ازاء الخطب الجلل والكارثة الكبرى لتجزئة السودان وبلقنته وجد الشاعر نفسه عائدا الى تقاليد القصيدة الجاهلية بأوابدها اللغوية ووقوفها الباكي على اطلال الاحباب الراحلين وفي تقمصه للشاعر الجاهلي اصطنع الشاعر السوداني لغة جزلة قريبة من لغة ذلك العصر. وهي لغة قد تبدو لنا صعبة وحوشية وقافيتها عسيرة ولا تساعد على التدفق والاطالة ولكن وجدان القاريء السوداني المسكون باحزان تلك المأساة سيفهم عن الشاعر وينفعل بكلماته و حزنه العميق على وطن يتفتت ويتحول الى اشلاء ونثارات. ومأمول ان يتحقق ذلك عن طريق وحدة شعورية بين الشاعر وقرائه تجعل الانفعال ممكنا عبر كل الحواجز . على طًللِ السودان خليليَّ هذا َربْعُ عزِّةَ هذه رسومُ مغانيها وهذي ُطلولها هنا كانتِ الأنسامُ تسري رخِيّةً تقرِّبُ أغصانَ المُني إذْ تميلها وكانت عشيَّاتُ الحِمى ذاتُ بهجةٍ يُدِلُّ بكاساتِ السرورِ مُديلها لقد نفذَ المقدورُ فيها فصوَّحتْ بساتينُها وانفضَّ عنها قبِيلُها فيا لكَ فيها من قبابٍ كواسفٍ جرى بينها كالجدولِ الضحلٍ نيلُها ويا لكَ فيها من حبيبٍ دفنتُه برابيةٍ لا ُيستطَاعُ وصولُها فأصبحَ رسماً دارساً وأضْعتُهُ بيهماءَ قَفْرٍ لا يبينُ سبيلُها خليلي هذا ربعُ عَزَّةَ أنزِلا نُخفِفُّ عن هذي القلوبِ حمولها دعاني أُسرِّي الهمَّ عني بعبرةٍ تبرِّدُ أضلاعي وتشفي غليلها بلطمٍ ولثمٍ للترابِ وحثْوِهِ على الرأسِ والاعضاءِ ) فُلُّتْ فلولها( فكيف اصطباري إذ أراها صريعةً ولا قولَ لي في أرْشِها وُذحولها* وكيف هلاكي دونَها حيثُ لم يكن قتالٌ ولم ينهضْ لحربٍ فحولها لقد أسلموها هاربين وهرولوا وما همَّهم من عُلْوِها أو سُفولها سلامٌ عليها شدَّما كنتُ أرتجي لأدوائها طِباً رؤوماً يزيلها فتصبحُ روضاً للإخاءِ وبيعةَ يطيبُ لأيفاعِ اليمامِ نزولها لحى اللهُ قوماً مزقوها وأبعدوا شقيقين كانا خُلُّةً وخليلها على طللِ السودانِ حِلًّ لك البكا وحِلّ لأنهارِ الدموعِ مسيلها وما الدمعُ والحزنُ العقيمُ بنافعٍ إذا لم تُعبّى للطّراد خيولها -------------------- * الارش:الدية والذحول الثارات مفردها ذحل Ibrahim ELMEKKI [email protected]