حديث المدينة عثمان ميرغني خلال جولاتي في أرض الاعتصام (Ground zero) أمام القيادة العامة للجيش، وعند خروجي من الموقع شاهدتُ شاباً يقف في حاجز التفتيش الأخير وهو يردد عبر المايكرفون بصوت حنين للغاية: (ما تمشوا خلونا.. بالليل بدقونا).. سرت في جسمي رعشة غريبة وكأنه فعلاً يترجاني بالبقاء في الاعتصام رغم أنه نداء موجه على الشيوع. الآن؛ استشعر النداء ذاته من كل شباب السودان الذين قدَّموا أكثر من 80 شهيداً ومئات المصابين بعضهم فقد يده أو قدمه أو عينه فداءً للوطن.. هؤلاء الشباب الذين يفترشون (الظلط) لأكثر من عشرة أيام أمام القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية بات لسان حالهم يردد بكل ألم: (ما تمشوا تخلونا..ثورتنا بسرقونا). وبصراحة ليس الخوف من سرقة الثورة.. فالمسروق هنا مجرد (شرف) ولكن المصيبة في خنقها وقتلها عمداً أو جهلاً أو طمعاً..الخوف أن تتسبب عملية السرقة في ضياع الثورة وإهدار الدم الذي سال من أجلها.. بل وأكثر من ذلك أن تخسف بالسودان إلى درك الاحتراب الداخلي مثل بعض دول الربيع العربي المنكوبة. ليس من سبب واحد يبرر حالة (وجع الطلق) التي تكابدها بلادنا الآن.. لماذا لا تجتمع كل القوى السياسية والمهنيين في مكان واحد للاتفاق على طلب واحد يقدم للمجلس العسكري لتسليم الحكم لإدارة مدنية بالكامل؟ لا داعي لتعقيد الأمر.. ليس مطلوباً الآن سوى التوافق على تسمية نواب مجلس تشريعي (البرلمان) وهم يتولون بعد ذلك تشكيل الحكومة من قمة رأسها إلى مجلس ورئيس الوزراء.. الحساسيات والغَيرة السياسية دائماً تنحصر في تسمية الوزراء أو رأس الدولة والوزارة.. ولكن هذه المشاعر السالبة تضمحل كثيراً عند النظر إلى نواب البرلمان.. ربما لأن العقل السياسي في بلدنا (يستهيف) سلطات وصلاحيات البرلمان ويراها محض (طق حنك) ولا تحيط بنوابه الصافنات الجياد.. وهذا مما يجعل تسمية النواب أمراً منزوع المخاطر والحساسية.. يقيني أنهم قادرون على تسمية مائة نائب برلماني في أقل من ساعة واحدة.. إن صدق العزم والمسعى. الشباب المعتصمون أمام القيادة العامة ينتظرون بأحرِّ من الجمر (زغرودة) إعلان التوافق بين القوى السياسية.. فلماذا نطيل انتظارهم؟ أقترح الآن أن تعلن القوى السياسية المعنية بالأمر دخولها في معسكر مغلق لا تخرج منه إلا ببرنامج عمل مفصل واضح يرسم تفاصيل المرحلة التي تستشرفها بلادنا الآن. برنامج عمل لتأسيس دولة حديثة تواكب مطلوبات العصر اليوم. باقي من الزمن دقيقة واحدة فقط!! التيار