عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. (1) فيما يغلي الشرق الأوسط وتتململ بلدانه العربية ، وبلدانه الأفريقية العربية ، بين نزاعات هنا وصراعات هناك، فإنّ الجوار الأفريقي يقف حذراُ إزاء ذلك الغليان، واكثر خشيته أن تصيبه عدوى الصراعات والنزاعات والإرهاب الدولي. تلوح رايات التطرف الإسلامي عند "بوكو حرام" في نيجيريا ، وفي عمائم الإسلامويين في دولة مالي. . نسمع في الأخبار عن رغبة رئيس وزراء الكيان الصهيوني في القيام بجولة أفريقية، يأمل عبرها في استعادة المواقع السياسية في القارة الأفريقية ، والتي فقدتها إسرائيل منذ أكثر من ثلاثة عقود. . (2) حدّث المفكر السوداني جمال محمد أحمد، الذي كان يوماً وزيراً لخارجية السودان، أنه قدِمَ مبعوثاً من رئيس السودان في أوائل سبعينات القرن الماضي، إلى الرئيس الجزائري الأسبق بومدين، يطلب سنده لتكون الخرطوم مقراً للمصرف العربي للتنمية في أفريقيا الذي اقترحه العرب لعون بلدان تلك القارة. كان السودان يعلم بسعي الجزائر لاستضافة ذلك المصرف. قال الرئيس الجزائري للسفير جمال: تقدر الجزائر دور السودان الإيجابي بين العرب والأفارقة ، وتؤيد الخرطوم مقراً له، ثم أضاف وكأنه يهذر: إن الجزائر ستضمن لكم موافقة كلّ "العرب الأفارقة" ، ولكن عليكم في السودان السعي للحصول على موافقة "عرب آسيا". . بقي المصرف العربي للتنمية في أفريقيا ، حاضراً في العاصمة السودانية إلى الآن، يقدم عونه للبلدان الأفريقية دون منٍّ أو أذى، يموّل أكثر مشروعاته الإسهامُ العربي القادم أكثره من "عرب آسيا"، أولئك الذين حدّث عنهم بومدين وجمال في سنوات السبعينات تلك. . (3) لنا أن نسأل ما الذي حاق بأطر التعاون العربي الأفريقي ، حتى لنرصد رغبة الكيان الإسرائيلي التي عبر عنها رئيسه "نتنياهو" ، في اجتراح مبادرة تهدف إلى استعادة العلائق الإسرائيلية مع الدول الأفريقية ، عبر جولة غير مسبوقةن في عدد من البلدان الأفريقية . ..؟ ثمة اعتبارين نقف عليهما، يفسران طرفاً من اسباب إعلان نتنياهو عزمه القيام بجولة في القارة الأفريقية. هنالك اعتبار شخصى يخصّ نتنياهو وأسرته ، وهو حلول الذكرى الاربعين لمقتل شقيقه الأكبر الكولونيل "جوناثان نتنياهو" في "عملية عنتبي " الشهيرة في يوليو من عام 1976. كان فصيل من المقاومة الفلسطينية المسلحة قد قام باختطاف طائرة "ايرفرانس" في طريقها إلى باريس من مطار اللد الإسرائيلي، وقاموا بتحويلها إلى مطار "عنتيبي" في يوغندا. قامت إسرائيل بإنقاذ الرهائن في عملية جريئة، تجاوزت فيها الكثير من الأعراف الدولية، واخترقت طائرتها أجواء عدد من البلدان، لتصل- بتواطؤ كيني مفضوح - إلى المطار اليوغندي. الضابط الاسرائيلي الوحيد الذي لقى حتقه في تلك العملية، هو قائدها الكولونيل "جواناثان نتنياهو"، شقيق "بنيامين نتنياهو" الأكبر. يشكل إحياء ذكرى مقتل شقيق رئيس الوزراء الإسرائيلي، فرصة يعزز خلالها رئيس الوزراء مكانته السياسية في الداخل. . (4) الإعتبار الثاني - وظني هو الأهم- أن جولة نتنياهو ستمهّد لاستعادة الوجود الإسرائيلي المفقود في القارة الأفريقية. ولأن إسرائيل تقرأ جيداً كتاب الأحوال في الشرق الأوسط، فإن "عرب آسيا" و"عرب أفريقيا"- على وصف المفكر السوداني جمال محمد أحمد- هم في انشغال منذ عام 2011 وإلى الآن، بأمرين أولهما ، ملاحقة تداعيات "الربيع العربي" ، وهو ما قد يراه البعض نذر فوضى خلاقة أكثر منه ربيعاً حميدا . تؤمّل أطراف عديدة في المجتمع الدولي، أن تجني ثماراً في ذلك "الربيع" قبل احتراق بساتينه. إسرائيل طرف طامع في استعادة خسائره من تضامن الأفارقة مع القضايا العربية منذ منتصف سبعينات القرن الماضي، ولن تترك السانحة تفلت من بين أصابعها . الأمر الثاني هو انشغال المنطقة بالحرب على الإرهاب الدولي الذي شوهه إسلاميون متطرفون في الغرب. تدافعت الدول العربية لتعزيز التعاون العربي الأفريقي، وعقدت بشراكة مع الاتحاد الأفريقي، مؤتمرات قمّة ناجحة ، آخرها القمة العربية والأفريقية الثالثة، التي انعقدت في نوفمبر من عام 2013 في عاصمة الكويت . لكن لإسرائيل مطامع ، والسوانح مغرية. (5) لو نظرنا إلى خارطة العلاقات العربية الأفريقية، لن نجد أبرز من المصرف العربي للتنمية في أفريقيا وجهوده في تمويل مشروعات تنموية في العديد من البلدان الأفريقية، ثم بعض المساهمات المالية والقروض على مستوى العلاقات الثنائية. أقرت القمم المشتركة خططا طموحة لترسيخ التعاون العربي الفريقي، لكنه ما زال دون التوقع وأدنى من المأمول. لعلّ المؤمل أن تتحقق شراكات حقيقية ترتقي بالعلاقات بين الكتلتين، إلى آفاق أرحب من مساحة التعاون المحدود الحالي. برغم سخاء المصرف العربي في منح قروضٍ لمشروعات تنموية في بلدان أفريقية عديدة، فإن النظرة الأفريقية لا تراها إلا مكافأة مادية لمواقف سياسية، تجاه القضايا العربية في عمومها ، والقضية الفلسطينية بالخصوص. (6) لربما يشكل بطء وتيرة الشراكات العربية –الأفريقية عاملا يفتح الثغرة المطلوبة لتلج منها الدولة العبرية ، ولكن العامل الرئيس الذي أعانها، هو انشغال البلدان العربية والعربية الأفريقية، بالنزاعات الناشبة في سوريا واليمن وليبيا وأيضاً السودان، واضطراب الأحوال في كل بلدان "الربيع العربي". ليس ذلك فحسب، بل أن الجامعة العربية وقد كانت رأس الرمح في تعزيز أطر التعاون مع المنظمة الأفريقية ، تضاءل دورها حتى في معالجة القضايا التي تخصّها. يكفي أن نرى النزاع السوري يعالجه وسيط دولي في "جنيف" والصراع اليمني يعالجه ممثل دولي يحاول أن يجد له مخارج في دولة الكويت ، والتنازع في ليبيا وقد بانت أنياب "داعش" فيه، أوكل إلى وسيط دولي ثالث من طرف الأممالمتحدة. . (7) أمام العين الأفريقية، لا تبدو الصورة مشجّعة لتعاون ملموس مع أطراف عربية في المشرق وفي المغرب، تحاصرها الإضطرابات والزعازع. المارد الإسرائيلي في نظر الأفارقة ، يملك القدرات السياسية والمالية والعسكرية. إن جولة رئيس الوزراء الإسرائيلي، والتي تتعمد الصيد في الماء العكر، ستحقق لإسرائيل، أكثر ما خسرته في علاقاتها الأفريقية منذ سنوات السبعينات. فيما قررت القمة العربية الأفريقية الثالثة في الكويت أن تعقد قمتها الرابعة قبل نهاية عام 2016، فإن على أمانتي الجامعة العربية والمنظمة الأفريقية أن تستذكرا ذلك التاريخ المضروب ، فتعدان عدتهما لقطع الطريق على المطامع الإسرائيلية. . الخرطوم – يونيو 2016