكال التمييز ضد المرأة ومن بينها إبرام الاتفاقيات الدولية التي تحقق هذا الهدف. ما سار عليه مجلس الوزراء وبينته الوثيقة الدستورية ليس اتجاهاً جديداً وإنما أخذت به حكومة الإنقاذ وقررته في دستور السودان لسنة 2005 فأوردت المادة (15): (تضطلع الدولة بحماية الأمومة ووقاية المرأة من الظلم وتعزيز المساواة بين الجنسين وتأكيد دور المرأة في الأسرة وتمكينها في الحياة العامة) كما أكد ذات الدستور على مفهوم عدم التمييز بين الجنسين في المادة (23) فذكرت (تكفل الدولة للرجال والنساء الحق المتساوي في التمتع بكل الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية بما فيها الحق في الأجر المتساوي للعمل المتساوي والمزايا الوظيفية الأخرى) فالاتفاق على إزالة عقبات التمييز ضد المرأة أمر مقرر في الدساتير السودانية السابقة ولم يستحدثه مجلس الوزراء بموافقته على الانضمام لاتفاقية سيداو. جاءت الاتفاقية في (30) مادة وباستبعاد المواد الثلاث التي تم التحفظ عليها فإن بقية المواد تعزز قواعد تسعى الدول ومن بينها السودان إضافة إلى المجتمع الدولي بما فيه الدول الإسلامية لتأكيدها ، وتشكل انتصاراً لمبادئ أساسية في قضية المرأة والأمومة وحماية الطفولة ومنها ما يلي: 1- أن تتخذ الدول الإجراءات اللازمة بما في ذلك التشريعات للحد من جميع أشكال الإتجار بالمرأة واستغلال المرأة في البغاء القسري 2- ضمان حقوق المرأة للمشاركة في الحياة السياسية والحياة العامة بطريقة سوية، مع التركيز علي المساواة في حقها في التصويت، والمشاركة في التشكيل الحكومي، وحقها في المشاركة في المنظمات والاتحادات المهتمة بالشأن العام والحياة السياسية للبلاد 3- ضمان مساواة المرأة في فرص تمثيل حكوماتهم في المحافل الدولية والمشاركة في أعمال المنظمات الدولية 4- تساوى المرأة مع الرجل في حقها في اكتساب، أو تغيير، أو الإبقاء على جنسيتها، و التساوي بينهم في الحقوق تبعًا لجنسية أبنائهم 5- توفير فرص تعليم متساوية بين الطالبات والطلبة والتشجيع على التعليم المشترك وضمان توفير فرص متساوية بين الجنسين للألعاب الرياضية، والمنح، والمكافآت وخفض معدلات الانقطاع عن الدراسة لدى الفتيات 6- مساواة المرأة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية وخصوصًا فيما يتعلق بالحق في الحصول الاستحقاقات الأسرية، والحصول على القروض المصرفية، والرهون العقارية وغير ذلك من أشكال الائتمان المالي، وحقها في المشاركة في الأنشطة الترفيهية، والرياضات والأنشطة الثقافية. 7- الحماية اللازمة للمرأة الريفية ولمشاكلها، والتأكيد على حقها في المشاركة في مشروعات التنمية، وتوفير التسهيلات اللازمة لها للحصول على رعاية صحية جيدة من الضروري إثارة حوار عقلاني هادف حول الاتفاقية ومدى جدواها وقيمتها في تعزيز حقوق المرأة ومدى توافقها وتعارضها مع معتقدات الناس وما هو مطلوب من الإصلاح القانوني، بعيداً عن حبائل السياسة والعاطفة الدينية التي لا تستند على معرفة كافية، فالمفاهيم الواردة في الاتفاقية تتطلب بحثاً وصبراً وليس مجرد انطباع مبني على سماع. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.