بسم الله الرحمن الرحيم منطقة أبيي و 14 ميل هما من مناطق التمازج و التداخل بين القبائل العربية – البقارة- وقبائل الجنوب. شكلت هذه المناطق هاجساً للإدارة البريطانية حينما وضعت إستراتيجيتها المكتوبة و المنشورة عام 1935 لفصل مناطق بحر الغزال و الاستوائية و فشودة عن السودان الذي حدد اللورد كرومر حدودة فيما عرف بإتفاقية الحكم الثنائي عقب سقوط الدولة المهدية. عرفت هذه الاستراتيجية بسياسة المناطق المقفولة و إطلق على هذه المديريات منطقة جنوب السودان لأول مرة توطئةً لفصلة عن الشمال العربي الاسلامي. بذلت بريطانيا و الكنائس الغربية التي دخلت أفريقيا في معية الجيوش الاستعمارية تبرر فظائع الاستعمار بدءً من تجارة الرقيق الى الفصل العنصري جهوداً مضنية في سياسة الفصل بين شطري الوطن الواحد. تمثلت هذه السياسة في إبعاد كل الشماليين من الجنوب و إبدالهم بالنصاري من السوريين و المصرين و الشوام و اليونان. مُنع ابناء الجنوب من التزيي بزي أهل الشمال و منع تداول العراقي و الجلابية و الطاقية في المناطق المقفولة و يعاقب بالسجن من يقوم بحياكة هذه الأزياء أو يعرضها في متجره. كان الهدف المعلن صناعة جدار في وجهة الثقافة العربية و الديانة الاسلامية من الانتشار جنوباً خاصةً و ان تأثيرها قد وصل منطقة البحيرات و الكنغو و كينيا و يتمدد جنوباً تمدد الماء في الاسفنج الجاف كما قال الحائز على جائزة نوبل اللورد تشيرشل. بالرغم من إعلان بريطانيا الدولة عام 1945 فشل هذه السياسة و أن الجنوب لا يصلح أن يكون دولة لأنه لا يملك مقوماتها و إن أي محاولة لفرض ذلك تعني مزيد من القتال بين مكونات هذه المنطقة التي لا يجمعها تاريخ أو دين أو لغة أو ثقافة. بالرغم من هذا الاعلان الرسمي المكتوب فقد ظلت الكنيسة و غلاة مفتشيي المراكز و الجمعيات التبشيرية و منظمات خفية تتبنى سياسة إشاعة أجواء التناحر و التنافر في كل أفريقيا كلاً يخدم غرضه. إستطاعت هذه المجموعات الظلامية خلق مناخ كريه في كل أفريقيا لا ينتج إلا الموت و التشرد وعدم الاستقرار و هو مناخ ملائم لسرقة موارد القارة البكر و أيقاف تمدد الديانة المحمدية في أفريقيا التي تعتبر أحد عناصر التوحيد و التقدم غير المقبول لهذه الجماعات. مجموعات دينكا نقوك هم من أكثر المجموعات الجنوبية تمازجاً مع القبائل العربية فقد بايع السلطان أروب بيونق المهدي و دخل الاسلام كما إن إبنه السلطان دينق مجوك كان أقرب الى الاسلام من غيره و جُل أبناءة و أحفاده من المسلمين ورفض العودة بقبيلته اليبحر الغزال بالرغم من إغراءت و ضغوط مفتشي الادارة الإستعمارية وفضل البقاء في دار المسيرية و الإنضمام لمجلسها الريفي الذي الذي أنشأته الادارة البريطانية عام 1949 ورفض كل الخيارات التي تربطة بمديرية بحر الغزال. في إطار سياستها لنشر الكراهية و الفتن إحتضنت الجمعيات التبشيرية عدداً كبيراً من أبناء سلاطين و عمد دينكا نقوك و أدخلتهم المدارس حيث كانت الكنيسة تشرف على مجالى التعليم و الصحة في الجنوب و تم تعميد جل هؤلاء ( إعطائهم أسماء مسيحية.. فرنسيس , وليم , جون , الفريد.... الخ) ورعاية النابهين منهم و إعدادهم نفسياً و ذهنياً لتبني سياسة كنيسة الرجل الابيض في أفريقيا. بعد وفاة السلطان دينق مجوك عام 1969 خلفة إبنه عبدالله ولكنه قُتل في ما وصف حينها بصراع داخل القبيلة . السلطان كوال دينق مجوك مسلم و كان ناشطاً في العمل الاسلامي و عضواً في المؤتمر الوطني حتى توقيع إتفاقية نيفاشا عام 2005 و بعد أن إتضح أن الاتفاقية مُفضية الى الانفصال إنضم كوال مع من إنضم من قادة الجنوب الى الحركة الشعبية و تطرف في دعوتها لضم منطقة أبيي لدولة الجنوب لإثبات صدقية إنضمامه لقوى الانفصال الغالبة. القوة الخفية التي كانت وراء إنفصال الجنوب و ما زالت تسعى بالفتن بين أهل السودان و تؤجج الأقتتال على طول مناطق التمازج في سبيل تمزيق وشائج الإخاء التاريخية بين أهل الشمال المسلمين و أهل الجنوب شبه المسلمين لم تكن راضية عن كوال رغم مواقفه المتطرفة فدفعت به الى مصيره هذا خدمةً لأهدافها. فالرواية الحقيقية لقتله ذكرها ناظر المسيرية مختار بابو نمر في مقابلة مع صحيفة الرأي العام نثبت فقرات منها للتاريخ لأنها لشاهد عيان و من الأعيان العدول. في ظل تناقض الروايات عن مقتل سلطان دينكا نقوك كوال دينق، ربما كان من المناسب أن نسألك ابتداءً عن ما الذي حدث بالضبط السيد الناظر؟ ما حدث بالضبط، أن أهلنا المسيرية أخذوا (الدينكا) منهم قبل أسبوع تقريباً نحو (600) بقرة، وطالبوا أخونا كوال بإرجاع هذه الأبقار، ولكن كوال لم يستجب. فكوّنوا لجنتين (تسعة من العرب وتسعة من الدينكا) لحل هذه المشكلة، والعُمد الذين ذهبوا إلى هناك ضمن اللجنة حذّروا القائد العام للقوات الأثيوبية وقالوا له إن كوال هذا يصرّح بأنه لا يريد أي شمالي في أبيي ونحن بعد ذلك لن نأتي إلى أبيي، لكن لكي نحافظ على العلاقة بيننا وبينهم، يجب ألاّ يأتوا هم شمالا إلى مناطق العرب. وقد حذروا القائد الأثيوبي بأن كوال إذا جاء وحصل له أي شئ فأنتم من يتحمل المسؤولية. ولكن أول أمس السبت 4 مايو 2013، أخذت قوة أثيوبية كوال وأتت به لمنطقة شمال بحر العرب بخمسة وعشرين كيلو والعرب عندهم (بقرمفقودة) يواصل الحكي بلجهة مسيرية دارجة: أول كوال ما جاء، قالوا ليه: يا خي تعال نحن عندنا بقر أهلك ساقوها ودايرين بقرنا ديل. فقال ليهم: البقر دي أنا ما بعرفها. فقالوا له لا أضرب لي ناسك، وإذا البقر دي ما جات إنت حتقعد معانا هنا بالأثيوبيين المعاك ديل، أقعدوا لحدي بقرنا ما تجي. والأثيوبيون طبعاً ناس عُجُم، ولو كانوا قوات سودانية كانوا عرفوا ان الناس قاعدين في اجتماع لحل مشكلة ويجب أن ينتظروهم لكي يصلوا إلى نتيجة ولكنهم حاولوا يشيلوا كوال بالقوة، والعرب قالوا ليهم ما بتشيلوه، فحصل اشتباك بين القوات الأثيوبية والعرب، والذخيرة طبعاً ما عندها عيون بتشوف بيها، فالأثيوبيون ضربوا في المليان وقتلوا (16) من العرب، والعرب قتلوا (9) من القوة الأثيوبية، وكل زول رجع بعد ذلك وكان كوال داخل القوات الأثيوبية والذخيرة أخذته مع الناس الماتو ديل من سردك لتفاصيل واقعة الاغتيال، يبدو أن السلطان كوال لم يكن طرفاً في ما حدث له؟ -صحيحٌ كوال لم يكن طرفاً في الاشتباك، ونحن نعتبر قتل كوال فقد بالنسبة لنا في المسيرية، فهناك علاقة أزلية بيننا منذ أبائنا وجدودنا ولا نرضى أصلاً بأن يُقتل كوال، فهو من أكثر الذين يفهمون العرب وعندما يأتينا شخص جديد من أولاد دينكا نقوك (المثقفين ديل) لن يفهمونا مثل كوال، لذلك أنا أفتكر أن قتله خطأ، وهذا القتل سيُحدث هزّة في حكومتي الشمال والجنوب، لأن (75%) من حكومة الجنوب من أبناء دينكا نقوك وسوف يؤثّرون في حكومتهم، وإذا طلبوا أي طلب ونُفِّذ لهم سيكون مشكلة بين الشمال والجنوب. عندما تقول إنّ السلطان كوال دينق لم يكن طرفاً فيما حدث، فهل يعني ذلك أنه لم يكن مقصوداً في ذاته بالقتل؟ كوال لم يكن مقصوداً، لولا هذا التصرف الأهوج من القوة الأثيوبية ما كان سيُقتل. برأيك ما هو أثر مقتل السلطان كوال دينق على مستقبل التعايش والاستقرار بالمنطقة؟ سيؤثر أثراً كبيراً جداً، فنحن علاقتنا قديمة وعلى رأس هذه العلاقة كان كوال نفسه، وهو الوسيط بيني ودينكا نقوك والرجل الذي كان يفهمني، وبعد مقتله كيف أتفاهم مع دينكا نقوك، فقد كان هو الوحيد الذي يعرف العرب وعادتهم. إلى أي مدى أنتم جاهزون للتعاطي مع لجنة التحقيق التي ستكوِّنها السلطات الحكومية في حادث مقتل كوال ؟ نحن مصرون على هذا التحقيق حتى يعرفوا من أين جاء الخطأ.. هل منا نحن أم من القوات الأثيوبية. في ظل أعداد بهذا الحجم الكبير من المسلحين، ألا ترى أنه من الصعب معرفة من أطلق الرصاص على كوال على وجه التحديد؟ نعم، لكن أنا أؤكد لك ان الناس الذين كانوا في مواجهة القوات الأثيوبية وهم (16) شخصاً ماتوا في مكانهم جميعاً، فالقوات الأثيوبية ضربتهم كلهم. كيف كانت طبيعة علاقتك كناظر للمسيرية بسلطان دينكا نقوك القتيل كوال دينق مجوك؟ علاقتي مع كوال كانت علاقة أخ بأخيه، وأنا حتى بعد كل هذه الحوادث التي حدثت كنت عندما أذهب إلى أبيي (أنزل) في بيت كوال، وهو رجل كريم وأخو اخوان، وعندما (ننزل) في بيته تنتهي أية خلافات بيننا، لذلك كان رجلاً قائداً ولم يكن (زول ساكت). نعم كوال دينق مجوك لم يكن زول ساكت....بل مات مسلماً... فقد أبى التعميد... و حمْل إسم الكنيسة... جون, فرانسيس, الفريد...كما فعل بعض من إخوته ...لذا تخلصت منه القوة الخفية التى تحرك مسرح الأحداث هذه الايام كما قتلت من قبل أخيه عبد الله الذي خلف والده دينق مجوك عام 1969 والأيام حبلى و الله غالب على أمره - وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ- سورة الأنفال: آية 30 أ.م. تاج السر حسن عبد العاطي جامعة الجزيرة - ودمدني 06 يونيو 2013 tagelsir hassan [[email protected]]