قال الأستاذ الطيب مصطفى في واحدة من (زفراته الحرّى) أنه (يظن) أن المسؤول الكبير الذي قيل إن المستشار مدحت حاول ان يرشوه بقطعة أرض مميزة عندما كان مديراً للأراضي، هو الرئيس- أى (بالواضح المفتشر) ان مدحت حاول رشوة الرئيس، رغم أن الطيب حاول (دغمسة) الموضوع بوضعه تحت بند (الظن) الذي قد يخطيء وقد يصيب، فلماذا لا (يظن) الاستاذ الطيب مصطفى أن ذلك المسؤول الكبير هو النائب الاول علي عثمان مثلاً أو حتى نافع، أليس هما مسؤولان كبيران ايضاً (والكبير الله) أو على الاقل لو تركه معمماً هكذا (مسؤول كبير) دون ظن، الحقيقة ان (ظن) الطيب هنا هو عين اليقين وليس مجرد حدس أو تخمين كما حاول ان يوهمنا بأنه يرجم بالغيب، وذلك لسبب بسيط جداً لا يغيب حتى على (الهبنقة) وهو قرب الطيب الشديد من الرئيس ومعرفته بالكثير من أحواله وإطلاعه تقريباً على كل خباياه وأسراره، لعدة أسباب أقلها أنه (خاله) والولد خال والبنت عمة كما نقول في مثلنا السوداني... وإشارة الطيب للرئيس هنا على درجة عالية من الأهمية، فهى تكشف الى أي مدى تغلغل الفساد في اوساط بعض الجهات والشخصيات المتنفذة وبلغت جرأة المجاهرة به حداً بعيداً حتى كاد يصبح عملاً (تنفيذياً) روتينياً يعتقد مرتكبه أنه يحسن صنعاً سيجد عليه الثناء، ولهذا لم يتورع هذا المستشار الراشي من تقديم رشاويه لأعلى مرجع في الدولة وهو الرئيس الذي ليس بعده مسؤول، ولكم بعد ذلك أن تتصوروا ما يمكن ان يكون قد فعله هذا المستشار ومن هم على شاكلته من الراشين والمرتشين مع من هم دون قامة الرئيس ومقامه، لا شك أنه وأمثاله قد فعلوا العجب العجاب مع الآخرين ما دام قد فعل ذلك مع الرئيس، وقد حيرني جداً أن تبلغ الجرأة بأحد حد رشوة الرئيس شخصياً، فالمعلوم أن رشوة الكبار وخاصة الكبار جداً لا تتم كفاحاً وإنما من وراء حجاب عبر آخرين من حاشيتهم، أما أن يجرؤ أحدهم على تقديم الرشوة للكبير مباشرة دون أن يرمش له جفن، فذلك لا تفسير له سوى أمرين، أما انه غبي بدرجة مشير أركانحرب، أو أنه سمع ورأى وكشف من عمليات الفساد ما حمله على الوثوق بأن الفساد صار مؤسسي ولغ فيه الجميع، مثل ذلك الذي حكته النكتة عن إحدى البلدان التي اشتهرت بانتشار الرشوة والفساد والواسطة وسرقة أموال الدولة، وتقول النكتة إن رئيس تلك الدولة بينما كان يجتمع بوزرائه كافة رن جرس هاتفه وعندما رد عليه وجد زوجته على الطرف الآخر وهى تصرخ وتولول وتأمره أن يحضر فوراً لأن المنزل تعرض لسرقة كبيرة، هدّأ الرئيس من روعها ثم أجال النظر بين وزرائه الجالسين وأخذ يعدهم واحداً واحداً وعندما وجد العدد كاملاً غير منقوص عاد لزوجته وقال لها (غريبة كل الحرامية موجودين هنا معاى فمن يكون هذا السارق يا تُرى).... حيدر المكاشفي